لم يكن سيد درويش البحر مجرد مغنٍّ وملحن عادي غنى له كثير من المطربين القدماء، وإنما كان أحد أيقونات ثورة 1919 ضد الاحتلال البريطاني لمصر، فخلال تلك السنة فقط قام بتأليف نحو 75 أغنية ألهمت المصريين للانتفاض ضد البريطانيين
سيد درويش.. تزوج 4 مراتٍ أولاها بعمر الـ16
وُلد سيد في 19 مارس/آذار 1892، بكوم الدكة وهي أحد الأحياء الفقيرة بالإسكندرية، كان والده بحاراً ويملك ورشة صغيرة بالحي لصناعة الكراسي الخشبية يعيل بها عائلته.
تزوَّج درويش عدة مرات، أولاها كان في عمر الـ16 فقط، وأنجب من زوجته طفلاً سماه محمد، ولكن الزواج انتهى بعدها بوقت قصير.
وفي المرة الثانية تزوج ابنة عمه؛ ليبقى قريباً من تراثه الإسكندراني، وفقاً لما ذكره حفيده، محمد سيد درويش، في أحد تصريحاته.
ولكن هذا الزواج انتهى بالطلاق بعد شهرين فقط، قبل أن تتوفى ابنة عمه أيضاً بعدها بفترة قصيرة، فألَّف لها أغنية “مظلومة ويّاك يا ابن عمي”.
وأضاف حفيده محمد، أن عائلة سيد درويش ضغطت عليه من أجل الزواج مرة ثالثة، وأقنعته بأن يتزوج امرأة لايعرفها ولم يقابلها من قبل، وفي ليلة الزفاف رأى وجهها لأول مرة فترك المنزل مباشرة وانتقل إلى القاهرة.
وبعدها بمدة قصيرة، صادف سيد درويش في منزله الجديد بالقاهرة شابة تدعى جليلة، فتزوجها وأنجب منها طفلين: الأول هو يحيى، والثاني حسن والد محمد.
بداية مسيرته الفنية
كان سيد درويش الابنَ الثالث في العائلة المكونة من 7 أطفال، لكنه أول شاب إذ سبقته فتاتان، لذلك أراد والده أن يراه شيخاً يحفظ القرآن ويجوّده، فأرسله إلى الكُتّاب وهو في سن العاشرة.
ومنذ طفولته كان سيد درويش شغوفاً بالاستماع الى الشيوخ الذين يحيون المولد النبوي ويحفظ عنهم ويقلدهم أمام أطفال الحي، وفقاً لما ذكره موقع Majalla.
لم تمضِ سنوات قليلة حتى تُوفي والده، فقامت والدته بإرساله إلى مدرسة كان فيها مدرس يُعلِّم الطلاب الأناشيد الدينية، وهناك بدأت موهبة سيد درويش بالنمو شيئاً فشيئاً، إذ بدأ بالذهاب إلى الأحياء الشعبية الأخرى؛ من أجل الاستماع للشيوخ المشاهير.
في سن الـ15 توقَّف السيد درويش عن الدراسة وتفرغ لغناء الأناشيد الدينية، لكنه لم ينجح في البداية، ما اضطره إلى خلع ملابس الشيوخ والعمل في مجال المعمار، ودائماً ما كان درويش يغني خلال العمل؛ من أجل تسلية أصدقائه ورفع معنوياتهم أثناء العمل.
وفي أحد الأيام، عندما كان درويش يغني أثناء العمل تصادف في المقهى المقابل له وجود الممثل والمخرج المسرحي أمين عطا الله وشقيقه سليم عطا الله، وقد سمعاه وهو يغني، فعرضا عليه العمل في فرقتهما المسرحية، وهو العرض الذي لم يتردد درويش قط بقبوله، فالتحق بالفرقة ليغني مع الكورس وليؤدي منفرداً بعض الأغاني بين فصول المسرحية.
سفر سيد درويش إلى سوريا ولبنان
في نهاية عام 1908، سافر سيد درويش مع الفرقة إلى سوريا ولبنان لأداء العروض المسرحية، لكن الفرقة فشلت ولم تلقَ إقبالاً، بسبب سوء الأحوال الاقتصادية فتشتت أفراد الفرقة.
في حين بقي “خالد الذِّكر”، كما يطلق عليه المصريون، يتنقل بين دمشق وحلب؛ ليكسب لقمة عيشه عن طريق قراءة القرآن في المساجد وتعلُّم الموسيقى الشرقية على يد أساتذة الموسيقى هناك، ومن ثم عاد إلى القاهرة لينضم مجدداً إلى فرقة عطا الله التي أعيد إنشاؤها مجدداً.
وفي العام 1914، بدأ سيد درويش يحصد نتائج تعبه، فكتب ولحن وغنى أولى أغانيه وهي “يا فؤادي ليه بتعشق، الحبيب قاسي عليا، قلبه ظالم لم بيشفق، أنا صابر عالأسية”.
https://youtu.be/t9jY80roy9s
وفي 1917 عاد الملحن المصري إلى القاهرة، حيث بدأ بأنتاج الأغاني للفرق المسرحية أمثال فرقة نجيب الريحاني وجورج أبيض وعلي الكسار، واستطاع بغزارة إنتاجه أن يُحدث ثورة بالموسيقى المصرية ويصبح المؤثر الأكبر في موسيقى القرن الـ20.
سيد درويش وثورة 1919
كانت مصر تعاني في أوائل القرن العشرين أحداثاً واضطرابات كبيرة نتيجة الاحتلال البريطاني للبلاد، إضافة إلى تغييرات كبيرة في بنية المجتمع المصري، أدت إلى ظهور طبقة فقيرة عاملة كان لها الدور الأكبر في الكفاح ضد الاحتلال البريطاني وأنصاره.
وفي عام 1919 اندلعت الثورة التي كان ينتظرها كثيرون، ومن بينهم فنان الشعب الذي أمضى طيلة شبابه في الحديث عن القومية والحرية ومعارضة وجود البريطانيين على أرض مصر.
فكانت أغنية “قوم يا مصري مصر بتناديك”، أول أغنية من نحو 75 أغنية ثورية أخرى داعب فيها سيد درويش مشاعر المصريين وكان لها تأثير كبير عليهم لمواصلة الثورة والمُطالبة بعودة سعد زغلول ورفاقه من المنفى.
ومن الأغاني الأخرى أيضاً: “بلادي بلادي” التي أصبحت النشيد الوطني لمصر، و”أنا المصري كريم العنصرين بنيت المجد بين الإهرامين”، و”بنت مصر”، و”زغلول يا بلح”، إضافة إلى كثير من الأغاني الأخرى التي أصبحت إرثاً من الثقافة المصرية.
ثورة في عالم الموسيقى
إلى جانب أعماله السياسية الثورية التي لم تكن حماستها تضاهي أي أعمال أخرى في ذلك الزمن، استطاع فنان الشعب أن يُحدث ثورة أخرى ولكن في عالم الفن، وذلك عن طريق تمرده على الموسيقى السائدة بتلك الفترة عن طريق أغانيه المليئة بالعواطف مثل:
(زوروني كل سنة مرة، أنا عشقت، يا شادي الألحان، ياصاحب السحر الحلال، يلي قوامك يعجبني، عشقت حسنك، عواطفك دي أشهر من نار).
وقد قدَّم خلال مسيته القصيرة التي امتدت 9 أعوام فقط، نحو 17 موشحاً و 22 أوبريت و50 طقطوقة.
وفاة سيد درويش واللغز المحير
تُوفي سيد درويش في الـ10 من سبتمبر/أيلول 1923، أي بعد نحو عام من توقيع “تصريح 28 فبراير” الذي نص على إنهاء الحماية البريطانية على مصر عن عمر ناهز 31 فقط.
أما سبب وفاته فلا يزال مجهولاً حتى يومنا هذا، لكن هناك بعض الروايات المتعددة، أولاها تقول إن درويش توفي نتيجة أزمة قلبية، في حين تقول رواية أخرى إنه توفي نتيجة تناوله جرعة زائدة من الكوكايين وهو ما تنفيه عائلته.
إذ يقول حفيده محمد وفقاً لموقع Egypttoday: “جدي سيد درويش لم يتناول المخدرات إطلاقاً، وإنما كانت شائعة بذيئة أحاطت به بعد وفاته، فكيف يمكن لشخص وصل إلى هذا المستوى من الفن أن يكون مدمناً للمخدرات؟”.
في حين تقول الرواية الثالثة، إن الاحتلال البريطاني قام بتسميمه بوضع الزرنيخ في طعامه، بسبب دوره الكبير والمؤثر في الثورة المصرية.
إضافة إلى قيامه بنشر أغنية “مصر وطنّا وسعد أملنا” التي غناها سيد درويش وكتب كلماتها بديع خيري، بمناسبة عودة قائد ثورة 1919 سعد زغلول من نفيه الثاني في جزيرة سيشل، لكن اغتياله جاء قبل عودة زغلول إلى مصر بأيام قليلة، وهو ما أكدته عائلته.
نقلا عن عربى بوست