قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة سالزبورج النمساوية، الدكتور فريد حافظ، إن “هناك جهات خارجية كانت تقف بشكل أو بآخر خلف حملة المداهمات والتوقيفات التي قامت بها السلطات النمساوية خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، والتي شملت نحو 30 شخصا، خاصة أن جهاز الاستخبارات النمساوي لم يكن ينظر على الإطلاق لجماعة الإخوان المسلمين باعتبارها تهديدا حقيقيا”.
وأضاف، في مقابلة مصورة مع “ضيف عربي21″، أن الانتهاكات التي تحدث ضد المسلمين في النمسا ستتوقف مع رحيل القادة الحاليين في البلاد، لأنه في حال استمرار وجودهم ستظل المشكلة قائمة، ولذلك دعنا نرى ما الذي سيحدث خلال السنوات القليلة المقبلة”.
ولفت حافظ، والذي يعمل أيضا كباحث أول في جامعة جورج تاون الأمريكية، إلى أنه يعتزم مقاضاة وسائل الإعلام الإماراتية التي قامت بالتحريض ضده واتهامه بالارتباط بجماعة الإخوان المسلمين ودولتي تركيا وقطر، مؤكدا أن الإجراءات الأخيرة في النمسا “تستهدف المجتمع المدني الإسلامي، وليس ما يسمونه الإسلام السياسي الذي تزايد خطره في نظرهم أكثر من التيارات الجهادية”.
لو تشرح لنا كيف تحوّلت من أكاديمي متخصص في العلوم السياسية إلى شخص “إرهابي”؟ وكيف تأثرت بذلك؟
هناك محاولات من قِبل أشخاص في الأحزاب السياسية والحكومة النمساوية ومن شبكات الإسلاموفوبيا من أجل الترويج لرواية جديدة، وهي أن كل شخص يتحدث عن الإسلاموفوبيا هو بالأساس يدعم الإسلام السياسي، استنادا لمزاعم بأن هؤلاء المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين يتحدثون عن الإسلاموفوبيا، مما يعني ضرورة معاملتي كشخص ينتمي إلى منظمة إسلامية وليس أكاديميا وأستاذا في العلوم السياسية، وأعتقد أن الأمر بديهي حول التأثير الكبير الذي يمكن أن تحدثه تلك الهجمات والادعاءات حول الإسلام السياسي.
هل باتت السلطات النمساوية تستخدم مصطلح “الحرب على الإرهاب” مثلما تستخدمه الكثير من الأنظمة العربية؟
أرى أن ذلك لا يرتبط بالدول العربية، لكنني أعتقد أن كل ما حدث بعد ما يسمى بـ “الحرب على الإرهاب” منذ حوالي 20 سنة بدأ في محاولة للتوسع، وخاصة عبر استخدام تلك الوسائل التشريعية لإلحاق الأذى بحياة الكثير من الناس. إلا أن نقد العديد من التشريعات، ومعارضة ما يسمى بمشروع التطرف، نما كثيرا خلال السنوات الماضية، لأن الناس يدركون بأن تلك الممارسات مُضرّة للغاية بالمجتمع، ولا يمنع ما يسمى بـ “الإرهاب”.
كيف تفسر تحريض وسائل الإعلام الإماراتية ضدك واتهامهم لك بالارتباط بجماعة الإخوان وتركيا وقطر؟
يُعدّ هذا الأمر مثيرا للاهتمام؛ نظرا لأنه من الواضح أنني لم أكن أعلم بذلك قبل أن تخبروني بالأمر. في الحقيقة، عندما أقرأ هذه المقالات العربية جيدا تكون إجابتي واضحة للغاية سأقاضيهم جميعا، لأنهم ينشرون الكثير من الأكاذيب، وأنا ممتن للغاية لأنكم جعلتموني أدرك ذلك، نظرا لأنه سيساعدني بالتأكيد على الكفاح من أجل حقي في أن أعامل باحترام في المشهد الإعلامي.
هل انتهت “عملية الأقصر” التي تستهدف بعض مسلمي النمسا الآن أم سيتبعها إجراءات أخرى لاحقا؟ وهل ما كان يحدث بحقك توقف تماما؟
هذه العملية تبدو وكأنها قد تستغرق وقتا أطول قليلا، نظرا لأن التحقيقات لم تبدأ بالتزامن مع الهجوم، وإنما قبل ذلك بعام ونصف، وبالتالي فهناك احتمال أن يستغرق ذلك بضع سنوات، وهذا على الأقل ما يخشاه معظمنا، لأن ممثلي الدولة باسم القانون لديهم الحق في تمديد القضية لما يصل إلى ثلاث سنوات ثم يجري غلق ملف القضية دون الوصول لأية نتائج أو الانطلاق في رفع دعوى قضائية بالمحكمة.
أما بخصوص قضيتي؛ فلا يوجد بها شيء جوهري، ولا يمكنهم إثبات أنني – أو أي شخص آخر من هؤلاء الأشخاص – يموّل الإرهاب أو أي نوع من العنف، لأن هذا لم يحدث بأي صورة من الصور، ولا يوجد أي دليل على ذلك، والاستمرار في ضياع الوقت والجهد في مثل هذه المتاهات لمدة ثلاث سنوات على الأرجح يعدّ بلا شك ضارا للغاية لنا جميعا، بما فيهم أنا شخصيا.
هل سيتم استحداث جريمة جنائية جديدة تسمى “الإسلام السياسي” كما قال المستشار النمساوي سيباستيان كورتس؟
من الواضح أن ذلك ما زعمه حزب الشعب، حيث لم يكن حزب الخضر سعيدا بذلك. بالتالي، اقترحوا مصطلحا مختلفا يتمثل في أنهم الآن لا يتحدثون فقط عن تجريم الإسلام السياسي ولكنهم يقولون في الأساس: نريد أن نجعل كل جريمة تطرف بدوافع دينية غير قانونية إلى جانب أنهم قاموا بشكل أساسي بتبييض المصطلحات، ولكن حتى وإن نظرت إلى القانون الذي اقترحوه، وخاصة تفسيره من قِبل الهيئات القانونية في الحكومة النمساوية؛ فمن الواضح أنه لا يزال يستهدف ما يسمى بالإسلام السياسي، وليس هناك شك في أن الهدف الرئيسي لهذا التشريع الجديد يتمثل بالأساس في استهداف ما يمكن أن أسميه المجتمع المدني الإسلامي، وليس ما يسمونه الإسلام السياسي الذي تزايد خطره في نظرهم أكثر من التيارات الجهادية. هكذا ذكروه في التحقيق الأخير.
هل تعتقد أن هناك جهات خارجية كانت تقف خلف “عملية الأقصر”؟
هناك نائب في البرلمان النمساوي أكد أنه كانت هناك إحاطات سرية من دول عربية أخرى وراء ما جرى، وعندما تلقي نظرة على نص التحقيقات ترى أن ذلك لا يأتي من الدوائر المحلية، لأنها لم تكن أبدا تتعاطى بهذه الطريقة.
دعنا نقول إن جهاز الاستخبارات النمساوي لم يكن ينظر على الإطلاق للإخوان المسلمين باعتبارهم تهديدا حقيقيا، وأنا أتفق مع ذلك أيضا؛ فهم يُعدّون جماعة صغيرة للغاية، فضلا عن أنهم ليسوا منظمين جيدا بالفعل، وإذا نظرت إلى النص الذي تم إصداره من قِبل السلطات النمساوية تجد أنه يتوافق في الكثير من الأحيان مع دعاية بعض الدول العربية بدلا من قراءة شيء صادر عن خبير أو مسؤولين من الحكومة النمساوية، ولكن من الواضح أن هذا هو الاتجاه الجديد لطريقة تعاطي السلطات النمساوية مع المسلمين في البلاد.
برأيك، متى ستتوقف الانتهاكات التي تحدث ضد المسلمين في النمسا؟
يجب أن ندرك تماما أنه لدينا في النمسا أناس طيبون، كما يوجد أشخاص سيئون، وهو ما ينطبق على كل مجتمع وسلطة حاكمة. ولدى الحكومة الحالية فكرة واضحة للغاية عن الحرب التي تريدها ضد السكان المسلمين. لذلك، أعتقد أن تلك الانتهاكات ستتوقف مع رحيل القادة الحاليين والمحافظين الجدد وقيادة سيباستيان كورتس، لأنه في حال استمرار وجودهم ستكون هذه المشكلة قائمة. وأعتقد أنه من المحتمل أن يحدث التغيير إذا ما تغيرت تلك القيادة الحالية. ودعونا نرى ما الذي سيحدث خلال السنوات القليلة المقبلة.
كيف تنظر لأبعاد ظاهرة الإسلاموفوبيا المتصاعدة ضد المسلمين في أوروبا؟ وكيف يمكن مواجهتها؟
ما نراه هو اتجاه مختلف في أوروبا. أعني أن الاتجاه العام لا يبعث على التفاؤل، ولكننا نرى بشكل مختلف دولا مثل فرنسا أو النمسا قاسية للغاية في معاملة السكان المسلمين، لكني أعتقد أن الأمور لا تزال طبيعية أكثر في البلدان الأخرى مثل إسبانيا أو السويد، حيث أن المسلمين يُعاملون بشكل قانوني ولا يتعرضون للتمييز، لكن لا تقع معاملتهم في الأساس القانوني كمواطنين من الدرجة الثانية.
من الواضح أن ما هو مطلوب هو أن هؤلاء السياسيين في أوروبا الذين يرون أن فرنسا والنمسا تسير في اتجاه خاطئ، عليهم أن يحشدوا أنفسهم رفضا لتلك الممارسات، وأن يظل هؤلاء السياسيون أقوياء ولا يسمحون للنمسا وفرنسا بتحريك اتجاه سياسات الإسلام بطريقة خاطئة.
ننشر هذا اللقاء أيماناّ منا بالرأى والرأى الأخر والمادة المعروضة ليس بالضرورة تعبر عن رأى شبكة رمضان الإخبارية
نقلاّ عن موقع عربى 21 الذى يبث من لندن
مقالات الرأي المنشورة في شبكة رمضان الإخبارية لا تعبر عن عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع