ما الذي دفع أوروبا تعليق استخدام لقاح أسترازينيكا؟ رغم عدم وجود أدلة على تسببه بجلطات أو وفيات

بعد انضمام فرنسا وألمانيا إلى أيرلندا والنرويج والدنمارك وهولندا في تعليق استخدام لقاح أكسفورد-أسترازينيكا رغم أن وكالة الأدوية الأوروبية ومنظمة الصحة العالمية تنصحان الناس بالاستمرار في تناوله، يبدو هذا الإحجام الشائع بين الحكومات الأوروبية بدافع “الحذر الشديد”، كما يقول تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

وبحسب الصحيفة، ظهر عدد محدود من التقارير التي تشير إلى ظهور حالات جلطات دموية بين أشخاص تلقوا اللقاح مؤخراً وكذلك حالة أكثر ندرة تسمى نقص الصفائح الدموية، وهي حالة تتوقف أجسام المصابين بها عن إنتاج ما يكفي من الصفائح الدموية. ويمكن أن تؤدي إلى نزيف حاد. وسُجلت حالات وفاة  في النمسا وإيطاليا، اللتين منعتا استخدام شحنة لقاح خوفاً من تلوثها. وفي الوقت نفسه، سُجلت حالة وفاة أخرى جراء الإصابة بنقص الصفائح الدموية في النرويج، وكذلك ثلاث حالات علاج في المستشفيات.

لا دليل على أن لقاح أسترازينيكا تسبب بهذه الحالات

لكن تعليق الحكومات للقاح يثير حيرة العلماء. إذ إن وكالة الأدوية الأوروبية ومنظمة الصحة العالمية تحققان في هذه الحوادث، ولكن لا يوجد دليل حتى الآن على أن اللقاح تسبب في أي منها.

ويقول خبراء إن أعداد حالات الجلطات الدموية وحالات نقص الصفائح الدموية بين الأشخاص الذين حقنوا باللقاح ليست أعلى منها بين السكان الذين لم يتلقوا اللقاح. وقالت الجمعية الدولية للإرقاء والتجلط، التي تمثل أطباء خبراء على مستوى العالم، يوم الجمعة إن “العدد القليل من حوادث الجلطات المسجلة مقارنة بملايين التطعيمات بلقاح كوفيد-19 لا يشير إلى وجود صلة مباشرة”.

وقالوا إن حالات تجلط الدم شائعة، لكنها ليست أكثر شيوعاً بين الأشخاص الذين حقنوا بلقاح كوفيد، وفقاً للأدلة المتوفرة حتى الآن. وأوصوا بأنه حتى الأشخاص الذين سبق وأصيبوا بجلطات الدم أو يتناولون أدوية مسيلة للدم يمكنهم تلقي اللقاح.

وفي المملكة المتحدة، كان لكل من هيئة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية MHRA واللجنة المشتركة للتطعيم والتحصين (JCVI)، التي تقدم المشورة للحكومة، رأي قاطع. إذ قال البروفيسور أنتوني هاردن، نائب رئيس اللجنة المشتركة للتطعيم والتحصين: “المملكة المتحدة وفرت 11 مليون جرعة من لقاح أسترازينيكا ولم نلاحظ فرقاً كبيراً في عدد حالات جلطات الدم منذ تقديم اللقاح”. وقالت هيئة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية إنها تعمل عن كثب مع نظيراتها الدولية وتراجع هذه الحالات، لكن “الأدلة المتاحة لا تشير إلى أن اللقاح هو السبب”.

وشركة أسترازينيكا نفسها تقول إنه ظهرت 15 حالة خثار وريدي عميق (DVT) و22 حالة انسداد رئوي (جلطات دموية في الرئتين) على مستوى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة حتى 8 مارس/آذار. وقالت في بيان: “هذا أقل بكثير مما كان يُتوقع أن يحدث بشكل طبيعي بين سكان بهذا الحجم ومشابه لما يحدث في لقاحات كوفيد-19 المرخصة الأخرى”.

هل يمكن للقاحات التسبب بجلطات دموية؟

في السياق، يؤكد تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية أنه لا يوجد دليل حتى الآن على وجود صلة بين لقاح أسترازينيكا وعدد قليل من الحالات الجديدة في أوروبا لأمراض خطيرة ووفيات، لكن التحقيقات جارية.

ويقول مدير معهد سلامة اللقاحات بجامعة جونز هوبكنز دانييل سالمون للصحيفة، إنه لم يثبت بالأساس أن اللقاحات تسبب جلطات دموية. مضيفاً: “الجلطات الدموية شائعة في عموم السكان بأمريكا أو أوروبا، وتشتبه السلطات الصحية في أن الحالات المبلغ عنها في متلقي اللقاح هي على الأرجح مصادفة وليست مرتبطة بالتطعيم”.

والجلطة الدموية هي كتلة هلامية سميكة من الدم يمكن أن تعيق حركة الدورة الدموية. وتتشكل الجلطات استجابة للإصابات ويمكن أن تنتج أيضاً عن العديد من الأمراض، بما في ذلك السرطان والاضطرابات الوراثية وبعض الأدوية والجلوس المطول أو الراحة المطولة في الفراش، وتتكسر الجلطات التي تتشكل في الساقين أحياناً وتنتقل إلى الرئتين أو الدماغ ، حيث يمكن أن تكون مميتة.

ويقول مارك سليفكا، الباحث المختص باللقاحات في جامعة أوريغون للصحيفة الأمريكية: “هناك الكثير من الأسباب لتخثر الدم، والكثير من العوامل المؤهبة، والكثير من الأشخاص المعرضين لخطر متزايد – وهؤلاء غالباً ما يكونوا أيضاً الأشخاص الذين يتم تطعيمهم الآن”.

ويتحدث التقرير عن أنه من 300000 إلى 600000 شخص سنوياً في الولايات المتحدة يصابون بجلطات دموية في الرئتين أو في الأوردة في الساقين أو أجزاء أخرى من الجسم، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها. وأنه بناءً على هذه البيانات، تحدث حوالي 1000 إلى 2000 جلطة دموية في سكان الولايات المتحدة كل يوم.

ما العوامل الأخرى التي جعلت الحكومات الأوروبية توقف استخدام لقاح أسترازينيكا؟

تقول صحيفة الغارديان يبدو أن هذه الحجج لا تقنع الحكومات الأوروبية كثيراً. ويوجد عدد من العوامل الأخرى التي قد يكون لها دور في ذلك:

1- أولها أنه لا أحد يمكنه تجاهل الآثار الجانبية شديدة الندرة على أساس تجارب تشمل عشرات الآلاف من الأشخاص. وقد حدثت مشكلة مشابهة أثناء جائحة إنفلونزا الخنازير عام 2009. إذ تبين لاحقاً أن واحدة من كل 55 ألف جرعة من لقاح يسمى Pandemrix تسببت بداء التغفيق (النوم القهري) لدى الأطفال.

ولهذا السبب ستخضع أي حالات لا تبدو شبيهة بجلطات الدم العادية لفحص دقيق. وفي الدنمارك، قيل إن رجلاً يبلغ من العمر 60 عاماً توفي وكان مصاباً بأعراض “غير عادية”. وقالت النرويج أيضاً إن الأشخاص الثلاثة الذين يتلقون العلاج في المستشفى ظهرت عليهم “أعراض غير عادية”.

2- والحكومات، على عكس الهيئات العلمية، يتعين عليها أن تدرس أشياء أخرى إلى جانب الأدلة العلمية. فهي تحرص أيضاً على ثقة الجمهور، في اللقاح وكذلك في تعامل الوزراء مع أي مخاوف. فرنسا على سبيل المثال واجهت صعوبات في التطعيم. ولديها تاريخ طويل من شك المواطنين في شركات الأدوية، التي ساهمت في كارثة في لقاح إنفلونزا الخنازير. واشترت فرنسا ملايين الجرعات التي رفضها الناس. ولديها معدلات تطعيم منخفضة ضد الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية لدى الأطفال أيضاً.

وفي الوقت نفسه، كانت ألمانيا الدولة الأولى التي رفضت السماح للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً بتلقي لقاح أسترازينيكا لغياب دليل على مدى نجاحه مع كبار السن، ما يشير إلى أنها تتبع نهجاً أكثر حذراً من معظم الحكومات الأخرى.

3- مخزون اللقاحات قد يكون من العوامل الأخرى التي تساهم في قرارات التعليق. ويوجد مخزون وفير في المملكة المتحدة، ولكن لا يوجد في أوروبا. إذ أن شركة أسترازينيكا خفضت لتوها أعداد شحنات الجرعات المقترحة من جديد، إلى 30 مليون جرعة في الربع الأول، وهو ما يمثل حوالي ثلث ما تعهدت بتقديمه في الأصل. ومن الأسهل تعليق اللقاح في أوروبا إن لم يكن متوفراً بكميات كبيرة على أي حال.

ما الذي يمكن أن تخبرنا به البيانات الموجودة حول لقاح أسترازينيكا؟

يقول الدكتور ديفيد وول، مدير عيادة اللقاحات في جامعة نورث كارولينا، إنه لم ير أي دليل على أن أياً من لقاحات كوفيد تسبب في حدوث جلطات دموية، في التجارب السريرية الكبيرة التي أدت إلى الموافقة عليه. لكن الدكتور وول أشار أيضاً إلى أن “هناك اختلافات بين التجارب والحياة الواقعية”.

وتأتي نتائج السلامة الأكثر شمولاً من طرح لقاح AstraZeneca في العالم الحقيقي من بريطانيا، حيث تم إعطاء 9.7 مليون جرعة من اللقاح خلال الشهر الماضي. وجدت البيانات البريطانية أن بعض حالات التخثر على الأقل، على الرغم من ندرتها الشديدة، كانت منتشرة بشكل متساوٍ بين الأشخاص الذين تم تطعيمهم بلقاح AstraZeneca مقارنةً بأولئك الذين حصلوا على لقاح Pfizer. لكن مستويات الصفائح الدموية المنخفضة بشكل غير طبيعي كانت أكثر شيوعاً بين الأشخاص الذين حصلوا على لقاح AstraZeneca.

في السياق، يقول تقرير لشبكة BBC البريطانية، إن هذه ليست المرة الأولى التي تعاملت فيها بلدان في أوروبا بحذر مع لقاح أسترازينيكا. وكانت ألمانيا وفرنسا ودول أخرى قد تبنت موقفاً حذراً في التعامل مع اللقاح المذكور حين أوصت بعدم استخدامه مع الأشخاص الذي يتجاوز سنهم الخامسة والستين. أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فذهب إلى حد القول إن اللقاح “غير فعال تقريباً”. لقد تم التراجع عن هذا التصريح لكنه تسبب بأضرار.

بحسب BBC، ستفقد ألمانيا وفرنسا كميات من اللقاح، حيث استخدم البلدان أقل من نصف لقاحات أسترازينيكا المتوفرة لديها وأصبحا يعتمدان بشكل أكبر على لقاح فايزر من المملكة المتحدة. ويهدد هذا بـ”عواقب قاتلة”، إذ ستكون هناك معدلات إصابة أعلى بكثير في فرنسا وألمانيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى من المملكة المتحدة، وتواجه احتمال تأزم الأمور قبل بدأها بالتحسن. يقول الموقع البريطاني: “لو تأملنا في القرار المتعلق بمن هم فوق الخامسة والستين نستطيع أن نرى كيف اتخذ. كانت هناك أدلة محدودة حول إعطاء اللقاح للمسنين”.

عربى بوست

https://arabicpost.net/2021/03/16/

 

Check Also

النمسا ترسل 81 جندياً إلى مهمة الأمم المتحدة في لبنان

أرسلت النمسا 81 جندياً، من بينهم 10 سيدات، للانضمام إلى قوة الأمم المتحدة المؤقتة في …