اعتبر خبراء أن الأطفال والمراهقين المهاجرين في النمسا تأثروا بشكل كبير بحالات الإغلاق. وحذروا من أن اتساع الفجوة التعليمية بين التلاميذ المهاجرين وأقرانهم الألمان، يمكن أن يعرقل جهود دمج أبناء طالبي اللجوء في النمسا.
قالت أم وجيه، وهي أم سورية لطفلين، “ابني تعلم اللغة الألمانية بسرعة، وكنا فخورين به للغاية، لكن بعد ذلك بفترة قصيرة حل علينا الوباء”.
خلال فترة الإغلاق التي استمرت ستة أسابيع والتي بدأت في مارس 2020، لم يتمكن ابن اللاجئة السورية من الذهاب إلى مدرسته في فيينا. نتيجة لذلك، ساءت لغته الألمانية بشكل ملحوظ، على حد قول أحد المعلمين، حزنت أم الطفل وجيه لكنها لم تتفاجأ بالأمر. وأبرزت في تصريحها لرويترز “علمت أنه بتوقفه عن الحديث بالألمانية مع أقرانه سينسى ما تعلمه، لكن ليس باستطاعتي مساعدته”.
اليوم على الطفل الالتحاق لمدة عام آخر بفصل الترحيب بالأطفال المهاجرين حتى تصبح لغته الألمانية جيدة بما يكفي للانضمام إلى أقرانه في المدرسة بالحى الثانى والعشرين في فيينا، حسب رويترز.
منذ شهر مارس من العام الماضي، تم إغلاق بعض المدارس في النمسا لمدة 30 أسبوعًا تقريبًا خلال إجراءات الإغلاق المرتبطة بفيروس كورونا، أي ما يقارب ثلاثة أضعاف المدة في فرنسا. قرار جعل الطلاب يتلقون دروسهم في المنزل مما “زاد من اتساع الفجوة التعليمية بين الطلاب المهاجرين والتلاميذ النمساويين”، وفقا لوكالة رويترز.
كان 18.2 بالمئة من أطفال المهاجرين قد تركوا المدرسة في النمسا قبل أزمة فيروس كورونا – أي ما يقارب ثلاثة أضعاف المعدل الوطني. يقول الخبراء إن تقليص هذه الفجوة هو مفتاح دمج الألأف من الأشخاص الذين تقدموا بطلبات لجوء في السنوات السبع الماضية، قادمين بشكل أساسي من سوريا والعراق وأفغانستان.
لاكتساب مهارات اللغة الألمانية والحفاظ عليها، فإن التواصل مع المتحدثين الأصليين بشكل منتظم أمر بالغ الأهمية. يقول توماس ليبيج من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لرويترز “أكبر تأثير للوباء على الاندماج هو التوقف المفاجئ للتواصل مع النمساويين”. كما يرى ليبيج أنه بدون التواصل المباشر مع النمساويين، لن يتمكن معظم الأطفال المهاجرين من التحدث جيداً باللغة الألمانية لأنه لا يتم التحدث بها في منازلهم.
في الواقع، أكثر من نصف التلاميذ المهاجرين من الجيل الثاني، أي أولئك الذين ولدوا في النمسا لأبوين مهاجرين، لا يتحدثون الألمانية في المنزل على الإطلاق. هذا المعدل ليس فقط الأعلى بين الدول الأعضاء الـ 37 في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فحسب، بل أيضًا أعلى بكثير من فرنسا التي وصل فيها إلى حدود 35 بالمئة. وترتفع هذه النسبة بين الجيل الأول من التلاميذ المهاجرين – المولودين خارج النمسا – إلى 85 بالمئة.
حول العالم، تأثر حوالي 1.5 مليار تلميذ في 188 دولة بإغلاق المدارس، وفقًا لتقرير حديث لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي. لكن من جهة أخرى يحاول الآباء المهاجرون، حتى الذين يفتقرون إلى المهارات الأكاديمية ومستوى جيد في اللغة الألمانية في بعض الأحيان جاهدين لمساعدة الأطفال عبر التعليم المنزلي وتعويض ما فقدوه من تواصل مباشر مع زملائهم في المدرسة.
أغلقت حكومة المستشار النمساوى سيباستيان كورتس ورؤساء الولايات النمساوية التسعة، المدارس خلال كل موجة من موجات الفيروس الثلاث التي ضربت النمسا. وأثار قرار إغلاق المدارس وفرض التعلم عن بعد غضب الكثيرين، بما في ذلك العائلات.
وقالت منى نداف التي تقود مشروعا لتقديم المشورة للأمهات المهاجرات في فيينا لرويترز “الوباء زاد من مشاكل المهاجرين، لقد اضطروا إلى مواجهة المزيد من المعاملات البيروقراطية مثل إجراء اختبارات فيروس كورونا على أطفالهم أو ترتيب مواعيد للتطعيم. هناك الكثير من الالتباس. لقد توصلنا بأسئلة غريبة منهم، مثل إذا كان صحيحًا أن شرب شاي الزنجبيل الطازج يقي من الفيروس و إذا كان التطعيم يسبب العقم”.
قامت منى بالتواصل مع أم وجيه، وأعطتها نصائح حول كيفية الحفاظ على نشاط ابنها وابنتها خلال فترات التعلم عن بعد. ومع ذلك، فالمجهودات المبذولة لا تحد من الانعكاسات السلبية للتحول المفاجئ الحاصل، الذي كشف عيوبا رئيسية في نظام التعليم في النمسا، بما في ذلك بنيتها التحتية الرقمية الضعيفة، التي أعاقت التدريس عبر الإنترنت. فقبل الوباء، كان 45 بالمئة فقط من المدارس النمساوية لديها اتصال سريع بالإنترنيت، وفقًا لاتحاد المعلمين النمساويين.
ومما زاد الطين بلة، أن المدارس في بعض المناطق البعيدة والجبلية لا تمتلك اتصالا بالإنترنت، وغالبًا ما وجد الآباء أنفسهم غير قادرين على تحمل تكاليف أجهزة الكمبيوتر المحمولة أو الرعاية بعد المدرسة، حيث أن إغلاق دور الحضانة وساعات المدرسة المقلصة جعل الآباء مضطرين لتخصيص ساعات أكثر لرعاية شؤون أطفالهم، مما أدى إلى تفاقم مشاكل أسر المهاجرين على وجه الخصوص.
وبينما تظل المدرسة الفرنسية مفتوحة حتى الساعة 3:30 ظهرًا على الأقل، فإن المدارس النمساوية تغلق عادةً بحلول الساعة 1:30 ظهراّ. مما جعل مهمة الإشراف والرعاية بعد المدرسة عقبة أكبر يجب التغلب عليها بالنسبة للعائلات المهاجرة في النمسا.
بينما تمكنت النمسا من خفض نسبة عدم متابعة الأطفال المهاجرين دراستهم في المدارس إلى النصف بين عامي 2000 و 2013 إلى حوالي 10٪ – عبر تعزيز المساعدة اللغوية في دور الحضانة والمدارس – ارتفعت معدلات التسرب مرة أخرى في السنوات الأخيرة.
وفقًا لاتحاد المعلمين النمساويين، يحتاج 20٪ من ملايين التلاميذ في النمسا إلى دروس خصوصية إضافية لإكمال العام الدراسي الحالي بنجاح. وأضافت أنه من المتوقع أن يتضاعف العدد الإجمالي للمتوقفين عن الدراسة
وقال البروفيسور أكسل كومبردورفر أحد خبراء وزارة التعليم النمساوية “الفجوة التعليمية بين المهاجرين والنمساويين الأصليين سوف تنمو”. “سنحتاج إلى رؤية استثمارات ضخمة في التعليم بعد الوباء، بما في ذلك الدروس الخصوصية الهادفة، لتجنب ضياع جيل من التلاميذ”.