لم تكن قصته عادية في الجزائر، فعمار سعداني، القائد السابق لأعرق حزب، أصبح حديث الطبقة السياسية في البلاد، وذلك بعد تصدّر اسمه الواجهة الإعلامية بعد تداول أخبار تؤكد طلبه اللجوء السياسي للمغرب، الجار غير “الودود”، وذلك بسبب المضايقات التي تعرض لها بعد اعترافه بمغربية الصحراء.
مصدر من عائلة سعداني قال لـ”عربي بوست” إن “عمار سعداني يُقيم في بريطانيا منذ سنة تقريباً ولا يفكّر في مغادرتها، كما لا ينوي طلب اللجوء لا إلى المغرب ولا إلى غيره”.
من جهتها كانت صحيفة “le soir d’algérie” الجزائرية الناطقة باللغة الفرنسية قد أعلنت أن “رئيس البرلمان والأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، طلب اللجوء السياسي لدى المغرب، بسبب ملاحقة السلطات الجزائرية له لتورّطه في قضايا فساد.
موقع “ledesk” المغربي الناطق باللغة الفرنسية سبق وأكد أيضاً أن “السلطات المغربية بصدد دراسة طلب عمار سعداني الذي أقام مؤخراً في كل من إسبانيا وفرنسا وبريطانيا”.
قصة عمار سعداني
يقول خصوم عمار سعداني إنه كان “طبالاً” في فرقة الفنان البدوي الشهير عبدالله المناعي، قبل أن ينخرط في صفوف حزب جبهة التحرير ويتدرّج في مختلف قسماته ومحافظاته إلى أن وصل إلى أعلى منصب فيه، وهو الأمين العام للحزب سنة 2013، كما أنه تولى منصب رئيس البرلمان من 2002 إلى 2007.
بعد وصول سعداني إلى أمانة أقدم وأعرق أحزاب الجزائر في أغسطس/آب 2013 تلقى رسالة تهنئة من طرف قائد أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أحمد قايد صالح، وهو ما أثار جدلاً واسعاً في البلاد لا سيما أنها كانت سابقة في الجزائر.
التهنئة التي وصلت سعداني غيّرت مساره السياسي، بحيث أصبح أهم رجل في الجزائر في ظل غياب الرئيس بوتفليقة وقتها عن البلاد بسبب تعرضه لجلطة دماغية، كما أنه أصبح بمثابة الناطق باسم المؤسسة العسكرية وواجهتها السياسية في الفترة الممتدة ما بين 2013 و2016.
قاد عمار سعداني حرباً بالوكالة على خصوم المؤسسة العسكرية، وأبرزهم قائد جهاز المخابرات وقتها الفريق محمد مدين المعروف باسم توفيق، الذي كان يرفض مواصلة بوتفليقة الحكم بعد مرضه وراح يحضر لإجراء رئاسيات مسبقة.
بات عمار سعداني لا يفوّت أي فرصة للهجوم على قائد جهاز المخابرات في كل ندواته الصحفية، وذهب إلى درجة اتهامه بالعمالة لفرنسا، إذ وصفه برأس حربة ضباط فرنسا في الجزائر.
وبالتوازي مع تصريحات سعداني السياسية، وجّهت مؤسسة الجيش ضربات تقنية تمثّلت في سحب عدة مديريات من جهاز المخابرات وإلحاقها بقيادة الأركان، ليتكلّل هذا العمل في الأخير بإسقاط الفريق توفيق ثم سجنه بعد الحراك ثم إطلاق سراحه بعد وفاة قايد صالح.
بعد قيامه بكل حرفية بدور الواجهة السياسية للجيش، رسم سعداني نهايته بعد أن خرج في لقاء تلفزيوني على قناة النهار الجزائرية وهاجم جبهة البوليساريو التي تدعمها الجزائر وتعترف بها ممثلاً للشعب الصحراوي المطالب بالاستقلال عن المغرب.
وردّت بعدها بأيام مجلة الجيش لسان المؤسسة العسكرية على تصريحات سعداني دون ذكره، أن “نضال الشعب الصحراوي يشبه نضال الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، ثم استقبل بوتفليقة رغم وضعه الصحي الصعب الأمين العام لجبهة البوليساريو الراحل محمد عبد العزيز، في إشارة إلى رفض تصريحات الأمين العام لجبهة التحرير الوطني”.
في شهر تشرين الأول/أكتوبر سنة 2016 قدم عمار سعداني استقالته وغادر باتجاه فرنسا ليقيم بها ويتنقل بعدها إلى عدة عواصم أوروبية.
وبعد اندلاع الحراك الشعبي ساند سعداني المؤسسة العسكرية مجدداً، ودعم تدخلها في الشأن السياسي بحجة حماية البلاد من الانزلاقات، وكان آخر حوار لسعداني مع موقع “Tout sur l’Algérie” الناطق باللغة الفرنسية قبيل رئاسيات 2019.
تهم فساد
لاحقت رئيس البرلمان الأسبق عمار سعداني عدة تهم فساد، أبرزها تلك التي تتعلق بأموال الدعم الفلاحي التي عادت لتطفو على السطح بعد تفجر قضية الديوان الوطني المهني للحبوب مؤخراً إثر ضبط الجمارك لشحنة قمح فاسدة قادمة من ليتوانيا.
وكان الإعلام الجزائري قد فجّر قضية تهريب أموال لسعداني سنة 2015 بعدما اشترى شقة في أحد أحياء باريس الراقية بمبلغ 900 ألف يورو.
ورد سعداني وقتها على الاتهامات الموجهة إليه، بأنه حوّل أموال شراء الشقة بموافقة السلطات العليا في البلاد.
ورغم وروود اسم سعداني بعدة تحقيقات في قضايا فساد، فإن القضاء الجزائري لم يوجه أي تهم له، كما لم يطلبه للتحقيق حتى هذه الساعة، وهو ما يجعل مسألة طلبه اللجوء السياسي لدى المغرب غير منطقي، وهو ما أكدته مصادر “عربي بوست”.
وترى عضو اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني، إناس نجلاوي، أن “اسم عمار سعداني دائماً ما يطفو على السطح، كلما فُتح ملف الديوان الوطني المهني للحبوب والدعم الفلاحي، بحيث تستل الأبواق الإعلامية سيوفها لتصفية حساباتها مع الأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني” .
وأضافت نجلاوي في تصريح لـ”عربي بوست” أن “البعض لم يهضم حتى هذه الساعة طريقة إسقاط عرابها الجنرال توفيق، إذ تتهم سعداني بلعب دور بارز في ذلك”.
واستغربت نجلاوي خبر طلب سعداني اللجوء إلى المغرب، وقالت: “من غير المنطقي أن يطلب مسؤول سابق اللجوء هرباً من العدالة، في حين لم تصدر بشأنه أي مذكرات توقيف وليس في حالة فرار أو مطلوباً للعدالة”.
وقال عضو اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني: “حين يتعلّق الأمر بسعداني يفقد الإعلام المتحيّز المصداقية، فيستغل موقفه من قضية الصحراء لينسج كذبة أبريل حول طلبه اللجوء إلى دولة شقيقة بينها وبين الجزائر ميراث من الحساسيات والمناوشات السياسية”.
علاقة سعداني بتبون
حسب مصادر “عربي بوست” فإن الأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني يتمتع بعلاقة جيدة بالسلطة الحالية ومع الرئيس عبد المجيد تبون، بحيث كان من الشخصيات التي دعاها سعداني إلى الترشح للرئاسيات قبل أن يعلن تبون ذلك بعدها بأشهر.
ووفق المصادر ذاتها فإن سعداني كان بصدد دخول الجزائر رفقة جثمان زوجته التي توفيت في فرنسا منتصف السنة الماضية لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة دون إبداء أي أسباب، كما أنه قدّم قبلها بأشهر استقالته من الحزب، ودعا لإعفائه من كافة نشاطات جبهة التحرير الوطني الداخلية والخارجية متحججاً بأوضاعه العائلية الصعبة.
ويعتقد المحلل السياسي عبدالعلي رزاقي أن “ربط سعداني باللجوء إلى المغرب يأتي على خلفية موقفه من ملف الصحراء، كما أن عودة رجالات الجنرال توفيق إلى الواجهة يجعل سعداني في وضعية غير مريحة، وربما هو ما جعله يترك فرنسا باتجاه وجهة أخرى”.
وفيما يخص التقارير الإعلامية المغربية والجزائرية التي أشارت لطلب سعداني اللجوء السياسي لدى المغرب، قال رزاقي في حديثه مع “عربي بوست” إنه “في حال صح الخبر لا أعتقد أن المغرب لن يسلمه للجزائر في حال طلبته، ولكن لا أعتقد أن رجلاً غير مطلوب للعدالة وغير متهم بشكل رسمي يُقدم على هذه الخطوة الخطيرة”