أثارت تصريحات الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر التي دعا فيها كبار علماء المسلمين للاجتهاد الجماعي في 25 قضية معاصرة، رافضًا “الدعوةَ لتقديسِ التراثِ الفقهيِّ، ومُساواتِه في ذلك بالشريعةِ الإسلاميَّةِ”، موجة جدل واسعة في وسائل الإعلام وعلى منصات وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما اعتبرها البعض تراجعًا عن تصريحاته السابقة.
وفي حلقة الأمس من برنامجه الرمضاني “مع الإمام الطيب”، اقتبس شيخ الأزهر، جزءًا من كلمته التي التي ألقاها في عام 2015م خلال مؤتمر للمجلسُ الأعلى للشؤون الإسلامية: “رؤية الأئمة والدعاة لتجديد الخطاب الديني وآليات تفكيك الفكر المتطرف”.
ومما قاله الطيب في نص كلمته: “وعلى العلماء أن يجتَهِدوا ويُجدِّدوا الأنظارَ فيما يتعلَّقُ بالأمور السياسية: كالديموقراطية وحقوق الإنسان، والحرية وحدودها، والمساواة الدستورية والقانونية ومشروعية الدستور والبرلمان، أو ما يَتعلَّقُ بأمورِ الاجتماعِ، وأولُها: معاملات البنوك وقضايا المرأة: منها تَولِّيها القضاء، والولاية العامَّة، والزي والنقاب، وخضوعها لعادات وتقاليد تحكمها، وتَحرمها من حُقوقِها الشرعية، كحَقِّها في الميراث واختيار الزوج، وحمايتها من عَضْلِ وليِّ أمرِها، وحرمانها من الزواج ممن ترغب فيه دون مُبرِّرٍ شرعيٍّ أو اجتماعيٍّ معقول، والمناداة لعودةِ المرأةِ إلى بيتها، ثم قضيَّة نقلِ الأعضاء، وتهنئة غير المسلمين بأعيادهم، وتحديدِ أوائل الشهورِ العربيَّة بالحسابِ الفلكيِّ، ومسائل الحج وبخاصة: الإحرام من جدة للقادم جوًّا أو بحرًا، ورمي الجمرات في سائر الأوقات، وأيضًا استنهاض الأمة، لاستصدار فتاوى توجب العمل وتُحرِّم التقاعس والكسل، وقضايا أخرى يضيق المقام عن ذكرها، شريطة ألَّا يُفتى في هذه القضايا الدقيقة بفتاوى مجملة ونصوص عامَّة لا تنزل إلى الأرض، ولا تحسم القضية ولا تغير الواقع”.
وجاء دعوته بعد يوم واحد من تصريحات قال فيها، “إن الدعوةَ لتقديسِ التراثِ الفقهيِّ، ومُساواتِه في ذلك بالشريعةِ الإسلاميَّةِ تُؤدِّي إلى جُمودِ الفقهِ الإسلاميِّ المعاصر، كما حدث بالفعلِ في عصرِنا الحديثِ؛ نتيجةَ تمسُّك البعضِ بالتقيُّدِ -الحرفي- بما وَرَدَ من فتاوى أو أحكامٍ فقهيَّةٍ قديمةٍ كانت تُمثِّلُ تجديدًا ومواكبةً لقضاياها في عصرِها الذي قِيلَتْ فيه، لكنَّها لم تَعُدْ تُفيد كثيرًا ولا قليلًا في مُشكلاتِ اليوم، التي لا تُشابِهُ نظيراتِها الماضيةَ، اللهمَّ إلا في مُجرَّدِ الاسمِ أو العنوان”.
وفتحت تصريحات شيخ الأزهر، باب النقاش واسعًا حولها، وفي حين أثنى الكثيرون على فحواها، اعتبرها آخرون تراجعًا عن تصريحات سابقة عبر فيها عن رفضه لدعوات التجديد، حسب زعمهم. ودللوا بالمناظرة التي دارت العام الماضي بين شيخ الأزهر والدكتور محمد الخشت، رئيس جامعة القاهرة حول “تجديد الخطاب الديني” خلال مؤتمر عالمي نظمه الأزهر وموضوعه “التجديد في الفكر الإسلامي”. وصرح الخشت وقتها بأن التجديد الذي ينشده “لا يمكن أن يأتي عن طريق المؤسسات الدينية التقليدية”.
كما انتقد المحاولات لإحياء علوم الدين مطالبًا بـ”ضرورة تطويرها وتفكيك البنية العقلية التي تروج للخطاب الديني التقليدي لتأسيس خطاب جديد يتماشى مع مقتضيات العصر”. ورد شيخ الأزهر مؤكدًا أهمية التراث الذي “خلق أمّة كاملة”، معتبرًا أن “الفتنة الحالية سياسية وليست تراثية”.
وعلق الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر السابق على الجدل الدائر بخصوص دعوة شيخ الأزهر إلى التجديد الديني، قائلاً إن “رؤية الإمام للتجديد ليست وليدة الساعة، ولاتمثل تناقضًا ولا تراجعًا، وإنما قصور متابعة البعض أو سوء نياتهم هو ما جعلها كذلك”. وتابع شومان عبر صفحته على موقع “فيس بوك”: “ولست أدري كيف فهم هؤلاء الحوار الراقي الذي دار بين الإمام الأكبر والدكتور الخشت أثناء إحدى جلسات مؤتمر التجديد رفضًا للتجديد من الإمام وهو الذي عقد مؤتمرًا عنوانه: التجديد في الفكر الإسلامي؟ هذا المؤتمر الذي صدر على هامشه وثيقة شاركت فيها عدة وزارات معنية، وكثير من المفكرين والمثقفين، في عدة جلسات مطولة كان يترأسها جميعًا شيخ الأزهر”.
وذكر أن “وثيقة تجديد الخطاب الديني، ترسم طريقًا واضحًا للتجديد المنضبط، ومع أنها وزعت أثناء المؤتمر لم يتحدث عنها واحد من هؤلاء، ولعل البعض توهم العنوان مضافًا إليه كلمة في بدايته وهي (رفض) ليكون عنوان المؤتمر: رفض التجديد في الفكر الإسلامي!”.
ومضى شومان إلى القول: “ما أعلمه أن رؤية الإمام الأكبر للتجديد وهي رؤية علماء الأزهر الخلص كافة، والتي كتب فيها منذ أن كان أستاذًا بالجامعة لم تتغير بل ترسخت وأنتجت قولاً وفعلاً لاسيما بعد أن تولى مشيخة الأزهر”.
وأردف وكيل الأزهر السابق قائلاً: “وكنت أنتظر ونحن في شهر الصيام حوارًا جادًا صادقًا مجردًا هادفاً حول القضايا التي يطرحها الإمام الأكبر، وليس أحاديث جانبية مغلوطة عن جهل أو عمد، تلهي عن القضايا الجادة التي طرحها، والتي يتوقع أن يطرح منها المزيد في بقية حلقات البرنامج المسجلة”.
وقال: “ونصيحتي إلى المتعجلين متابعة الحلقات الباقية والإصغاء الجيد، لأنها ستفضح اتهامات الجهلاء وكأنها ترد عليهم مع أنها مسجلة ولا علاقة لها بما يقولون، وحتى لو كانت مباشرة فلم يكن ليتعرض لأقوال هؤلاء، فليس من عادته متابعتها أصلاً، وإن سمع شيئًا عنها فممن يتابعها ويستهجنها ممن هم على تواصل معه”