كشفت وثائق قُدِّمَت إلى القضاء الأمريكي مؤخرًا، واطلعت عليها شبكة «سي إن إن»، أن الطائرتين الخاصتين اللتين استخدمتهما فرقة الاغتيال السعودية التي قتلت الصحفي جمال خاشقجي ويزعم أنها قطعت أوصاله، مملوكتان لشركة استحوذ عليها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قبل أقل من عام من عملية الاغتيال، بحسب تقرير أعده كبير مراسلي الشبكة لشئون الأمن القومي، ألكس ماركوارت.
قُدِّمَت هذه الوثائق للمحكمة في وقت سابق من هذا العام، ضمن دعوى مدنية كندية، وهي تحمل عنوان «سري للغاية»، عليها توقيع وزير سعودي تولى نقل أوامر ولي العهد الشاب، الحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية.
كتب الوزير: «بناء على تعليمات سمو ولي العهد، يوافق فورًا على استكمال الإجراءات اللازمة لذلك». ويوضح ملف القضية أن أمرًا صدر بنقل ملكية شركة «سكاي برايم» للخدمات الجوية إلى صندوق الثروة السيادي السعودي الذي تبلغ قيمته 400 مليار دولار في أواخر عام 2017، وفي أكتوبر (تشرين الأول) من العام التالي مباشرة استخدمت طائرات الشركة في تنفيذ عملية اغتيال خاشقجي
يلفت تقرير «سي إن إن» إلى أن صندوق الثروة السيادية السعودي، المعروف باسم صندوق الاستثمارات العامة، يخضع لسيطرة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان الذي يرأس مجلس إدارته. ويشير مراسل الشبكة الأمريكية إلى أن مجموعة من الشركات المملوكة للسعودية تقدمت بالوثائق التي تثبت الصلة بين الطائرتين والأمير ضمن دعوى اختلاس تقدمت بها الشهر الماضي في كندا ضد المسؤول البارز في المخابرات السعودية سابقًا، سعد الجابري.
وجهت اتهامات الاختلاس ضد الجابري عقب رفعه دعوى قضائية العام الماضي أمام محكمة مقاطعة واشنطن العاصمة ضد محمد بن سلمان، اتهم فيها ولي العهد بإرسال فريق اغتيال لقتله في كندا بعد أيام فقط من مقتل خاشقجي، وعلى إثر ذلك تلقى محمد بن سلمان استدعاءً عبر واتس آب، لكن في ديسمبر (كانون الأول)، طلب محامي الأمير من المحكمة رفض القضية.
رابط جديد يشير مباشرة إلى محمد بن سلمان
ولم يُكشَف سابقًا عن أدلة تثبت نقل ملكية أسطول الطائرات الخاصة إلى صندوق الاستثمارات العامة السعودي، وتوثق وجود رابطٍ آخر بين وفاة خاشقجي ومحمد بن سلمان، بحسب تقرير «سي إن إن». لكن في أكتوبر 2018، بعد وقت قصير من مقتل خاشقجي، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال نقلًا عن أشخاص مطلعين على ملابسات الموقف، أن طائرات جالف ستريم التي استخدمها القتلة مملوكة لشركة يسيطر عليها محمد بن سلمان.
ويشير دان هوفمان، المدير السابق لقسم الشرق الأوسط في وكالة المخابرات المركزية، إلى أن ولي العهد القوي كان يتابع عمل الشركة، وكان على دراية بكيفية استخدامها، مضيفًا: «هذا دليل محتمل آخر على أنه كان مطلعًا على هذا الأمر».
ومن المقرر أن تنشر أجهزة الاستخبارات الأمريكية يوم الخميس تقريرًا طال انتظاره يتضمن تفاصيل عامة جديدة حول المتورطين في مقتل خاشقجي. ويذكر مراسل «سي إن إن» أنه بعد وقت قصير من مقتل الصحفي السعودي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، خلص تقييم أجرته وكالة المخابرات المركزية إلى استنتاجٍ قوي مفاده أن محمدًا بن سلمان أمر شخصيًا بعملية الاغتيال، لكن مسؤولي المخابرات لم يتحدثوا علنًا عن ذلك ولم يقدموا أدلة تثبته. كما خلص محقق من الأمم المتحدة في يونيو (حزيران) 2019 أنه «من غير المعقول» ألا يكون محمد بن سلمان على دراية بالعملية.
لم تصدر تصريحات فورية حتى الآن عن المسؤولين السعوديين في واشنطن ولا الرياض تعليقًا على هذه المعلومات الجديدة. وأنكر محمد بن سلمان أنه أمر بقتل خاشقجي، لكنه قال إنه يتحمل المسؤولية عما حدث. وصدرت أحكام بالسجن على ثمانية مشتبه بهم، لكن محقق الأمم المتحدة وصف المحاكمة بأنها مجرد «محاكاة ساخرة للعدالة».
وقالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض جين ساكي الأسبوع الماضي: إن الرئيس جو بايدن يعمل على «إعادة تقويم» العلاقة الأمريكية مع السعودية، ويخطط للتواصل مع العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود مباشرة بدلًا من نجله ولي العهد الأمير محمد.
«مفاجأة سارة» لذوي الضحية
نقلت «سي إن إن» عن فيصل جيل، محامي خطيبة خاشقجي السابقة ومنظمة غير ربحية رفعت دعوى قضائية فيدرالية ضد محمد بن سلمان و20 متهمًا آخرين، قوله: إن موكلته تلقت «مفاجأة سارة» حين ظهرت أدلة تثبت سيطرة محمد بن سلمان على شركة سكاي برايم للخدمات الجوية.
وأضاف جيل: «أي دليل يثبت وجود رابط أساسي بين محمد بن سلمان وآخرين، خاصة إذا كان هذا الرابط مباشرًا – وهو ما نعتقد أن هذا الدليل يثبته – هو أمر بالغ الأهمية». وتابع قائلًا: «أراد محمد بن سلمان استخدام شركة يسيطر عليها، تابعة لصندوق سيادي يسيطر عليه تمامًا؛ على أمل أن يبقى الأمر طي الكتمان. لكن هذا الدليل في رأيي لا يقتصر على كونه دليلًا مباشرًا على تورطه في مقتل جمال، ولكنه أيضًا دليل مباشر على أنه كان يحاول التستر على الحادث باستخدام شركة طيران يسيطر عليها سيطرة تامة».
وتشغِّل شركة سكاي برايم للخدمات الجوية الطائرتين من طراز جالف ستريم، اللتين طارتا من إسطنبول وإليها، وعلى متنهما معظم أفراد فريق الاغتيال المكون من 15 شخصًا، وفقًا لبيانات الطيران العامة وتقرير الأمم المتحدة الخاص بمقتل خاشقجي.
وبحسب تقرير الأمم المتحدة، هرب القتلة بسرعة بعد قتل خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول في الثاني من أكتوبر، متوجهين إلى الطائرتين. وكانت إحدى الطائرتين، تحمل رقم HZ-SK1 على ذيلها، قد هبطت للتو في ذلك المساء. وبعد ساعة و15 دقيقة من هبوطها، أقلعت مرة أخرى وعلى متنها ستة من أعضاء الفريق السعودي. وبعد أربع ساعات ونصف، أقلعت الطائرة الثانية، تحمل رقم HZ-SK2 على ذيلها، من مطار أتاتورك، وعلى متنها سبعة رجال آخرين، بحسب تقرير الأمم المتحدة.
حلَّقت الطائرة الأولى مرورًا بالقاهرة، والثانية عبر دبي، في طريق عودتهما إلى الرياض. أما آخر عضوين في الفريق فحلّقا على متن طائرة تجارية من إسطنبول إلى الرياض. ويذكر التقرير أن شركة «سكاي برايم» للخدمات الجوية كان يديرها سالم المزيني، صهر الجابري. ووفقًا لشكوى معدلة قدمها الجابري هذا الشهر ضد محمد بن سلمان في واشنطن العاصمة، فقد اختُطف المزيني من دبي في سبتمبر (أيلول) 2017، وأُعيد قسرًا إلى المملكة العربية السعودية.
الموقعون على وثائق نقل الملكية
ومنذ عدة أشهر، يقول الجابري إن المزيني تعرض للتعذيب وسوء المعاملة، وفقًا لشكواه، وأن مساعدًا رفيع المستوى لمحمد بن سلمان متورطًا في مقتل خاشقجي شارك في عملية التعذيب. في نهاية المطاف، نقل المزيني إلى فندق ريتز كارلتون في الرياض، حيث احتجز محمد بن سلمان حوالي 200 من أفراد العائلة المالكة ومسؤولين ومديرين تنفيذيين في السعودية تحت شعار حملة مكافحة الفساد، زعمت الدولة أنها أسفرت عن مصادرة حوالي 100 مليار دولار في إطار التسويات التي أبرمت مع المتهمين
وأفاد تقرير «سي إن إن» بأن المستندات المتعلقة بطلب نقل ملكية شركة سكاي برايم للخدمات الجوية في ديسمبر 2017 ممهورة بشعار المملكة، الذي يحمل صورة نخلة فوق سيفين متقاطعين، وجملة «سري للغاية، ويحظر تداوله، وعاجل جدًّا»، بحسب الترجمة المقدمة إلى المحكمة. وتوجد وثيقة أخرى تظهر تحويل الأسهم ممهورة بتوقيع المزيني، الذي لا يُعرَف مكانه الحالي.
أما خطابات طلب التحويل فممهورة بتوقيع محمد آل الشيخ، عضو مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء، بحسب موقع الصندوق. وتلقى اثنان من كبار مسؤولي صندوق الاستثمارات العامة هذه التوجيهات، التي كان أحدها مكتوبًا بخط اليد، ويتضمن تعليمات «بالقيام باللازم في أسرع وقت ممكن لنقل ملكية الشركات».
أمر محمد آل الشيخ بنقل ملكية شركة سكاي برايم للخدمات الجوية وثلاث شركات تابعة لها و16 شركة أخرى إلى الصندوق. وكتب آل الشيخ أن استحواذ الصندوق على هذه الشركات يحظى بأهمية بالغة لولي العهد، وأن «سموه يجب أن يبقى مطلعًا على التطورات».