إلى أيّ مدى يمكنك تخيُّل أن يكون أغنى رجل في العالم بخيلاً؟ بينما كان جيه بول جيتي عملاق النفط وأغنى رجل في العالم في زمانه يجمع التحف الفنيّة من حول العالم دافعاً فيها ملايين الدولارات كان في نفس الوقت يضع في بيته الفخم كابينة تليفون للضيوف الذين ينتظرونه إذا أرادوا إجراء مكالمات، كل هذا متوقّع ويندرج ضمن آداب الضيافة، لكنّ غير المتوقّع أنّه ضيوفه يدفعون ثمن مكالماتهم.
ليست هذه هي الغرابة الأولى أو الأخيرة عن حياة جيه بول جيتي، الرجل الذي امتلك أوّل مليون في حياته وعمره 23 عاماً فقط، ولكن أيضاً لأنّه رفض أن يدفع قيمة فدية حفيده المختطف، تاركاً إياه لمختطفيه طيلة 5 أشهر دون أن يدفع سنتاً واحداً.
بدايات التنقيب عن النفط
ولد جيتي عام 1892 ودخل سوق العمل في سنٍّ مبكرة، فعمل عاملاً للنفط في شركة أبيه المنقّبة عن النفط. في تلك الفترة كانت قد بدأت استكشافات النفط في التزايد، واستمرّت الاكتشافات الأولى للنفط حتّى نصف قرنٍ لاحق. ورغم أنّه والده كان رجل أعمال فإنّ جيتي الشاب اعتمد على نفسه في العمل بشكلٍ أساسي، ويبدو أنّ طريقة تربية والده له هي التي ستؤثّر فيما يبدو في اشتهاره لاحقاً بالبخل.
أصبح جيه بول جيتي مليونيراً وعمره 23 عاماً، حيث تحصّل على مليونه الأوّل فقط بعد سنتين من بدئه عمله الخاص بعيداً عن والده. لكنّه سرعان ما مرّ بفترةٍ عصيبة أصبح فيها سكيراً يقضي وقته في حانات لوس أنجلوس.
لكنّ تلك الفترة ستكون الأولى والأخيرة التي يصل فيها جيتي إلى تلك المرحلة من الضياع، ففي عام 1919 عاد جيتي إلى سوق النفط.
وبعد وفاة والده لم يتحصّل من الميراث سوى على نصف مليون دولار، لكنّه ترأس الشركة، وهكذا كانت شركة والده على موعدٍ مع أزهى عصورها على الإطلاق. فقد أخذ جيه بول جيتي يطوّرها ويوسّعها حتى أصبح من كبريات شركات النفط في العالم. ومنذ عام 1930 ظلّ جيتي يدير شركته حتّى وفاته عام 1976. أي أنّه أدار الشركة طيلة 56 عاماً، كانت كلها مليئة بالنجاحات الكبرى، إذ يعرف جيتي بشكل شعبي على أنّه أوّل ملياردير في العالم، كما كان كذلك أغنى أغنياء العالم في عصره. ففي عام 1957 أعطته مجلة فورتشن لقب “أغنى رجل أمريكي على قيد الحياة”. وما هي إلا سنوات معدودة حتّى سمّته موسوعة غينيس للأرقام القياسيّة العالمية على أنّه أغنى مواطن مدني في العالم بثروة 1.2 مليار دولار.
عندما تأسّست السعودية كان الاتفاق المبدئي مع حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية، والذي مازال مستمراً إلى حدٍّ كبير، هو الحماية مقابل النفط. ومن هذا الاتفاق في اللقاء الشهير بن عبدالعزيز آل سعود والرئيس الأمريكي روزفلت الذي تمّ عام 1945 بدأت الشركات الأمريكية رحلتها في استكشاف النفط السعودي. وهكذا ذهب جيه بول جيتي إلى بلاد النفط.
تراهن جيتي عام 1949 مع الملك عبدالعزيز آل سعود على قطعة أرض قاحلة بالقرب من حدود السعودية مع الكويت. دفع جيتي 9.5 مليون دولار نقداً ومليون دولار سنوياً مقابل تنازل الملك عن الأرض لمدة 30 عاماً.
ظلّت الأرض القاحلة لا تؤتي ثمارها طيلة 4 سنوات، وفي السنة الخامسة بدأت الأرض تنتج 16 مليون برميل نفط في السنة، وهو الأمر الذي ضاعف ثروة جيتي وحوّله كذلك إلى عملاق نفط.
خلال مسيرته الطويلة استحوذ جيه بول جيتي على شركات نفطٍ أخرى ودمجها في شركته الكبرى، وبلغ إجمالي الشركات التي سيطر عليها أو استحوذ على أسهم فيها 200 شركة، وهكذا تضاعفت ثروته من 2 مليار دولار إلى 4 مليارات دولار.
كان جيتي مغرماً بالأعمال الفنية، وأسس عام 1953 مجموعة جيه بول جيتي، التي تدير متحف جيه بول جيتي في لوس أنجلوس، وهو متحف يضمُّ مجموعةً من الأعمال الفنية رفيعة المستوى بقيمة 2.7 مليار دولار.
جيه بول جيتي.. عملاق النفط البخيل!
في ذلك الزمن كان جيه بول جيتي ثرياً ثراءً فاحشاً بدرجةٍ غير معقولة، فقد كانت ثروته تتجاوز بشكلٍ كبير ثروة ملك السعودية نفسه. لكنّ جيتي كان بخيلاً بدرجةٍ غير مسبوقة.
في عام 1973 واجهت عائلة جيتي أزمة كبيرة، كان لجيتي نصيب الأسد فيها بما اشتهر عنه من بخل. فقد اختُطف حفيده بول ذو الـ16 عاماً من روما عاصمة إيطاليا.
تواصل المختطفون مع والدة بول يطلبون منها 17 مليون دولار فدية. كانت والدة بول منفصلة عن والده، وليس معها كل هذه الأموال، لكنّ المختطفين طالبوها بطلب ذلك الرقم من جدّه، لكنّها عندما ذهبت لجدّه جيه بول جيتي تطلب منه دفع الفدية كانت إجابته واحدة، وهي نفس الإجابة التي أعطاها للصحفيين: لديّ العديد من الأحفاد، إذا دفعت لواحد فسيتعرضّ البقية لنفس المصير.
ظلّ جيه بول جيتي متمسكاً بموقفه الرافض لدفع الفدية، فظلّ حفيده في الأسر طيلة 5 أشهر، حتّى شعر المختطفون بالعبء الذي أوقعوا أنفسهم فيه، فخفّضوا رقم الفدية إلى 7 ملايين دولار، لكنّ جيه بول جيتي لم يرفّ له جفن، ورفض أيضاً دفع الفدية.
وفي خطوة تصعيدية من قبل المختطفين تجاه عائلة المراهق المختطف وجدّه البخيل العنيد قطعوا جزءاً من أذن بول، وأرسلوها له محددين مهلةً لدفع الفدية.
في ذلك الوقت كانت والدة المراهق قد دخلت في مفاوضات مع المختطفين وتوصّلت معهم لتخفيضٍ آخر في الفدية، فأصبحت الفدية 2.9 مليون دولار، ولكن من أين ستحصل أمّ المراهق على الرقم؟ هل من جدّه؟ بالطبع لا، فعملاق النفط لن يدفع من ماله الخاص سنتاً واحداً.
في عقل جيه بول جيتي ووجدانه كلّ شيء مرتبط بالمال والتجارة، وأخيراً وافق جيتي على دفع جزء من أموال الفدية، لكنّها لم تكن أبداً مبلغاً خالصاً منه.
دفع جيتي 2.2 مليون دولار من أموال الفدية بعدما قال محاسبوه إنها ستكون معفاةً من الضرائب، باعتبارها خسارة ضحية بموجب تفصيلة معيّنة في قانون الضرائب في ذلك الوقت. لكنّ الفدية ما زالت لم تكتمل، وهنا تبرّع جيتي بهذا الاقتراح: أن يدفع بقية الأموال على أن يقرضه إلى ابنه (والد الطفل المختطف) بفائدة 4%.
وهكذا انتهت التجربة المأساوية للمراهق المختطف حفيد عملاق النفط. عاش الطفل المختطف حياةً طيبة لفترة من الزمن، لكنّه أدمن المخدرات، وكانت نهايته مأساوية بسبب جرعة زائدة من المخدرات سببت له سكتة دماغية، تركته معاقاً بشدة لبقية حياته.وبعد 3 سنوات من إطلاق سراح بول المراهق توفي جدّه جيه بول جيتي عن عمر 83 عاماً. وقد تمّ تناول قصة الاختطاف في فيلم من إخراج ريدلي سكوت بعنوان All the Money in the World.
وكالات إخبارية