تقرير – بالفيديو هل ديون ماسبيرو المتراكمة تفسح المجال لفكرة الحكومة للتخلي عن المبنى الشهير بالبيع؟

يمثل مبنى ماسبيرو، وهو الاسم الشهير للتلفزيون المصري، أزمة كبيرة للدولة رغم قيمته الإعلامية والتاريخية الكبيرة، حيث فشلت المحاولات المتتالية لتطويره، بما فيها المحاولة التي أشرفت عليها وموّلتها جهات سيادية قبل سنوات قليلة، كما تراكمت عليه الديون ليواجه ماسبيرو مصيره الذي يخشاه الجميع ويلحق بشركات قطاع الأعمال العام الخاسرة التي جرت تصفيتها.

وتعد التصفية هي السيناريو المتشائم للمبنى الذي ظل شاهداً على العديد من الأحداث التي شكلت الوعي السياسي العربي في السنوات الستين الماضية، لكن هناك سيناريو أكثر تفاؤلاً يتمثل في التخلي عن أصوله غير المستغلة، أو الدخول في شراكة مع القطاع الخاص، وهو ما فسرته مصادر موثوقة داخل الهيئة الوطنية للإعلام بأنه تجميل لفكرة بدأ العمل عليها تتمثل في التخلي عن المبنى الحالي لماسبيرو الممتد على مساحة 12 ألف متر مربع تقريباً في أجمل مناطق العاصمة المصرية القاهرة المطلة على النيل، وذلك للاستفادة من تلك المساحة في مشروع مثلث ماسبيرو الذي يجري العمل فيه بشكل متسارع.

وكان الإعلامي والإذاعي المصري جمال الشاعر قد أبدى تخوفه من نية الحكومة عرض “ماسبيرو” للبيع أو الإيجار، خاصة بعد إعلان الحكومة في أكثر من سياق بشكل غير مباشر، ضرورة التعامل معه باعتباره مؤسسة اقتصادية وتجارية هادفة للربح، وإلغاء مفهوم الإعلام كخدمة عامة يعبر عن عامة الشعب.

ولفت الشاعر إلى اتجاه الحكومة لخلق “إعلام موازٍ لإعلام الدولة”.

باحث بالمركز المصري لدراسات الإعلام يشير إلى أن المسؤولين يتبعون نهج “دعوا ماسبيرو يلقى حتفه”، وذلك عبر “تعمد تعجيز العاملين فيه بعدم توفير الإمكانات والمناخ اللازمين لتأدية أعمالهم بالكفاءة المطلوبة، مع أن معظمهم يتمتع بخبرة طويلة”، ويرى أن التطوير هو مرادف للتكميم، فالرجل الذي يقود عملية تطوير “ماسبيرو” هو وزير الإعلام الحالي أسامة هيكل، الذي قضى أغلب مسيرته المهنية كمحرر عسكري، وشغل منصب وزير الإعلام في عهد المجلس العسكري، ثم عينوه رئيساً لمجلس إدارة مدينة الإنتاج الإعلامي في سبتمبر/أيلول 2014، ومنه إلى البرلمان حيث قام بإعداد قانون الصحافة الذي غلظ العقوبات على الصحفيين وحرمهم من حقوق كان يكفلها القانون القديم.

لا توجد بيانات تفصيلية ودقيقة عن حجم ديون ماسبيرو

على الرغم من عاصفة التطوير التي هبت على ماسبيرو طوال السنوات الماضية بهدف تطويره، التي كان آخرها الخطة التي وضعتها ومولتها جهات سيادية قبل سنوات قليلة لإعادة ماسبيرو إلى ريادته، فإن المبنى لا يزال يواجه تحديات تهدد استمراره وتجعل بقاءه مسألة تحتاج إلى ضغوط وجهود كبيرة بعدما بات عبئاً على الدولة، لا سيما في ظل تصاعد ديونه عاماً بعد عام بشكل مفزع.

ولا توجد بيانات تفصيلية ودقيقة عن حجم ديون ماسبيرو حيث ذكر أسامة هيكل، وزير الإعلام الحالي، حينما كان رئيساً للجنة الإعلام في مجلس النواب السابق، أن الديون تخطت الـ 32 مليار جنيه، بينما ذكرت الهيئة الوطنية للإعلام في بيان لها أصدرته شهر يناير الماضي أن الديون تبلغ 42.6 مليار جنيه تمثل قرضاً قديماً يعود لعام 1981 من بنك الاستثمار القومي بلغت قيمته 9 مليارات و600 مليون جنيه وذلك منذ عام 1981، وبلغت فوائد القرض غير المسدد حتى الآن 32.9 مليار جنيه تخص مدينة الإنتاج الإعلامي التي يشرف عليها أسامة هيكل نفسه 947.9 مليون جنيه من هذه الديون.

مسؤول سابق بالهيئة الوطنية للإعلام قال إن الخسائر التي مني بها المبنى إرث ثقيل سببه الأنظمة السابقة، حتى الحديث عن الهيكلة الإدارية في الجهاز مجرد كلام في الهواء، يقطعه المسؤولون على أنفسهم مع بداية توليهم مناصبهم، ثم يتجاهلون كل شيء بعدها وكأن الجميع متفق على “تخريبه”.

ويضيف المسؤول: “للأسف تلفزيون الدولة سقط من حسابات الأنظمة السياسية التي تعاقبت على حكم مصر، بل إن بعضها عزز من تراجع دور هذا المبنى التاريخي، بدءًا من نظام حسني مبارك مرورًا بالعام الذي حكم فيه الراحل محمد مرسي وصولًا إلى الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، وكان البديل هو التحول إلى القنوات الخاصة.

وقال إن تفاقم الأزمات على ماسبيرو بدأ يزيد بشكل مخيف في فترة تولي صفوت الشريف، وزارة الإعلام في عهد مبارك، حيث توحش عدد كبير من المسؤولين في اتحاد الاذاعة والتلفزيون وبدأوا في استغلال نفوذهم لتضخيم ثرواتهم الشخصية على حساب تلفزيون الدولة ودافعي الضرائب الذين يتحملون ميزانية الاتحاد، وظهرت في ذلك الوقت دلائل على صفقات مشبوهة كثيرة ساهمت كلها في تدمير المكان وإفراغه من محتواه التراثي القيم، فتم خلال تلك الفترة تهريب أرشيف الدراما في عصر الأبيض والأسود إلى قنوات إيه آر تي التي كان يملكها الشيخ صالح كامل، دون أن يتقاضى الاتحاد فلسا واحدا عن ذلك، أو حتى يحتفظ بأصول تلك المواد الدرامية القيمة، كما تم تهريب أرشيف المباريات الرياضية القديمة عن طريق مخرج شاب تحول فيما بعد إلى أشهر مخرج للبرامج الرياضية في القنوات الخاصة.

ومع تولي سوزان حسن رئاسة التلفزيون في عام 2005 بدأ ماسبيرو مرحلة جديدة من الأزمات تحت عباءة التطوير، ‏حينما استعانت بمخرجين ومذيعين من خارج المبنى بحجة تطوير البرامج،‏ وأغدقت عليهم مكافآت خيالية عكس ما كان يحصل عليه أبناء ماسبيرو، الذين لجأوا للاحتجاج والاعتصام للحصول على مستحقات ورواتب كبيرة، وهو ما حدث بالفعل وتسبب في رفع الميزانية ‏وبالتالي زيادة المديونيات.

عندما جاء أنس الفقي ليتولى وزارة الإعلام لم يختلف الوضع كثيرًا حتى قيام ثورة يناير2011 ليستكمل مسيرة الأزمات، ففي تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات ظهر أنه أهدر الأموال عن طريق صرف مكافآت ‏مالية له وللعاملين في ماسبيرو تعدت 11.5 مليار جنيه، فضلاً عن إهدار ملايين الجنيهات على المهرجانات والحفلات الفاشلة.

وحين تولى سامي الشريف وزارة الإعلام بعد الثورة قام بإلغاء كل ما قام به أنس الفقي، وأنتج برامج ‏للتلفزيون لم تكن على المستوى ومنيت بخسائر كبيرة، فضلا عن موافقته على تعيين الآلاف من المتدربين مثلما حدث في كثير من القطاعات الأخرى بعد الثورة، قبل أأن يتقدم باستقالته بعدما تيقن من استحالة الإصلاح.‏

وفي فترة حكم الإخوان وعد صلاح عبدالمقصود وزير الإعلام وقتها ‏بحل أزمة العاملين المالية في ماسبيرو، وطبق لائحة أجور جديدة انقسم بسببها العاملون داخل ‏ماسبيرو بين مؤيد ومعارض، وبدأت الوقفات الاحتجاجية.‏

‎ولم تكن درية شرف الدين وزيرة الإعلام التالية أفضل ممن سبقوها فقد قامت بتخصيص 100 مليون ‏جنيه من أجل تجديدات مبنى ماسبيرو دون داع، كما كبدت الميزانية حوالي 36 مليون جنيه بسبب سرقة بث مباراة مصر ‏وغانا من قناة الجزيرة الرياضية (بي إن سبورت حاليا)، ليتم تغريم التلفزيون المصري مليوني دولار.‏

ثم تسبب انقطاع الكهرباء عن مبنى ماسبيرو لمدة 20 دقيقة، في الإطاحة بعصام الأمير رئيس الاتحاد من منصبه، بعدما ‏وصف السيسي الواقعة بأنها لا يجب التهاون معها لأنها تعتبر أمنًا قوميًّا‎.‎

الدولة دعمت الإعلام الخاص من خلال استحواذ الأجهزة السيادية على أغلب القنوات الخاصة

المسؤول كشف أيضاّ أنه أبدى انزعاجه عندما كان في منصبه لعدم استثمار المواد الدرامية والبرامجية القديمة، من خلال منح القنوات الأخرى حقوق العرض، مشيراً إلى أن تلك المواد تركت عرضة للإهمال الشديد، وتم  التفريط فيها سواء بعدم الحفاظ عليها وسرقتها أو بالتسجيل عليها، أو بيعها بشكل فردي إلى قنوات أخرى، وإهدار مليارات الجنيهات من أرباح مؤكدة كانت ستدرّها.

ويشير إلى أن النظام ساهم بقصد أو بدون قصد في سحب البساط من تحت أقدام ماسبيرو لصالح القنوات الفضائية الخاصة التي استحوذت على نصيب الأسد من الاهتمام حتى من الأجهزة الرسمية.

فمثلاً حين قررت الأجهزة السيادية الاستثمار في الإعلام اتجهت للإعلام الخاص المرئي والمقروء واستحوذت على أغلب القنوات الخاصة من خلال شركة إعلام المصريين التابعة للمخابرات العامة، كما أن الدولة ميزت تلك القنوات الخاصة بأخبار وتحركات النظام، ويكفي للاستشهاد على ذلك أن رئيس الدولة حين يود إجراء مداخلة تلفزيونية أو مقابلة مرئية يقع الاختيار على قناة خاصة بعيداً عن تلفزيون الدولة الأحق بذلك، مثلما حدث حين قام بمداخلة مع الإعلامي عمرو أديب من خلال برنامج «الحكاية» على قناة MBC السعودية.

وقبل ذلك أجرى مداخلات مع برنامج “القاهرة 360” على قناة “القاهرة والناس”، بينما مُنحت قناة “الحياة” انفراد الحوار مع متهم بقتل أفراد شرطة بمنطقة الواحات (غرب القاهرة)، وهو لا يزال بحوزة الأمن.

وبشكل عام بدا للمتابع وكأن الجهات المسؤولة في الدولة تحرص على محاربة الإعلام الحكومي التابع لها من أجل إفساح المجال وترك الساحة للإعلام الخاص الذي استحوذت عليه وأنفقت في سبيل ذلك المليارات

ضعف نظام الرقابة الداخلية شجّع الكثيرين على السرقة وارتكاب المخالفات

عدد من العاملين داخل المبنى أكدوا أن الخسائر التي يتكبدها القطاع سببها سوء الإدارة من كبار المسؤولين وقياداته، فهناك تفاوت كبير في الحوافز والأرباح بينهم وبين الموظفين، وهو ما يظهر في مستند يشير إلى حصول موظف كبير بالشركة المصرية للأقمار الصناعية على أكثر من 168 ألف دولار أرباحاً في عام واحد.

ونموذجاً لإهدار المال بماسبيرو، توجد إدارة الرسوم المتحركة، التي يتقاضى العاملون بها رواتب وحوافز باهظة، ومع ذلك يتم تصوير أفلام الرسوم المتحركة خارج المبنى، وتتراوح تكلفة إنتاج الدقيقة الواحدة من أفلام الكارتون في مصر من 8 آلاف جنيه إلى 12 ألفاً، ورغم امتلاك ماسبيرو جيشاً جراراً من المخرجين والفنيين، فإن عدداً كبيراً يحملون مؤهلات متوسطة، بالمخالفة للقانون، وهو الثابت في تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات.

يشير محمد .أ مخرج بالتلفزيون إلى أن ضعف نظام الرقابة الداخلية شجع الكثيرين على السرقة وارتكاب المخالفات، فعلى سبيل المثال سائقو السيارات التابعة لماسبيرو يستولون عليها بشكل شبه كلي، لكنهم للحق يتكرمون بتوصيل الموظفين في الأوقات المحددة، لكن خارج تلك الأوقات يستغلون تلك السيارات سواء الخاصة أو الحافلات لحسابهم الخاص، فهناك من يشغلونها في توصيل الزبائن خصوصاً الحافلات الصغيرة (ميني باص).

ويضيف أنه ليس مع محاسبة أمثال هؤلاء على تجاوزاتهم قبل محاسبة الكبار، ويدلل على حجم الفساد في ماسبيرو بقوله إنه قبل حوالي 20 عاماً حينما التحق بالتلفزيون سمع أن هناك صفقة لشراء سيارتي نقل تلفزيوني خارجي (OB) وسمع أنه تم شراؤهما بستة ملايين دولار للسيارة الواحدة، لكنه لاحقاً عرف أن السيارتين كانتا مستعملتين وأجهزتهما منتهية الصلاحية تقريبا، وكان يمكن شراء السيارة بأقل من 100 ألف دولار، أي أن مسؤول المشتريات ومن وافقوا على السيارتين وتسلموهما… إلخ حصلوا لأنفسهم على 5 ملايين و900 ألف دولار من أموال الشعب!

مذيعة بالإذاعة المصرية وصفت ما يجري حالياً مع ماسبيرو مستعينة بالمثل الشعبي المعروف “الثور عندما يقع تكثر سكاكينه”، فلا تكفي الديون والخسائر بل استغل البعض التوتر والأجواء المشتعلة داخل المبنى وقاموا بسرقة الكثير من الأجهزة والمعدات الموجودة فى عهدة موظفي قطاع الهندسة الإذاعية، ومنها شاشات وأجهزة “لاب توب” تتجاوز عددها المئة جهاز، والكارثة الأكبر اختفاء شرائط التراث التي تعد ثروة قومية.

وتشير إلى أنه منذ تأسيس ماسبيرو، ارتبطت برامجه وأنشطته بالاعتمادات المالية للدولة، وفي مرحلة تالية اُنتزعت الإعلانات منه ووُجهت إلى الشاشات الخاصة، حيث انتشر مبدأ “ماسبيرو لا يهدف للربح”، وأن دوره مجتمعي أكثر من كونه اقتصادياً، واستمر العمل بهذا المبدأ عقوداً طويلة وتوالت الخسائر على ماسبيرو وقنواته التلفزيونية وشبكاته الإذاعية. وتضيف أن من أسباب تراجع قنوات ماسبيرو أنها لا تدفع مقابل استضافة أي ضيف، لهذا فضلوا عليه القنوات المنافسة، من القطاع الخاص المحلي أو القنوات العربية والأجنبية لأنها تدفع للضيف وأحياناً بالدولار، فضلاً عن أن رواتب بعض الإعلاميين والفنيين ضعيفة جداً مما يدفعهم للعمل مع قنوات أخرى منافسة بعد دوامهم الرسمي، ولا يوجد في لوائح ماسبيرو ما يمنع ذلك.

يؤكد مذيع بإحدى القنوات أن ماسبيرو مليء بالكفاءات الإعلامية القادرة على المنافسة ولكنها لا تمتلك الإمكانيات التي تجعلها قادرة على المنافسة الحقيقية ولا تمتلك هامش الحرية الذي يجعلها تؤدي دورها بشكل كامل.

ويشير الى أن كلمة “التطوير” باتت كلمة سيئة السمعة وارتبطت بصورة سلبية لدى العاملين في التلفزيون المصري، حيث دائماً يتم الربط بين التطوير وتصفية العاملين، بدعوى أنهم حجر العثرة أمام المشروع.

ويشير مسؤول سابق بإدارة الإنتاج بمدينة الإنتاج الإعلامي، إلى أن وزير الدولة للإعلام دفع عشرات الملايين لشراء عدد من الشقق في أحياء جاردن سيتي والروضة والدقي بالأمر المباشر، وبرر هذا الشراء بأنه سيؤجر هذه الشقق للمراسلين الأجانب ليبثوا منها رسائلهم”، مع العلم أن مبنى ماسبيرو به أستديوهات مجهزة وأيضاً شركة صوت القاهرة المملوكة لاتحاد الإذاعة والتلفزيون بها استديو يؤجر لهذا الغرض، وكلاهما لا يغطي نفقاته لأن الطلب علي هذه الاستديوهات قليل جداً نتيجة ضعف بنيتها التكنولوجية التي لا تواكب التقدم الكبير في وسائل الاتصال.

ترشيح عسكريين سابقين لقيادة ماسبيرو يفتقدون للخبرة يثير حفيظة الإعلاميين

ترددت عبارة “إعادة الهيكلة” آلاف المرات، وظهرت مقترحات لا تتعلق بطبيعة المحتوى الذي يقدم من “ماسبيرو” وما يتصف به من جمود ورتابة وإصرار على التعامل بمنظور الألفية الثانية، بقدر ما تتعلق بالرؤى والهياكل البيروقراطية، ومطالبات بالخصخصة وأخرى بالمزج بين القطاعين العام والخاص وطالب البعض باستدعاء جميع أبناء وبنات ماسبيرو المتميزين ممن هجروه للعمل في قنوات أخرى لكن وقفت أغلب المقترحات محلك سر.

اللافت للنظر الزج بأسماء ذات خلفية عسكرية لقيادة المشهد رغم افتقادها للخبرات والإمكانات التي تؤهلها لتلك المهمة، وهو ما أثار حفيظة عدد من الإعلاميين المصريين من أبناء ماسبيرو، ممن يرون أن ما يحدث بدعوى التطوير ما هو سوى استكمال لمسلسل الفساد الذي استشرى أواخر عصر مبارك.

وفي يناير 2019 وقّعت الهيئة الوطنية للإعلام (اتحاد الإذاعة والتلفزيون سابقاً)، برئاسة حسين زين، ومجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية، وهي شركة خاصة تابعة للأجهزة السيادية برئاسة تامر مرسي، عدة بروتوكولات، تمتد إلى خمس سنوات بهدف تقديم محتوى متطور على شاشات التلفزيون المصري.

بموجب تلك البروتوكولات تشرف الشركة المتحدة على عملية التطوير، وتتحكم بشكل أساسي في كافة مراحلها، سواء التعاقدات مع الإعلاميين الجدد، أو الإعلانات، وغيرها، بالإضافة إلى السياسة الجديدة للقنوات.

لكن ما تم الإعلان عنه لم يتضمن أي تفاصيل عن نسب الشراكة بين الطرفين، كما لم يكشف عن المقابل المادي لهذا الاتفاق، ما دفع خبراء إعلاميين للسخرية من تلك الشركة، خصوصا أن إسناد أعمال تطوير ماسبيرو إلى شركة تملك وتدير قنوات منافسة يحمل تضارباً في المصالح.

ورغم أن ماسبيرو يمتلك 23 محطة تلفزيونية و76 محطة إذاعية قائمة بالفعل، إفن الاتفاق نص على إنشاء قناة فضائية جديدة تهتم بخدمات الأسرة العربية، ويكون محتواها بالدرجة الأولى موجهاً للمنطقة العربية، وأن تكون تلك القناة باكورة مجموعة قنوات فضائية تبث من خلال القمر الصناعي “نايل سات” لتغطية المنطقة العربية بخدمات إعلامية متنوعة، تتبعها مجموعة قنوات فضائية جديدة يتم بثها عبر القمر الصناعي “نايل سات”، وتطوير محتوى الفضائية المصرية والأولى والثانية، مع مشاركة الحقوق الإعلانية، دون الإعلان عن نسبة كل طرف.

وبحسب هذا البروتوكول تنتج الشركة المملوكة للمخابرات عدة برامج في التلفزيون الرسمي، من أبرزها “صباح الخير يا مصر” و”التاسعة مساء”، ويذاع البرنامجان على القناة الأولى والفضائية المصرية وقناة “أون”، وهي قناة خاصة تملكها المتحدة ضمن العديد من الوسائل الواقعة تحت قبضتها.

المثير أن الانطلاقة الجديدة خرجت الى النور وحملت شعار “إحنا التلفزيون المصري”! وامتلأت شوارع القاهرة والمدن الكبرى بإعلانات وصور مذيعين ومذيعات وممثلين ولاعبي كرة قدم معتزلين و”شيفات” طهي تصدروا الإعلانات ليعلنوا عن برامج جديدة على القنوات الرسمية.

لكن الوجوه المرددة للشعار في الإعلانات الترويجية للتجديد ليس من بينها ابن أو ابنة واحدة للمكان، وهو ما أثار الضغينة في صدور مئات المذيعين والمذيعات من أبناء ماسبيرو ممن باتوا يعانون إحباطاً مضاعفاً.

الإعلامية هالة أبو علم كتبت على صفحتها على فيسبوك: “بمناسبة تطوير التلفزيون المصري وإعلان (نحن التلفزيون المصري) وفرتوا كل الإمكانيات المادية والبشرية للبرنامج لم توفروها لأصحاب البيت الأصليين”.

بيع أرشيف التلفزيون المصري حصرياً لمنصة Watch IT الرقمية التي تمتلكها المخابرات بالأمر المباشر

شعور عارم انتاب العاملين في ماسبيرو بأن الهدف من التطوير هو الاستيلاء على ما تبقى من كنوز ما زالت في حوزة ماسبيرو، على طريقة “حاميها حراميها”، وهو ما جعل النائبة فاطمة سليم (عضو مجلس النواب عن حزب الإصلاح والتنمية) تتقدم بسؤال منذ أيام لوزير الإعلام عن حقيقة بيع أرشيف التلفزيون المصري حصرياً لمنصة “Watch IT” التي تمتلكها المخابرات، بالأمر المباشر دون مناقصات أو طرحها للمنافسة بفرص متساوية، مطالبة بإعادة النظر في الصفقة لئلا نفقد تراثنا وتاريخنا الثقافي والإبداعي ونعود للوراء في سلسلة جديدة من الخصخصة والاحتكار لشركات وأصول بعينها.

وكانت الهيئة الوطنية للإعلام قد وقعت في 25 مايو 2019، اتفاقية مع الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، يُتاح بموجبها أرشيف ماسبيرو الدرامي والتلفزيوني بشكل حصري على تطبيق “Watch iT” الذي أطلقته الشركة التابعة لجهاز المخابرات مؤخراً، تحت دعوى “حفظ تراث ماسبيرو” عن طريق الحصول على الحقوق الرقمية لجميع ما جرى إنتاجه سابقاً أو حالياً من التلفزيون المصري، ويتيح البروتوكول لإعلام المصريين عرض المحتوى الذي أنتجه أو سوف ينتجه التلفزيون المصري مستقبلاً حصرياً على منصة Watch iT الرقمية.

قصة المخابرات ودعمها لماسبيرو

أبدت منظمة مراسلون بلا حدود، قلقها من سيطرة أجهزة المخابرات على عدد من المؤسسات الإعلامية المصرية، وذلك في تقرير بعنوان “مصر: حينما تبسط المخابرات سيطرتها على الإعلام”.

ولفتت إلى أن جهاز المخابرات نجح منذ 2013 في فرض كامل هيمنته على القطاع العام، غير أنه في السنوات الأخيرة بدأ وبقوة في إقحام نفسه بساحة الإعلام الخاص في محاولة للسيطرة عليه، مستعينًا في تحقيق ذلك بجهازي المخابرات العامة والمخابرات الحربية.

بدأت مسألة الاستحواذ على الكيانات الإعلامية من قبل شركات معروفة بعلاقاتها مع الدولة في مايو 2016 عندما باع رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس شبكة قنوات «أون تي في» لشركة إعلام المصريين التي كان يملكها حينها رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة.

وأعلنت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية المالكة لمجموعة إعلام المصريين، الاستحواذ على مجموعة «دي ميديا» الإعلامية، المالكة لقنوات دي إم سي، وتولىإ تامر مرسي رئاسة مجلس إدارة الشركة.

وبذلك تكون الشركة المتحدة قد أحكمت سيطرتها تماما على سوق الإعلام والدراما والإعلانات، إذ تشمل الشركة المتحدة المالكة لمجموعة إعلام المصريين: أون والحياة الحصة الحاكمة في قنوات سي بي سي، وقنوات دي ام سي، موقع وجريدة اليوم السابع والمواقع التابعة له، موقع انفراد، موقع دوت مصر ودوت مصر تي في، موقع وجريدة صوت الأمة، موقع عين المشاهير، مجلة إيجيبت توداي، مجلة بيزنس توداي.

اللي مش قادر يشيل يمشي ويسيب مكانه

مصدر داخل ماسبيرو قال إن هناك احتقاناً مالياً بسبب عدم صرف المستحقات المالية «مكافأة نهاية الخدمة» للمحالين على المعاش، بالإضافة إلى سوء الخدمات المقدمة من الرعاية الطبية ورفض أكثر من 70% من المستشفيات المتعاقدة معها الهيئة الوطنية برفض قبول المرضى بسبب عدم صرف مستحقاتهم المالية لدى ماسبيرو.

وتأتي نتائج المشاكل الإدارية والتي أدت إلى ضعف المحتوى البرامجي المقدم على شاشات ماسبيرو ما أدى إلى هروب المشاهدين وبالتالي رفض الوكالات الإعلانية التعامل المالي مع القطاع الاقتصادي.

وكشف المصدر أن حسين زين رئيس الهيئة الوطنية للإعلام عقد اجتماعاً أطلقوا عليه “الفرصة الأخيرة” قبل إجراء أكبر حركة تغييرات بين رؤساء القطاعات ومديري العموم في تاريخ ماسبيرو.

وفي رسالة شديدة اللهجة وبعد عرض أوجه القصور الإداري لرؤساء بعض القطاعات التي أدت إلى عدم استقرار مالي لبعض العاملين ما انعكس بالسلب على الخريطة البرامجية، وجه حديثه للجميع قائلاً: «اللي مش قادر يشيل يمشي ويسيب مكانه»، ويأتي تحول زين واستخدامه لبعض المفردات الجديدة في حديثه مع مرؤوسيه إلى عدم رضاه عن إدارة البعض وصدمته الإدارية في البعض الآخر.

قال مصدر مسئول أن قطاع الإذاعة من أهم القطاعات التي ستشهد تغيراً كبيراً بسبب عدم تطوير البرامج الإذاعية والفشل في الحد من تلف بعض أهم شرائط التراث، وتأتي ثاني أهم الأسباب هي اختفاء أكثر من 1457 شريطاً من أهم شرائط التراث الإذاعي وعدم وجود خطة برامجية واضحة المعالم وفقدان الكثير من مستمعي الإذاعة وخاصة في بعض المحافظات، ما كبد خزائن الإذاعة خسائر مالية لا طاقة للهيئة الوطنية بها والأخطر هو فشل في تطوير الإذاعات الموجهة ما أدى إلى فقدان الإذاعة المصرية مناطق نفوذها داخل القارة السمراء ما أزعج بعض الجهات السيادية.

كما سيشهد قطاع التلفزيون أيضاً تغييرات بسبب  الأخطاء الإدارية التي تسببت في حالة احتقان بين الموظفين في القطاع بالإضافة إلى عدم تطوير الشاشة وتقديم برامج جماهيرية ذات مضمون إعلامي راق باستثناء بعض البرامج التي تعرض على حياء، فلغة الأرقام ونسب المشاهدة لا تصب في صالح استمرارها

إعادة توزيع وغناء نشيد الوطن الأكبر احتفالاً بانطلاق البث التلفزيوني

سأل خبيراً إعلامياً مرموقاً في مصر عن تطور تاريخ ماسبيرو فقال إن المبنى الذي يعد مقراً لأقدم التلفزيونات والإذاعات الحكومية في الشرق الأوسط وإفريقيا. وأطلق عليه هذا الاسم تيمناً باسم الشارع الذي يطل عليه والاسم لعالم الآثار الفرنسي جاستن كاميل تشارلز ماسبيرو (1846-1916) وكان يشغل منصب مدير مصلحة الآثار المصرية.

وأضاف أن المبنى المستدير بشكله المميز جرى وضع أولى لبناته بقرار من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في أغسطس عام 1959، ولم يتكلف وقتها سوى 108 آاًلاف جنيه مصري (6880 دولار)، ويرتفع المبنى الى نحو 30 طابقا بينما تبلغ مساحته 12 ألف متر مربع في اجمل مناطق العاصمة المصرية المطلة على النيل، تم تصميم المبنى على هيئة أسطوانية من الخارج والداخل وله أبواب ضخمة موزعة على الاتجاهات الأربعة، ومجموعة من المصاعد في كل جانب تقريبا وبه عشرات الممرات الدائرية جميعها تؤدي إلى ممرات دائرية جديدة تقودك من طابق إلى آخر، يعلوه الهوائي الضخم والأطباق اللاقطة.

أما عن بداية ارسال التلفزيون المصري فقال إنه انطلق في السابعة مساء 21 من يوليو 1960 مستهلًا بثه بآيات من القرآن الكريم، تلاها كلمة للرئيس عبد الناصر أثناء افتتاح مجلس الأمة (البرلمان) ذلك اليوم، ثم نشيد “وطني الأكبر” أبرز الأناشيد الوطنية التي لا يزال يتغنى بها المصريون حتى الآن، والذي كان قد أذيع بالفعل في وقت مبكر من نفس العام، قبل أن يعاد توزيعه الموسيقي وتغيير بعض كلماته مع إضافة المطربة الجزائرية وردة واستبعاد المصرية هدى سلطان لإضفاء اللمسة العربية على أجواء النشيد بدلاً من المصرية.

وقد بدا ارسال التليفزيون المصري بـ 5 ساعات فقط يوميًا، وربما لهذا السبب أطلق على تلك القناة اسم “القناة 5” تبدأ بالقرآن وتنتهي به، وذلك عبر قناة واحدة، ثم وصلت إلى 13 ساعة في 21 من يوليو 1961، إثر إضافة قناة ثانية حملت اسم “القناة 9″، ثم أضيفت قناة ثالثة في أكتوبر 1962، ليصل معها متوسط عدد ساعات الإرسال على القنوات الثلاثة ما بين 25-30 ساعة بث على مدار اليوم، لكن القناة الأخيرة لم تستمر طويلاً حيث تم حجبها بسبب تقليص الميزانية عقب نكسة يونيو 1967 وتوجيه المقدرات الاقتصادية للدولة نحو إعادة تسليح الجيش المصري.

وأضاف الخبير أن البث التلفزيوني منذ انطلاقه ظل مقتصراً على الحدود الدنيا له، حتى عام 1970 حين صدر مرسوم بإنشاء ما يعرف باتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري ويضم أربعة قطاعات: ولها الإذاعة وثانيها التلفزيون، ثم القطاع الهندسي وقطاع التمويل، ليدخل التلفزيون المصري آفاق التطوير في عموم أنحاء الوطن العربي. وانتقلت عبر أثيره خطب الرؤساء وبيانات الثورة والتحرير والحرب والهزيمة والتنحي.

العدد الفعلي للعاملين بماسبيرو ما بين موظفين وإداريين ومعدين ومصورين وغيرهم، وفقاً لآخر حصر، وصل إلى 34 ألفاً و700 موظف، وهو رقم كبير، لكن أكثر من 10 آلاف منهم سيبلغون السن القانونية للمعاش خلال السنوات المقبلة، ليصل العدد في 2022 إلى 20 ألفاً فقط.

هذا المجتوى نقلاّ عن عربى بوست

 

شاهد أيضاً

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …