في أحدث تطورات ملف “سد النهضة” والخلاف المستمر عليه بين مصر وإثيوبيا والسودان، أعلن مجلس الأمن الدولي، الخميس 1 يوليو/تموز 2021، أنه لن يكون بمقدوره حل الخلاف بين الدول الإفريقية الثلاث حول السد، باعتباره “خارج نطاق” المجلس، الأمر الذي يُفسَّر على أنه “خذلان” للقاهرة والخرطوم.
وبعد فشل تدخل مجلس الأمن الذي كانت مصر قد عولت عليه لفترة طويلة، ما الخيارات المطروحة أمامها إلى جانب السودان؟ وهل يصب موقف مجلس الأمن في صالح أديس أبابا؟
الغرب يغلق أبوابه أمام مصر
بكل وضوح، قال المندوب الأممي نيكولا دي ريفيير، في مؤتمره الصحفي بشأن عقد جلسة حول سد النهضة: “مجلس الأمن لن يكون بإمكانه حل هذا الموضوع”. وأردف دي ريفيير: “هذا الملف هو بين مصر والسودان وإثيوبيا، وعلى هذه الدول الثلاث أن تتحدث فيما بينها وتصل إلى ترتيبات لوجستية بشأن التعاون والمشاركة في حصص المياه”.
وعلل المسؤول الأممي حديثه- الذي خيّب آمال مصر التي كانت قد طالبت مجلس الأمن بالتدخل- بالقول: “بصراحة لا أعتقد أن مجلس الأمن لديه الخبرة اللوجستية لكي يقرر كم حجم المياه التي ينبغي أن تذهب إلى مصر أو السودان، هذا الأمر يخرج عن نطاق مجلس الأمن وقدرته”.
وأضاف أن “ما يستطيع مجلس الأمن أن يفعله إزاء سد النهضة هو دعوة الدول الثلاث إلى طاولة المجلس للتعبير عن قلقهم، وطبعاً بعض من هذه المخاوف لها مشروعيتها”.
مشيراً إلى أن المجلس سيقوم بعد ذلك “بتشجيع الأطراف على العودة إلى طاولة التفاوض فيما بينها للوصول إلى حل، أعتقد أن مجلس الأمن لا يمكنه فعل شيء أكثر من ذلك”.
وكانت مصر قد أعلنت الثلاثاء الماضي، إرسال الملف المتعلق بالسد إلى الأمم المتحدة، فيما صرح وزير خارجيتها سامح شكري، بإجراء اتصالات لعقد جلسة لمجلس الأمن حول الموضوع.
وتصر أديس أبابا على تنفيذ ملء ثانٍ للسد بالمياه، في يوليو/تموز الجاري، وأغسطس/آب المقبل، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق بشأنه، وتقول إنها لا تستهدف الإضرار بالخرطوم والقاهرة، وإن الهدف من السد هو توليد الكهرباء لأغراض التنمية. بينما تتمسك القاهرة بالتوصل أولاً إلى اتفاق ثلاثي حول ملء وتشغيل السد لضمان استمرار تدفق حصتها السنوية من مياه نهر النيل.
مصر تحذر أوروبا من تبعات “تعنت” إثيوبيا
ويبدو أن إغلاق مجلس الأمن بابه في وجه القاهرة، دفع وزير الموارد المائية والري المصري محمد عبدالعاطي، الجمعة 2 يوليو/تموز 2021، إلى تحذير الأوروبيين من تبعات استمرار الأزمة بسبب “تعنت” أديس أبابا.
قائلاً إن بلاده تعد من أعلى دول العالم جفافاً؛ وهو ما قد يفاقمه استمرار إثيوبيا في “تعنتها” بملف سد النهضة، محذراً من أن نقص المياه سيتسبب في ارتفاع أعداد الشباب الراغبين في الهجرة بطرق غير شرعية لأوروبا، والانضمام لـ”جماعات إرهابية”، بحسب تعبيره.
وسبق لمصر التحذير مما سمته “احتكاكاً دولياً” سيعرض السلم والأمن الدوليين للخطر، حال استمرار جمود ملف سد “النهضة” الإثيوبي، وذلك في رسالة إلى مجلس الأمن الدولي، الذي رد لاحقاً بعدم صلاحيته في هذا الملف.
وكانت أديس أبابا قد وجهت رسالة مماثلة إلى مجلس الأمن قبل نحو أسبوع، اتهمت خلاله القاهرة والخرطوم بتعطيل المفاوضات في أزمة السد تحت مظلة الاتحاد الإفريقي، وهو الأمر الذي يبدو أنه قد دفع مجلس الأمن للامتناع عن التدخل بهذا الملف.
يعتبر سد النهضة، البالغة تكلفته أكثر من 4 مليارات دولار، أكبر مشروع لتوليد الطاقة الكهرومائية في إفريقيا، بينما تقول مصر والسودان إنه يهدد حصتهما من المياه، إضافة إلى التأثير على منشآتهما المائية وتقلص المساحات الزراعية.
مصر والسودان على بعد أيام من الملء الإثيوبي الثاني للسد
لم يعد يفصل إثيوبيا عن الملء الثاني للسد سوى أيام قليلة، مما يعمق الخلاف الإقليمي بشأن المشروع الإثيوبي، ويهدد بوقوع مفاجآت بعد احتجاب المجتمع الدولي عن التدخل بالأزمة.
ويقول أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، عباس شراقي، لشبكة “الحرة” الأمريكية، إن أحدث الاستنتاجات تظهر أن الإثيوبيين على وشك الانتهاء من صب خرسانة، يبلغ طولها أربعة أمتار بدلاً من 30 متراً، للممر الأوسط للسد، وهذا يعني أن المرحلة الثانية للتخزين ستسع لأقل من أربعة مليارات مكعب من المياه “حتى الآن”.
وتقول أديس أبابا إنها ستبدأ الملء الثاني لخزان السد بعد هطول الأمطار الموسمية هذا الصيف، وهي خطوة يعارضها السودان ومصر، ويطالبان باتفاق ملزم بشأن ملء وتشغيل السد الذي تبلغ تكلفته عدة مليارات من الدولارات.
وأضاف شراقي في تصريحاته للشبكة الأمريكية يوم الإثنين 28 يونيو/حزيران 2021، إن “الأمطار تتزايد، لكن لا تزال بحيرة سد النهضة بنفس الحجم الذي كانت عليه الشهور السابقة، وتخزين المرحلة الثانية لم يبدأ بعد”.
مستبعداً أن تتمكن إثيوبيا من تعلية جدار السد الأوسط في الشهرين المقبلين، قائلاً: “في منتصف أغسطس/آب سيزيد هطول الأمطار الموسمية، ويمر الفيضان من أعلى السد، وبالتالي تصعب التعلية في هذا الوقت”. لكنه عاد ليقول إن إثيوبيا يمكنها زيادة ارتفاع الخرسانة خلال الأسبوعين القادمين، مضيفاً: “ستتجمع المياه أمام السد، في الأسبوعين المقبلين، أما بعد منتصف يوليو/تموز سيزيد الفيضان وستعلو المياه فوق السد”.
خيارات مصر والسودان
تعتمد مصر على النيل في الحصول على ما يصل إلى 90% من مياهها العذبة، وقد صرح المسؤولون المصريون أكثر من مرة بأن القاهرة تعتبر السد الإثيوبي “تهديداً وجودياً محتملاً” لها. فيما يشعر السودان بالقلق إزاء تشغيل السد على سدوده على النيل ومحطات المياه الخاصة به.
ويقول أستاذ العلوم السياسية، معتز عبدالفتاح، لشبكة “الحرة”، إن مصر أمام خيارين الآن أولهما دبلوماسي وقانوني وثانيهما عسكري. مضيفاً أن الطلب المصري من مجلس الأمن الدولي للاجتماع لبحث ملف سد النهضة، يعني “إما أن يتدخل ويقف العالم مع قضية مصر والسودان الآن أو يصمتوا إلى الأبد”. مردفاً: “لو قررت مصر والسودان اللجوء للخيار العسكري، فلن يكون المجتمع الدولي محقاً في إدانة أو استنكار هذا الفعل، لأنه طُلب منه التدخل دبلوماسياً”.
وكانت وزارة الخارجية المصرية قالت سابقاً إن هذا الاتفاق يوفر “إطاراً لالتزامات وتعهدات تضمن التوصل إلى اتفاق كامل بين الدول الثلاث بشأن أسلوب وقواعد ملء خزان السد وتشغيله السنوي بعد انتهاء دراسات مشتركة قيد الإعداد”.
ويشمل الاتفاق عشرة مبادئ أساسية تتسق مع القواعد العامة في مبادئ القانون الدولي الحاكمة للتعامل مع الأنهار الدولية، بحسب الوزارة. ويقول عبدالفتاح إن مصر، في هذه الحالة، ستعلل سبب انسحابها بأن إثيوبيا لم تلتزم بمبادئ بعينها من الاتفاق، وأنها لم تتعامل مع حسن النية المصري والسوداني بحسن نية مقابل، وتعمدت فرض إرادتها.
وحسب الأرقام الصادرة عن مؤسسات دولية ومصرية، فإن سد النهضة الإثيوبي سيؤدي إلى تبوير 4 ملايين فدان من الأراضي الزراعية في مصر، وتكبد قطاع الزراعة خسائر تقدر بنحو 150 مليار جنيه سنوياً، وتكبد الاقتصاد المصري خسائر تقدر بنحو 1.8 مليار دولار سنوياً، وفقدان 1.3 مليون فرصة عمل، وبالتالي زيادة عدد العاطلين عن العمل بنسبة تصل إلى 38% وربما أكثر، وتراجع صادرات مصر الزراعية، وبالتالي حدوث مزيد من الضغط على الجنيه المصري، وتقليص الإنتاج الكهربائي للسد العالي بدرجة كبيرة