حذَّرَ علماء وخبراء في الصحة زعماء وقادة دول العالم من أن جائحة كوفيد-19 سوف تطغى على الخدمات الصحية في العديد من الدول في أمريكا الجنوبية وآسيا وإفريقيا خلال الأسابيع القليلة المقبلة، ما لم يتحرَّكوا بسرعةٍ شديدة، لافتين إلى أن مليارات من الدولارات من المساعدات والصادرات الضخمة للقاحات يمكن أن توقِف كارثةً إنسانية تتكشَّف الآن بسرعةٍ في جميع أنحاء الكوكب.
إذ يخشى خبراء الصحة العالمية من أن المشاهد المُروِّعة التي تحدث في الهند الآن -حيث يموت الناس في ممرات المستشفيات وعلى الطرق وفي منازلهم بينما تتحوَّل مواقف السيارات إلى أماكن لإحراق الجثث- يمكن أن تتكرَّر في العديد من الدول الأخرى الهشَّة اقتصادياً.
حصيلة إصابات الهند تلامس 20 مليوناً
في وقت سابق من يوم الأحد، أعلنت السلطات الصحية في الهند، ارتفاع حصيلة إصابات كورونا إلى 19.5 مليون، وذلك بعد تسجيل أكثر من 392 ألف حالة في الساعات الـ24 الأخيرة.
كما ارتفع إجمالي عدد الوفيات إلى 215 ألفاً و542، عقب تسجيل 3 آلاف و689 وفاة مؤخراً.
يشار إلى أن الهند تمر بأحلك وأخطر مراحل الوباء إثر تسجيلها خلال الأيام الأخيرة أرقاماً قياسية عالمية جعلت أنظمة الرعاية الصحية في المدن الكبيرة والمناطق الريفية على شفا الانهيار.
حيث تواصل الهند تسجيل أرقام قياسية، إذ رصدت أكثر من 300 ألف إصابة بكورونا يوميا لمدة 9 أيام متتالية بدءاً من 22 أبريل/نيسان الماضي، ما أدى لنقص حاد في أسرة المستشفيات والأكسجين وأدوية العلاج.
مصائر متناقضة
فضلاً عن ذلك، تتناقض مصائر الدول الفقيرة بشكلٍ حاد مع مصائر البلدان التي تلقَّت اللقاح بكمياتٍ كبيرة مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة، حيث رُفِعَ الإغلاق.
ففي بريطانيا، تعرَّضَ رئيس الوزراء بوريس جونسون لانتقاداتٍ خاصة بشأن قراره الأخير بقطع المساعدات الخارجية أثناء الجائحة. وزُعِمَ أن هذا لم يؤدّ إلا إلى تفاقم الكارثة التي تعصف بالبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.
فيما أدَّى ارتفاع معدَّل الوفيات في الهند إلى تحوُّلٍ قياسي في عبء وفيات كوفيد-19 العالمية إلى البلدان الفقيرة وذات الدخل المتوسط الأدنى، فيما قد يكون بدايةً لتحوُّلٍ طويل الأجل نحو تركيز أكبر للفيروس في الجنوب العالمي، إذ تبدأ الدول الأثرَى في طريقها للخروج من الأزمة عبر التطعيم.
تزايد معدلات الوفاة بالدول الفقيرة
بحسب تقرير نشرته صحيفة The Guardian البريطانية، الأحد 2 مايو/أيار 2021، يحدث ما يقرب من وفاة واحدة من كلِّ ثلاث وفيات مُسجَّلة من الإصابة بكوفيد-19 في جميع أنحاء العالم (30.7%) في البلدان الفقيرة وذات الدخل المتوسط الأدنى، وكانت النسبة قبل شهرٍ تمثِّل 9.3% فقط من الوفيات العالمية.
لكن الهند ليست وحدها التي تتصدَّر هذا التحوُّل، مع ارتفاع معدَّلات الوفيات في بلدانٍ مثل كينيا، حيث ارتفع معدَّل الوفيات هناك بنسبة 674% منذ نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، وجيبوتي (550%)، وبنغلاديش (489%)، تلك الدول التي تساهم أيضاً في زيادة نسبة الوفيات المُسجَّلة الناجمة عن الإصابة بالفيروس في جنوب العالم منذ ظهور الفيروس في ديسمبر/كانون الأول 2019.
يذكر أن جونسون، بصفته مضيفاً لمؤتمر السبعة الكبار الشهر المقبل يونيو/حزيران، يتعرَّض لضغوطٍ شديدة لضمان إرسال حزم الإنقاذ واللقاحات والأدوية من الدول الغنية لوقف المعدَّلات المتصاعدة لوفيات كوفيد-19 في البلدان النامية.
مطالب بإمدادات عاجلة
في حين حثَّ جيريمي فارار، مدير صندوق ويلكوم الخيري لتمويل الأبحاث وتحسين الصحة، السبت 1 مايو/أيار الجاري، قادة العالم على التأكُّد من إرسال إمدادات اللقاح إلى البلدان المُعرَّضة للخطر على وجه السرعة.
فقد ذكر فارار: “إذا فشلنا في الحدِّ من انتقال الفيروس على مستوى العالم في هذه اللحظة الحرجة، فسوف يصبح عالمنا أكثر انعداماً للإنصاف، وسيصير مُشتَّتاً وأخطر بكثير، في الوقت الذي نحتاج فيه إلى التعاون معاً لمواجهة التحديات المشتركة للقرن الحادي والعشرين”.
من جهته، أيَّدَ هذه النقطة رئيس الوزراء البريطاني السابق جوردون براون، قائلاً: “نحن في خطرٍ أن يكون لدينا عالمٌ منقسم تماماً، حيث يُطعَّم النصف والنصف الثاني لا يتلقَّى اللقاح”، مضيفاً: “هذا هو الفارق بين الحياة والموت. إذا لم نتَّخِذ هذا الإجراء، وإذا لم نفعِّله بشكلٍ عاجل، سيتفشَّى المرض. سوف يتحوَّل ويعود إلى البلدان الغنية، وكذلك البلدان الفقيرة”.
جاءت هذه التحذيرات عندما كُشِفَ أن أمريكا الجنوبية، موطن 5.5% من سكَّان العالم، باتت تأوي 32% من جميع وفيات كوفيد-19 المُسجَّلة. وقالت وزيرة الصحة الأرجنتينية، كارلا فيزوتي: “ما يحدث هو كارثة”.
في غضون ذلك، حذَّرَ خبراء الصحة في إفريقيا من أن الأزمة في الهند ستتكرَّر قريباً عبر قارتهم. فقد قال جون نكينغاسونغ، مدير المراكز الإفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها: “ليس لدينا عددٌ كافٍ من العاملين في مجال الرعاية الصحية، وليس لدينا ما يكفي من الأكسجين”.
عواقب اتساع الفجوة بين أعداد اللقاحات
كانت منظمة الصحة العالمية قد حذرت خلال الأسابيع الماضية من عواقب اتساع الفجوة بين أعداد اللقاحات المضادة لفيروس كورونا التي يجري تقديمها في الدول الغنية وتلك التي يجري توزيعها على الدول الفقيرة عبر آلية “كوفاكس”.
جاء ذلك بعدما انتقد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش “التوزيع غير العادل” للّقاحات في العالم.
إذ قال مدير عام منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبرييسوس، خلال اجتماع افتراضي لبحث مسألة توزيع اللقاحات إن “الفجوة بين عدد اللقاحات التي تقدم في الدول الغنية وعدد اللقاحات التي توزع من خلال كوفاكس تتسع كل يوم”، مشيراً إلى أن التوزيع غير العادل للقاحات “ليس مجرد معضلة أخلاقية، بل هو أيضاً هزيمة ذاتية اقتصادية ووبائية”.
ولفت غيبرييسوس إلى أنه “طالما واصل الفيروس الانتشار فسيستمر الموت، وتعطل التجارة والسفر، وسيتأخر التعافي الاقتصادي أكثر”.
يشار أن آلية كوفاكس من شأنها ضمان وصول اللقاحات لـ92 دولة في العالم، مع تغطية التكلفة من قبل مانحين.
هذه الآلية تهدف إلى توزيع جرعات كافية لتطعيم ما يصل إلى 27% من سكان هذه الدول بحلول نهاية العام.
كان من المفترض أن تقدم كوفاكس حوالي 238 مليون جرعة بنهاية مايو/أيار المقبل، لكن المبادرة قدمت أكثر من 38 مليون جرعة إلى 113 بلداً.
وكالات – شبكة رمضان الإخبارية