الإثنين , 25 نوفمبر 2024

صحيفة نيويورك تايمز : إلى أين فرَّ الأمريكيون الأثرياء للاختباء من الجائحة؟

كتب جاستن فاريل، الأستاذ المشارك في كلية ييل، للغابات والدراسات البيئية، ومؤلف كتاب «برية الأثرياء: الثراء الفاحش وإعادة تشكيل الغرب الأمريكي»، مقالًا نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية عن سعي الأمريكيين الأثرياء في بداية زيادة الإصابات بفيروس كورونا المُستجد في الولايات المتحدة في أبريل من العام الماضي، إلى ملاذات آمنة من أبرزها بلدة جاكسون هول الواقعة في مقاطعة تيتون بولاية وايومنج في إقليم الجبال من غرب الولايات المتحدة، وتأثير ذلك على السكان المحليين وسط حالة الإغلاق العام.

ويستهل الكاتب مقاله بوصف للبلدة الرائعة بقوله؛ إنها حصن منيع فوق قمم جبلية متعرجة يبلغ ارتفاعها ما يقرب من 14 ألف قدم، لتطل على أرضية وادي محمية، جراند تيتون، الطبيعية بولاية وايومنج. وقد تؤدي رؤية المشهد للوهلة الأولى إلى دهشة هائلة حرفيًّا وأنت تطير إلى بلدة جاكسون هول، حيث هبطت خلال شهري مارس (آذار) وأبريل (نيسان) 2020، طائرات خاصة تحمل ركابًا أثرياء يفرون من مناطق الإصابة الساخنة بكوفيد-19 إلى أماكن أخرى.

البعض جاء بمعداته الطبية بما فيها جهاز التنفس الصناعي

ويشير الكاتب إلى أن البعض أحضر معه معداتٍ طبية -حتى جهاز التنفس الصناعي، وفقًا لما ذكره طبيب محلي- إلى هذا الركن النائي من وايومنج. وبفضل مناظرها الطبيعية الرائعة وسياساتها الضريبية المواتية للغاية بالنسبة للأثرياء، أصبحت مقاطعة تيتون، التي تضم بلدة جاكسون هول، أغنى مقاطعة في الولايات المتحدة، ويُقدَّر دخل الفرد فيها بأنه الأعلى في البلاد.

أذ يبلغ 251,728 دولارًا، أي بفارق ما يقرب من 58 ألف دولار زيادة عن ولاية مانهاتن، أقرب منافس لها. وكسبَ واحد في المئة من سكان المقاطعة ما متوسطه 22.5 مليون دولار سنويًّا في عام 2015.

قالت كريستي واتس، وهي مدربة حياة، تعيش في جاكسون هول، إنه في ذروة التدفق الأخير، «كان من الصعب تلقي» تنبيهات رسمية للسكان بالبقاء في منازلهم «بينما كان مطار البلدة مكتظًا بمئات الأشخاص القادمين إليها».

ويوضح الكاتب أن عمليات هبوط الطائرات تباطأت في الأسابيع الأخيرة من تلك المدة مع استقرار الوافدين الأكثر ثراءً. ومع ذلك، يمكن لعدد محدود من المتطفلين الهاربين بسبب الفيروس أن يكون لهم تأثير هائل على جيب ريفي صغير مثل هذه البلدة.

أكبر تفاوت في الدخول في البلاد

ولفت الكاتب إلى أن الفجوة بين الأغنياء والبقية في مقاطعة تيتون، سُدَّت من خلال تحالف غير مستقر بين الملاك الأغنياء لمنازل قضاء العطلات والسكان ذوي الدخل المنخفض، الذين يعتمدون عليهم في معاشهم. وتتسم المقاطعة بأكبر قدر من التفاوت في الدخل في البلاد بين الواحد في المئة أصحاب أعلى الدخول والتسعة وتسعين في المئة الذين يفترشون القاع.

وكشفت الجائحة عن توترات في تلك العلاقة؛ إذ يتعين على عمال الخدمة الاختيار بين الاستمرار في القيام بوظائف قد تعرِّضهم للإصابة بالفيروس، أو المخاطرة بفقدان الأجور والتأمين الصحي والطرد من العمل. وأغلقت منتجعات التزلج الثلاثة في المنطقة أبوابها قبل شهر من ذلك التاريخ تقريبًا بسبب الجائحة، كما أُغلِقت المطاعم والمحميات الطبيعية.

يقول الكاتب: قال لي أحد عمال المطار: «إنه لأمر مخزٍ أن نرى الناس القادمين إلى هذه البلدة لا يُقدِّرون خطورة الموقف. إننا يصعب علينا تقديم خدمات لهذه الأنواع من البشر. وأنا أعيش من راتبي، وليس لدي كثير من المدخرات في حسابي للتعامل مع مرض خطير يمكن أن ينتقل إليَّ عبر هؤلاء القادمين».

عالم مختلف خالٍ من الشراك الأخلاقية

ويرى الكاتب أن الغرب الريفي يغري الكثيرين لأنه يبدو وكأنه عالم مختلف. إنها برية خالية من الفخاخ والشراك الأخلاقية التي تتسم بها المدينة، يسكنها أناس أسطوريون – متسكع التزلج البوهيمي وراعي البقر الأشعث الأغبر. وهذه الواجهة الرومانسية جذابة على نحو خاص للأثرياء المُجْهدين؛ لأنها تربطهم بالطبيعة وطابع البلدة الصغيرة في الأيام الخوالي، كما اكتشفتُ ذلك أثناء إجراء بحث لكتاب يفحص الطرق التي يرون بها أنفسهم ويرون بها الآخرين – وخاصة جيرانهم الريفيين.

والآن أصبحت المجتمعات الثرية الصغيرة التي تنتشر في الغرب، والأجزاء النائية الأخرى من البلاد مفيدة على نحو خاص باعتبارها أماكن للاختباء من الجائحة. لكن اتضح لنا أنه لا يمكن التغلب على الفيروس.

كان يوجد في مقاطعة تيتون 57 حالة إصابة مؤكدة بكوفيد-19 في ذلك الوقت، وهو أعلى رقم في الولاية بعد مقاطعة لارامي الأكثر اكتظاظًا بالسكان، التي كان يوجد بها 62 حالة. لكن مقاطعة تيتون تتصدر وايومنج، في معدل الحالات، بمعدل 242.9 لكل 100 ألف شخص. (كانت هناك ثلاث حالات أخرى لأشخاص لديهم عناوين إقامة خارج المقاطعة).

وتمتد مقاطعة تيتون، على مساحة 4,216 ميل مربع، أغلبها من الريف البري، بما في ذلك محميات، جراند تيتون، ويلوستون، الطبيعية، وتبلغ مساحة المقاطعة حوالي ثلاثة أضعاف ونصف مساحة ولاية رود آيلاند. وعلى الرغم من كل هذه المساحة، يعيش هناك حوالي 23 ألف شخص فقط على مدار السنة. ويحتوي المستشفى الوحيد في المقاطعة، وهو مستشفى سانت جون هيلث، على 24 جهاز تنفس صناعيًّا وإمدادات متضائلة من معدات الحماية الشخصية.

السياسات الضريبية هي المَلُومة

وينقل الكاتب عن بيت مولدون، رئيس بلدية جاكسون، مقر إدارة المقاطعة قوله؛ إن الثروة الهائلة للسكان المؤقتين الذين يقيمون في الوادي لبعض الوقت يجعل من الصعب على السكان المحليين تحمُّل فقدان الوظائف بسبب الإغلاق، خاصة عندما يتساءلون عما إذا كانت موارد الرعاية الصحية للمجتمع «ستذهب بدلًا من ذلك إلى شخص قد لا يمتلك منزلًا هنا إلا بهدف تجنب دفع الضرائب». وعلى الرغم من الإغراء الكبير لتوجيه أصابع الاتهام إلى الأغنياء، كما يقول مولدون، فإنه يُذكِّر الناس بأن السياسات الضريبية تمكِّن «عددًا صغيرًا من الناس من اكتناز كل الثروة».

ومن الصعب معرفة عدد الأثرياء الذين انتقلوا إلى مقاطعة تيتون، للاحتماء في قصورهم. وفي وقت مبكر من الجائحة، حثَّت المقاطعة الغُرباء على الابتعاد وعدم القدوم إليها. وفي أواخر شهر مارس (آذار)، كان المسؤول الصحي بالمقاطعة، الدكتور ترافيس ريدل، صريحًا حين قال: «من المرغوب فيه بشدة أن يغادر أصحاب المنازل غير المقيمين أو أن يمتنعوا عن السفر إلى مقاطعة تيتون».

تحويلات وصفات طبية من ولايات أخرى

لكن صيدليًا أبلغ مسؤولي الصحة المحليين مؤخرًا أنه كان يتعامل مع كثير من تحويلات الوصفات الطبية من ولايات أخرى لعبوات أدوية تكفي لمدة ثلاثة أشهر. وأخبرتني موظفة في شركة تقدم خدمات للأثرياء (كان عدد قليل من الناس هم الذين أبدوا استعدادًا لذكر أسمائهم) أنها تقدر أن عدد تلك العائلات يزيد بنسبة 30 في المئة عن المعتاد في هذا الوقت من العام.

قالت لي: «بذلنا كل ما في وسعنا لنزوِّدهم بما يريدون، مثل لوازم البقالة وغيرها من الخدمات. وجاء كثير لقضاء عطلة الربيع، وعادوا إلى ديارهم، ثم جاءوا إلى هنا مباشرةً. أعرف عائلة مكونة من ستة أفراد من مانهاتن، استأجرت منزلًا حتى أغسطس».

وقالت إنها تخشى الذهاب إلى العمل، وأضافت: «لا أستطيع أن أصدق أن الجميع يأتون زرافات إلى هنا، لمجرد أن يكونوا في أمان. أعلم أنك تريد الخروج من نيويورك وكاليفورنيا. لكن لا ينبغي أن أعمل أنا هنا، ولا يجب أن تكون أنت هنا أيضًا».

سخط وغضب من السكان المحليين

قال لي أحد الأطباء: «أعرف طبيبًا في البلدة طُلب منه الذهاب إلى منزل شخص ما بمجرد وصول جهاز التنفس الصناعي الخاص للتأكد من أنه يعمل». وقال هذا الشخص، إن الطبيب الذي أزعجه هذا التكديس للمستلزمات الطبية، رفض تلبية الطلب.

وفي الوقت نفسه، يتزايد السكان الأثرياء على مدار العام. وفي غضون أسابيع قليلة فقط، جمعت مؤسسة مجتمع جاكسون هول، مليوني دولار لمساعدة المنظمات غير الربحية المحلية. وتبرع مالكو مصانع الجعة، من بين آخرين، بما قيمته 45 ألف دولار من الأقنعة الطبية للمستشفى والعاملين في مجال طب الطوارئ وإدارة الصحة بالمقاطعة. وأطلق عليهم الرئيس التنفيذي للمستشفى وصف «هبة من السماء».

قال أحد الأطباء: «هذا هو الجانب الإيجابي للثروة هنا. هؤلاء السكان المحليون الأثرياء يختلفون عن الأثرياء الذين يأتون الآن للاختباء».

يشعر السكان الأثرياء الآخرون المقيمون بصفة دائمة بالقلق بشأن الخسائر التي ستلحق بالمجتمع المنخفض الدخل الذي يدعم أسلوب حياتهم. وقال لي أحدهم: «مجتمع العمال الذي تحدثت عنه في كتابك، سيتضرر بشدة مع عدم وجود شبكة أمان».

ويختتم الكاتب مقاله بقوله إنه في حين أن المنتجعات مثل مقاطعة تيتون، توفر ملاذًا للأثرياء، فإن ذلك غالبًا ما يأتي على حساب الطبقة العاملة الريفية، التي تواجه بالفعل مساكن لا يمكن تحمل تكلفتها، وأجورًا راكدة وأنظمة رعاية صحية ريفية مثقلة بالأعباء. وفي هذه الساعة المظلمة، تزيل الجائحة الطلاء الزائف الذي يشي بأن كل شيء على ما يرام في الجنة.

ساسة بوست

https://www.sasapost.com/translation/rich-fly-jackson-hole/

 

 

شاهد أيضاً

انتخابات ولاية إشتاير مارك.. اليمين المتطرف يحقق فوزا تاريخيا بنسبة 35.4%

تشير التقديرات الأولية إلى فوز حزب الحرية النمساوي اليميني المتطرف والذي أسسه نازيون سابقون بالانتخابات …