لماذا لعبت أوروبا دور المتفرج فى صراع غزة؟

نشرت صحيفة فاينانشيال تايمز مقالا للكاتبين مايكل بيل وأندرو إنجلاند، أوضحا فيه موقف دول الاتحاد الأوروبى السلبى تجاه ما يجرى حاليا فى قطاع غزة، معللين استمرار هذا الدور بسبب تصنيف الاتحاد الأوروبى حماس منظمة إرهابية، كما سلطا الضوء على مساعدة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب لنتنياهو على توثيق العلاقات مع زعماء أوروبيين يمينيين… نعرض منه ما يلى.
بينما كانت الطائرات الحربية الإسرائيلية تشن غارات جوية على غزة الأسبوع الماضى، تم رفع العلم الأزرق والأبيض لإسرائيل فوق مبنى المستشارية الفيدرالية النمساوية.
كان رفع العلم بمثابة انقلاب ذى طابع خاص قام به سيباستيان كورتس، رئيس وزراء النمسا ــ الواقعة فى وسط أوروبا ــ والموالى بشدة لإسرائيل. كما سلطت هذه الواقعة الضوء أيضًا على انحياز عام أوسع للعديد من الدول الأوروبية مع حكومة بنيامين نتنياهو بموجب هذا الانحياز قاومت إسرائيل الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار لإنهاء أسوأ نزاع لها مع الشعب الفلسطينى منذ سنوات.
***
اختتمت محادثات وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى يوم الثلاثاء الماضى دون نتيجة. وقال جوزيب بوريل منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى إن جميع الدول الأعضاء باستثناء المجر أيدت «التوجه العام» لبيان مشترك يحث على تنفيذ وقف إطلاق النار.
قبل الاجتماع، أعرب بوريل عن قلقه بشأن «العدد غير المقبول للضحايا المدنيين» ووعد بمناقشة «أفضل السبل التى يمكن أن يساهم بها الاتحاد الأوروبى فى إنهاء العنف الحالى». لكن الاجتماع كشف الخلافات الداخلية للكتلة الأوروبية ــ المكونة من 27 دولة ــ حول النزاع الإسرائيلى الفلسطينى وعدم وجود تأثير على الجهود المبذولة لحلها.
من جانبها، قالت كريستينا كوش، زميلة أولى فى مكتب بروكسل لصندوق مارشال الألمانى للولايات المتحدة، «كان من المتوقع أن تلعب الدول الأوروبية الدور الذى لعبته فى الأزمات السابقة فى هذا الصراع: تقف مكتوفة الأيدى بينما تطير الصواريخ ثم تبدأ فى دفع الأموال بمجرد إعادة الإعمار».
وأضافت: «بمجرد تطبيق وقف لإطلاق النار ستعود الانقسامات الأوروبية إلى الواجهة، وسيتعين عليهم أن يقولوا ما هى خطتهم لدعم حل مستدام يتجاوز نفس نقاط الحوار التى اعتمدوها على مدى العقدين الماضيين».
***
منذ ما يقرب من 30 عامًا، ساعدت أوروبا فى إبرام اتفاقيات أوسلو، وهى علامة فارقة فى الجهود الدولية لإنهاء الصراع العربى الإسرائيلى الذى طال أمده. لكن فى السنوات الأخيرة، تضاءل دور الدول الأوروبية ونفوذها، تمامًا كما أصبحت الرؤية التى ألهمتها عملية أوسلو للسلام فى التسعينيات أبعد من أى وقت مضى. تمثلت الرؤية فى إقامة دولة فلسطينية صالحة للحياة جنبًا إلى جنب مع إسرائيل.
فى غضون ذلك، أقام نتنياهو، بمساعدة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، علاقات مع زعماء أوروبيين يمينيين، بما فى ذلك كورتس وفيكتور أوربان، رئيسا وزراء النمسا والمجر على الترتيب. وقد أدى ذلك إلى تفاقم الخلافات داخل كتلة الاتحاد الأوروبى وشل قدرتها على تحقيق إجماع بشأن الأزمة الإسرائيلية الفلسطينية.
قال هيو لوفات زميل السياسة فى المجلس الأوروبى للعلاقات الخارجية: «إن أعضاء الاتحاد الأوروبى الذين يدفعون باتجاه نهج أكثر نشاطًا لدعم حقوق الشعب الفلسطينى، مثل أيرلندا والسويد ولوكسمبورغ، واجهوا مجموعة صامتة، ومجموعة صاخبة، بما فى ذلك المجر والنمسا وجمهورية التشيك».
يضيف لوفات: «لقد منحتهم إدارة ترامب القوة والغطاء، لكن الأمر يتجاوز القضية الفلسطينية. فلقد قاد ترامب حقًا تحالفًا جديدًا من الحكومات العرقية القومية التى تميل إلى أن تكون داعمة لنتنياهو. إنهم يرون صلات أيديولوجية مشتركة معينة، لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية، بل برؤيتهم للعالم».
على أى حال، قدرة الاتحاد الأوروبى على لعب دور أكثر فاعلية فى وقف العنف الحالى ما زالت أكثر صعوبة لأنه، مثل الولايات المتحدة، يعتبر حماس منظمة إرهابية ويرفض التحدث إليها، وبالتالى ليس لديه نفوذ كبير عليها.
***
التوترات العديدة التى تواجهها أوروبا بشأن الأزمة الإسرائيلية الفلسطينية واضحة فى ألمانيا. برلين حريصة على أن تبدو عادلة وتؤيد الحل الدبلوماسى. فلقد وجهت انتقادات شديدة لبناء المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية، حيث قتلت القوات الإسرائيلية 21 فلسطينيا هناك منذ اندلاع الاحتجاجات فى الأراضى المحتلة يوم الجمعة الماضى.
لكن فى الوقت نفسه، كان على ألمانيا أن تتعامل مع المظاهرات المناهضة لإسرائيل من جانب بعض الشباب المسلمين والتى امتدت إلى أعمال معادية للسامية. فبالنسبة لدولة لا تزال تكفر عن ماضيها النازى وجرائم الهولوكوست، أثارت الشعارات المعادية لليهود إحساسًا عميقًا بالخزى والقلق.
فى الأيام الأخيرة، قام بعض المتظاهرين والمتظاهرات بإحراق الأعلام الإسرائيلية أمام المعابد اليهودية فى مدينتى بون ومونستر فى غرب ألمانيا، بينما كانت مجموعة تلوح بالأعلام الفلسطينية خارج كنيس يهودى فى غيلسنكيرشن تهتف «تبا لليهود».
أدانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل معاداة السامية وعرضت دعم نتنياهو فى اتصال هاتفى معه يوم الإثنين الماضى، بحسب ستيفن سيبرت، المتحدث باسمها الصحفى. واستنكر الرئيس الألمانى هجمات حماس الصاروخية، وطمأن رئيس الوزراء الإسرائيلى على تضامن برلين، وأكد مجددا «حق إسرائيل فى الرد دفاعا عن النفس ضد هذه الهجمات».
فرنسا، والتى تضم أكبر عدد من السكان من كل من اليهود والمسلمين فى أوروبا الغربية، حذرة أيضًا منذ فترة طويلة من المشاركة القوية فى الصراع الإسرائيلى الفلسطينى. حيث سبق وأن امتدت التوترات فى الشرق الأوسط إلى هجمات ومواجهات معادية للسامية فى الشوارع الفرنسية.
لذلك فرقت السلطات الفرنسية مسيرة احتجاجية مؤيدة للشعب الفلسطينى فى باريس يوم السبت الماضى هتف فيها بعض المتظاهرين والمتظاهرات «الموت لإسرائيل!» و«إسرائيل قاتلة!». اكتفى الرئيس إيمانويل ماكرون بالدعوة إلى محادثات سلام وقدم تعازيه للقادة الفلسطينيين والإسرائيليين فى وقوع ضحايا من كلا الجانبين.
المملكة المتحدة، التى غادرت الاتحاد الأوروبى العام الماضى، أدانت بشكل علنى حماس ودعمت إسرائيل، إلا أنها أعربت فى الوقت نفسه عن قلقها البالغ من اختفاء مساحة حل الدولتين.
كما أكد المسئولون البريطانيون الشعور الواسع بأن أوروبا لاعب هامشى فى الصراع الحالى. حيث قال أحد الشخصيات البارزة فى الحكومة: «هناك إحباط واضح من أن السلطة الفلسطينية وحماس غير قادرين على تقديم قيادة مسئولة لكن إسرائيل لا تريد التحرك أيضًا». وقال دبلوماسى بريطانى بصراحة أكثر: «لا يبدو أن إسرائيل تستمع إلينا كثيرًا».

إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد
النص الأصلى:

 

شاهد أيضاً

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …