نشر موقع Bloomberg مقالا للكاتب Alan Crawford تناول فيه التحديات التى سيتحملها من يخلف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، خاصة أن المرشحين لا يمتلكون خبرة كبيرة فى السياسة الخارجية.. نعرض منه ما يلى.
لقد أصبحت قائمة المرشحين الذين يتنافسون على خلافة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل واضحة الآن، وكذلك مجموعة المشاكل العالمية التى سيرثها الفائز فى النهاية.
رحيل ميركل بعد حوالى 16 عامًا لن يطرح التساؤلات فقط حول مستقبل أكبر اقتصاد فى القارة الأوروبية، بل أيضا التساؤلات حول توازن القوى على القارة. مع تزايد تنافس القوى العظمى، والذى يذكرنا بالقرن التاسع عشر، سيكون على الفائز فى الانتخابات الفيدرالية فى سبتمبر منذ البداية التعامل مع الكثير من المطالب الدولية.
تسعى إدارة بايدن للحصول على موقف واضح من برلين بشأن قضايا تبدأ من الموقف تجاه الصين وروسيا إلى الصراع من أجل السيطرة على التكنولوجيات الهامة. وفى ظل سعى الاتحاد الأوروبى المكون من 27 دولة إلى لعب دور عالمى أكبر، تواجه ألمانيا تساؤلات حول مدى تقاربها من واشنطن.
تضيف جائحة كورونا وسباق تأمين اللقاحات، مصحوبا بالتداعيات المستمرة لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبى ووجود إشارات بأن كل دولة تسعى للعمل على حدة، وهو ما يعنى الرجوع لعصر الدول القومية التى تحاول ألمانيا الهروب منه، كل هذا يضيف طبقة أخرى من الضغط.
السؤال الآن هو ما إذا كان المستشار التالى مستعدا لتحمل مسئولية عالمية تتناسب مع ألمانيا كقوة مهيمنة فى أوروبا. إجابة هذا السؤال يقع على عاتق مجموعة من المرشحين الذى لا يعرف مستواهم فى إدارة الشئون الخارجية.
***
أرمين لاشيت، رئيس وزراء ولاية شمال الراين ــ وستفاليا، وهى أكبر ولاية فى ألمانيا من حيث عدد السكان، هو الاختيار المفضل لكتلة ميركل التى يقودها الاتحاد الديمقراطى المسيحى، وإلى وقت قريب كان يعد المرشح المفضل لخلافتها كمستشارة. فى حين أنه من المتوقع عادة أن يحافظ أرمين على المسار الوسطى لميركل، إلا أنه سيترتب عليه خوض معركة مؤلمة من أجل الحصول على بطاقة المحافظين، وهى معركة ستضعه على رأس حملة مضطربة منذ بدايتها.
يكمن الخطر فى أن القيادة التالية فى ألمانيا تتجه نحو التركيز على الداخل للتعامل مع الانقسامات السياسية، تاركة أوروبا بدون أحد أكبر قادتها للتعامل مع مشاكل القارة.
يرى جاكوب كيركيغارد، الزميل الأول فى معهد بيترسون للاقتصاد الدولى، أنه بينما تراجعت كتلة ميركل بالفعل فى استطلاعات الرأى هذا العام وسط صراع لاستبدالها، إلا أن تأثير رحيلها الكامل لم يظهر بعد. وقال جاكوب إن التحالف المحافظ كان يمكن أن يتهاوى أكثر، خاصة مع المنافسة الشرسة بين أرمين لاشيت ومنافسه على الترشح، ماركوس سويدير. وذكر جاكوب أن تقدم كتلة ميركل على الخضر بفارق أربع نقاط تحول إلى عجز سبع نقاط فى غضون أسبوع واحد فقط. حتى مع المحاذير المتعلقة بتقلبات استطلاعات الرأى، فإن ذلك يعلى من التوقعات حول مرشحة حزب الخضر أنالينا بربوك، التى لم تخدم فى الحكومة سواء على المستوى الفيدرالى أو مستوى الولاية.
يتمتع أولاف شولتز، وزير المالية فى ائتلاف ميركل والمرشح عن الحزب الديمقراطى الاجتماعى، بأكبر قدر من الخبرة الحكومية، لكن حزبه يحتل المرتبة الثالثة.
تشير الاتجاهات العامة لاستطلاعات الرأى إلى أن حزب الخضر على استعداد للعب دور فى الحكومة، إما كشريك للكتلة المحافظة أو أن يشغل منصب المستشار، ولكن هذا يعنى اتخاذ موقف أكثر تشددًا تجاه روسيا والصين، وهو ما يعنى أن النهج التجارى فى السياسة الخارجية الذى تتبناه ميركل يقترب من نهايته.
فى أوقات الأزمات تتطلع أوروبا إلى ألمانيا من أجل قيادة قوية، وستتطلب التحديات المالية والاقتصادية الناجمة عن الوباء يدًا قوية. سياسات ميركل فى أزمة الديون الأوروبية ساعدت على تعافى الاتحاد الأوروبى وتوجيه أوروبا خلال أزمة ديون منطقة اليورو، والخطوات التى اتخذتها لا تزال مثيرة للجدل بين كتلتها إن لم يكن أيضا بين الخضر.
فى غضون ذلك، أشعل الرئيس فلاديمير بوتين التوترات الجيوسياسية مع حشد القوات الروسية على الحدود الأوكرانية، بينما كان زعيم المعارضة أليكسى نافالنى فى حالة صحية سيئة فى مستشفى تابعة للسجون خارج موسكو. حذر زعماء غربيون من تراجع جديد فى العلاقات مع موسكو إذا مات نافالنى. وبالمثل، حاربت ميركل مرارًا وتكرارًا من أجل إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة مع موسكو، وأصبحت شخصا يمكن لبوتين على الأقل التحدث معه. من سيخلف ميركل سيحتاج إلى حمل عبء لعب دور قيادى فى إدارة العلاقات مع روسيا فى واحدة من أصعب الأوقات منذ الحرب الباردة.
***
إن الأسئلة حول دور ألمانيا قديمة قدم الإمبراطورية الألمانية، التى نشأت عام 1871. جمعت الإمبراطورية، المعروفة أيضًا باسم الرايخ الثانى، مناطق من غرب نهر الراين إلى إقليم كالينينغراد الروسى الحالى تحت حكم القيصر فيلهلم الأول. لكن تحققت وحدة ألمانيا من خلال عدوان أوتو فون بسمارك العسكرى ضد الدنمارك، تليها النمسا وفرنسا.
على الرغم من عدم الاحتفال بالذكرى الـ150 على قيامها، إلا أن الرئيس فرانك فالتر شتاينماير، الذى عقد ندوة مع المؤرخين فى يناير للاحتفال بالحدث، أشار إلى بعض أوجه التشابه المعاصرة. وقال إن تطور الإمبراطورية باعتبارها «قوة عسكرية واقتصادية عالمية» يذكرنا بصعود الصين اليوم. أثار التحديث السريع فى ألمانيا أيضًا مشاعر القلق والقومية والشعبوية التى ظهرت مرة أخرى، وهذه المرة تغذيها المخاوف بشأن العولمة.
قالت كاتيا هوير، مؤرخة ومؤلفة كتاب «الدم والحديد.. صعود وسقوط الإمبراطورية الألمانية 1871ــ 1918» أن إنشاء الإمبراطورية الألمانية أدى إلى إمالة ميزان القوة وهذه المسألة التى تتعلق بالموقع الجيوسياسى لا تزال بلا حل.
تحفظت ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى فى سياساتها الخارجية، ولكن تغير هذا بعد توحيد ألمانيا عام 1990 وأصبحت ألمانيا قوة أوروبية مترددة فى لعب دور دولى نشط فى مسائل أخرى غير التجارة.
دفع المستشار جيرهارد شرودر ألمانيا إلى الأمام، ورفعت ميركل من مكانة ألمانيا إلى أبعد من ذلك، لكن مواضيع مثل الإنفاق الدفاعى لا تزال مثيرة للجدل إلى حد كبير فى الرأى العام. ولذلك، سيواجه خليف ميركل ضغوطا لإقناع ألمانيا بالمشاركة بنشاط أكبر.
ترى إميلى هابر، سفيرة ألمانيا فى الولايات المتحدة، أن الصين والسباق التكنولوجى بين الدول الديمقراطية والدول غير الديمقراطية هو السباق الحاسم فى عصرنا الحالى. وقالت إن ألمانيا تشارك بالفعل وتساعد أوروبا على تغيير موقفها، وتعمل إدارة الرئيس جو بايدن وألمانيا الآن على الوصول إلى «الأساسيات المشتركة».
تقول كاتيا هوير إن «ألمانيا لديها هذه المشكلة الأبدية، على ما أعتقد منذ عام 1871، حول ما تريد أن تكون عليه ومكانتها فى العالم وفى أوروبا.. سيكون من المثير للاهتمام أن نرى ما سيفعله المستشار التالى للمضى قدمًا».
إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى
https://bloom.bg/2Quu7np