على الخطوط الأمامية في مجابهة وباء كورونا يقف العاملون في مجال الرعاية الصحية من أطباء وممرضين ومسعفين وغيرهم ، شبكة رمضان الإخبارية رافقت يومًا من أيام كفاح أحد العاملين في مجال الرعاية الصحية، وهي الممرضة في قسم العناية المركزة أندريا كرامر، إحدى ممرضات العناية المركزة في مستشفى نمساوي يقع في العاصمة فيينا من الصباح الباكر وحتى نهاية عملها.
وعند سؤالها أولاّ عن عدد ساعات عملها، أجابت: “أعمل في وردية بالعناية المركزة لمدة 8 ساعات. ليس الحال في المناوبات أن اكون في الداخل 4 ساعات وفي الخارج 4 ساعات، بل أدخل أول 4 ساعات، ثم أخرج لأستريح، وبعدها أكرر الدخول
السادسة إلا ربع: المنبه يرن. في زمن كورونا لم تعد تنام بشكل جيد، تقول أندريا كرامر (54 عاماً). وجهنها هي قسم العناية المركزة في الطابق الثاني من مستشفى ديناو إشبيتال في العاصمة فيينا بالحى الثانى والعشرين
منذ أكثر من 30 عاماً تعمل أندريا كممرضة في قسم العناية المركزة، ومنذ مدة بعمل جزئي. تقول أندريا إن ذلك يعود للمجهود الجسماني والنفسي الكبيرين في زمن الجائحة، هى تشدد على أنها “تحب عملها ، في غرفة تبديل الملابس ترتدي لباس العناية المركزة الأزرق اللون.
السادسة تماماً : في غرف العناية ومن خلف ألواح زجاجية يرى المرء مرضى ممدين على أسرتهم. 11 من 12 سرير عناية مركزة مشغولة. من بين المرضى 3 مصابين بكوفيد-19.
تتذكر أندريا وقت عيد الميلاد عندما كان الضغط على أشده. في مارس 2021 خف الضغط، بيد أن مرضى مصابين بأزمات قلبية أو سكتات دماغية يشغلون الأسرة. ويعود ذلك لعودة روتين العمل إلى طبيعته بعض الشيء في إجراء العمليات، يقول كورت زيمون، الذي يشرف على قسمي العناية مركزة في المستشفى.
كانت ليلة عصيبة. مصابون بكورونا على أجهزة التنفس وآخر في غرفة العزل. تأخذ أندريا مهمة قيادة وردية الصباح. وقبل مباشرة عملها يُجرى لها اختبار كورونا السريع. وقد تلقى كل العاملين لقاح كورونا.
تمام السابعة: تعتني أندريا ومتدربة بهانس فرتس (اسم مستعار). لقد بترت قدمه. ممرضة العناية المركزة تفحص الجروح وتقلل كمية الدواء وتسأل المريض عن حاله. وفي نفس الوقت تعلم المتدربة عما يجب فعله.
السابعة والنصف: ترتدي أندريا غطاء الرأس ومعطفا واقيا وقفازين وكمامة طبية. وجهتها سرير أحد مرضى كوفيد-19. ماركوس عليه اليوم أربع مرات وفي كل مرة يتعين عليها ارتداء وخلع الملابس الخاصة بمرضى كورونا. المريض مارتن فيبر (اسم مستعار) في بداية الخمسينات من عمره وهو مصاب بسرطان الدم (اللوكيميا). تقول أندريا إنه هنا منذ ثلاثة أيام وإن والدته توفيت في يناير بكوفيد-19 في السرير المجاور. تدفق الهواء من أجهزة التنفس يسُمع في أرجاء المكان.
تحيَ أندريا المريض بتحية الصباح وتسأله عن حاله. تنزع أسلاك جهاز تخطيط القلب من ظهره وعينها دائماً على شاشة المراقبة. تمسح جسمه بلطف بشاش خاص وتبدل أغطية السرير. تعطيه الدواء وترتب الأنابيب والأسلاك الكثيرة. وخلال فعلها كل ما سبق تتحدث معه عن صديقته التي سيتزوجها أخيراً وعن قطته التي يحب وضعها على حجره “عندما أخرج من هنا إلى البيت”. تنزع أندريا جهاز التنفس من على فم المريض ليتمكن من تناول طعام الإفطار وتضع في أنفه سلكا ليتمكن من التنفس عبره أثناء ذلك. تتصل صديقة المرض للسؤال عن حاله. “يمكنك الاتصال بأي وقت. الأقارب مهمون لمريض كورونا. المريض يفتقدهم”، تقول أندريا.
يتعين على الممرضين توثيق كل شاردة وواردة لسلامة المريض ولضمان تحصيل تكاليف العلاج من التأمين الصحي. أجهزة الإنذار في قسم العناية المركزة لا تتوقف عن الدق. إن الأمر قريب من كونه أعجوبة فيما يخص قدرة الطاقم الطبي على العناية بكل المرضى. “الضغط كبير جداً. ولكن يعود الفضل لفريق العمل الرائع في عمل ما يجب القيام به”، تقول أندريا.
التاسعة والثلث: “لدينا حالة وفاة. أوقفنا العلاج. ودخل قريبان للمتوفى إلى غرفته”. تقول أندريا مؤكدة على أن تقبل حصول حالات وفاة جزء من طبيعة العمل في قسم العناية المركزة.
تمام العاشرة: الأطباء وطاقم التمريض حول سرير مصاب بكورونا. حالته حرجة. يُدخل أنبوب تغذية في بطنه. ومن خلال القصبة الهوائية يدخل له أنبوب للتنفس
غضب من منكري كورونا
بعد يومين يلقى المريض حتفه. تبدي الممرضة غضبها من منكري كورونا ومن الذين يقللون من خطورة المرض.
العاشرة والربع: تجلب أندريا لمارتن فيبر أدوية جديدة وتعمل له تحليلاً للدم. مستوى سكر الدم مرتفع. تحقنه بالأنسولين. ترجع للطبيب لأن وضع تنفسه سيء.
الحادية عشر والنصف: يفتح باب غرفة المتوفى بكورونا. يغادر الأقارب حاملين حقيبة المتوفى.
الثانية عشر والثلث: إنه وقت وجبة الغداء وتناول الدواء. تساعد اندريا مارتن فيبر من جديد. يريها صور قطته على هاتفه المحمول. تبتسم له وتمازحه وتحدثه عن حيواناتها الأليفة. يبدو مارتن مرتاحاً قبل أن تعاوده وردية سعال.
الواحدة والربع: وصلت وردية بعد الظهر. تقدم أندريا شرحاً موجزاً ومكثفاً عن كل مريض لزميلاتها وزملائها في وردية بعد الظهر. وتوقفت لفترة طويلة أمام غرفة مارتن مع زميلتها تحدثها عن وضعه الصحي وحالته النفسية.
بعد عملية إنعاش يموت مريض آخر في هذا الأسبوع، تقول أندريا على الهاتف بعد أيام من اللقاء. ثلاثة موتى في الأسبوع ليس أمراً نادر الحدوث، “وفي حال سوء الحظ يموت ثلاثة في يوم واحد”.
وصلت قوى الطاقم الطبي لحدها الأقصى: “العناية بالمرضى المصابين بأمراض خطيرة أمر صعب. يتطلب ذلك الكثير من الجهد وأخذ الحذر من العدوى والكثير من الأمور التي يجب مراعاتها. كل ذلك يستنزف قوى الطاقم الطبي”، تقول أندريا.
ولدى سؤالها ماذا ستقول عما فعلته في فترة الوباء بعد أن ينتهي، أجابت أندريا: “أريد أن أقول إنني كنت هناك في غرفة العناية المركزة، أحارب مع المريض، وأبذل قصاري جهدي ليسترد صحته. أعتقد أن هذا القول يمكن أن يكون كافيا للجميع”.
يا فرحة ما تمت – حفلة زفاف
نصح الأطباء مارتن فيبر ألا يتمهل أكثر في عقد قرانه. حضر موظف عقود الزواج للمستشفى. أحضر رجل الدين المسؤول عن الرعاية الروحية، القسيس مارتن زاوربير في المستشفى، زهوراً حمراء اللون. وجلب فريق التمريض الشمبانيا. زوج إحدى الزميلات تتكفل بأمر الزينة. عندما قالت صديقة مارتن “نعم”، موافقة على الزواج به، انهمرت الدموع من العيون، حسب ما قال القسيس مارتن زاوربير لـ الممرضة ماريا التي أبلغتنا بالخبر من خلال الهاتف، مشيراً إلى أن وضعه تحسن بعد ذلك. ولكن لم تمض إلا فترة قليلة حتى ساءت حالته وأصبح بحاجة لغسيل كلى وتنبيب.
بعدها بأسبوع توفي مارتن فيبر. كان من المفترض أن يتم دفن الأم المتوفاة عندما يخرج مارتن من المستشفى. وبعد وفاة الابن رجت العائلة مسؤول الرعاية الروحية القسيس مارتن زاوربير أن تجري مراسم الدفن للأم والابن معاً.
وكالات