قبل فرارها من سوريا إلى ألمانيا، كانت لونا سجينة أقبية المخابرات السورية، والآن تتابع باستمرار جلسات محاكمة بحق ضابطين سوريين سابقين أمام محكمة ألمانية. وتضمن القائمة تهماً بالقتل والتعذيب وارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
أمضت لونا وطفة بالفعل أكثر من 60 يوما في قاعة المحكمة، تحاول نبش ذاكرتها للوقوف على تفاصيل ما حصل لها في سجون سوريا. اضطرت السيدة السورية والأم لابن وابنة من استرجاع ذكرياتها المؤلمة وتقول لـ DW “ما زلت اتذكر ما حدث لي، وكان صعبا علي أن أستمع لأقوال غيري من الشهود، الذين عرضوا قصص اعتقاله وتعذيبهم أمام لجنة المحكمة”.
لونا التي تعيش الآن في كوبلنز في ولاية رايلاند بفالس الألمانية، تحاول استرجاع ذكرياتها لتنتقل عبر الذاكرة من غرفة معيشتها المطلة على نهر الراين لتعود بها إلى سوريا قبل عشرة أعوام، وتستعيد تفاصيل الثورة، وتفاصيل اعتقالها في زنزانة مكتظة، زجت بها أكثر من 20 سجينة في مساحة لا تتجاوز 10أمتار مربعة.
جرائم ضد الإنسانية
على الضفة الأخرى من نهر الراين يقع مبنى المحكمة، حيث تجرى هناكأول محاكمة في العالم فيما يتعلق بتهم تعذيب وانتهاكات لحقوق الإنسان من قبل النظام السوري. وتقول لونا التي تتابع تفاصيل المحاكمة عن كثب وتتابع أقوال جميع الشهود “إنها أول محاولة من العالم لإلقاء الضوء على نظام القمع الوحشي عن طريق سيادة القانون”.
لونا تابعت بكل اهتمام أقوال أحد الشهود والذي أطلقت عليه لقب “قابر الموتى”، وذلك بعد أن روى للمحكمة بصفته شاهدا على القضية المسلجة برقم “Z 30/07/19” كيف أنه أجبر من قبل جهاز المخابرات على نقل الجثث ودفنها في مقابر جماعية لعدة سنوات. الموظف السابق في إدارة مقبرة دمشق، اضطر للإذعان لخوفه على سلامة عائلته قبل أن يهرب. وأوضح الشاهد أن عملية نقل الجثث ودفنها “كانت أحيانا تتكرر عدة مرات في الأسبوع، وفي كل مرة كانت تشمل مئات الجثث”.
قضية أخرى أثارت اهتمام المحكمة كانت ما أطلق عليه قضية “صور قيصر”: حيث كان على مصور عسكري سوري أن يلتقط صوراً للسجناء المقتولين لمدة عامين للتوثيق، بيد أنه قام بنسخ هذه الصور بشكل سري وقام بتهريبهم إلى خارج البلاد وسلمها إلى مكتب المدعي العام الاتحادي. حيث قام الطبيب الشرعي في كولونيا ماركوس روتشيلد بتحليل عشرات الآلاف من هذه الصور التي تعود لأشخاص تعرضوا للتعذيب والتجويع حتى الموت – وقدم النتائج التي توصل إليها إلى هيئة محكمة كوبلنز في بداية نوفمبر/ تشرين الثاني.
من ربة بيت إلى معتقلة
(لونا) لا تدعى (لونا) في الواقع، إن عيشها الآن مع عائلتها في كوبلنز وليس في مسقط رأسها في دمشق له علاقة كبيرة بهذا الاسم المستعار الذي تحمله، والصحوة السياسية التي عايشتها هناك. فحتى بداية المظاهرات الأولى ضد نظام بشار الأسد في آذار/ مارس 2011، لم تطن السياسة من أولويات لونا، و”لم يكن لديها أية فكرة عما يمكن أن تفعله”، بحسب قولها. الأحداث جعلتها تقبل على القراءة حول تاريخ سوريا السياسي، كما قرأت الكثير عن جرائم عائلة الأسد في سوريا وهو ما جعلها تفهم لماذا نزل الناس إلى الشارع للاحتجاج.
بعد أربعة أو خمسة أشهر من القراءة المكثفة، انضمت لونا إلى المظاهرات، ودعمت النازحين من مناطق سكناهم، وبناء على اقتراح من صديق، حاولت لونا توثيق ما تراه على أرض الواقع لتصبح مواطنة صحفية، تنشر على الانترنت ما تراه، وذلك بمساعدة منظمة “أصوات سورية”. فهي تريد التصدي لاحتكار النظام السوري للمعلومات. وتحت اسم مستعار هو لونا، بدأت برنامجا عبر الانترنت في منتصف عام 2013. وتضيف: ” برنامجي كان عن الثورة وتوثيق عدد القتلى في دمشق، حيث كان هناك من يسقط على يد النظام ولم تعرف هويتهم”. وتتابع “لقد نشرت معلومات عن هؤلاء الناس. وعندما يسمع الأقارب هذه المعلومات، كانوا يتصلون بي ويقولون لي إن من سقط على يد النظام هو أباهم أو أخاهم”.
كما حاولت لونا رصد السلطات الأمنية فيما يتعلق بالهجوم بالأسلحة الكيميائية على ضاحية الغوطة الشرقية في دمشق في آب/أغسطس 2013. وبالتعاون مع معارف من الغوطة الشرقية، قامت لونا بتوثيق هذه المذبحة، كما تقول.واضيف “التقطنا الكثير من الصور ومقاطع الفيديو. لقد وثقت 800 اسم للضحايا. ووفرت الكثير من المعلومات للمعارضة السورية في الخارج”.
اعتقال من قبل النظام
بعد حوالي أربعة أشهر. في نهاية عام 2013، كانت لونا في الطريق في دمشق. وهي تريد مساعدة الأشخاص الذين فروا من مدن أخرى إلى دمشق بسبب الحرب الأهلية، تم مطاردتها من قبل أكثر من اثني عشر شرطيا، وتم اعتقالها وعصبت عيناها، وتقول “أخذوني إلى القسم 40. هذا هو القسم الذي عمل فيه إياد أ. لفترة طويلة”.
إياد أ. هو أحد المتهمين الرئيسين في القضية المنظورة أمام المحكمة الألمانية، ونظرا لمشاركته في عمليات الاعتقال والاحتجاز القسري، وجهت له تهمة التواطؤ والمشاركة في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
ولكن عندما تم القبض على لونا، كان ياد أ. قد هرب إلى الخارج، فيما لم تتقابل مع أنور ر. المتهم الرئيسي الثاني في القضية، لذلك فإن لونا ليست شاهدة رئيسية في هذه المحاكمة، لكن لونا بقيت كعضو مراقب لجلسات المحكمة بعد الادلاء بإفادتها.
الإرهاب النفسي والخوف على الأطفال
وتستذكر لونا عمليات الاستجواب التي استمرت لساعات، ونفت لونا جميع الادعاءات. لكن تفتيش الأجهزة الأمنية لبيتها ولجهاز الحاسوب خاصتها أثبت أنها المدعوة لونا، وطلب مساعدو النظام أسماء المساعدين لها، فتقول إنه لم يكن هناك آخرون، لقد عملت بمفردها. “ثم قال أحد المسؤولين: حسناً، أنت لا تريد التعاون؟ سنعتقل ابنك وابنتك، وفعلا “أخذوا ابني أمام عيني، وكان ذلك أسوأ شيء شهدته على الإطلاق”، تقول لونا. وفي الوقت نفسه، تسمع تعليمات عبر الراديو باعتقال ابنتها في المدرسة. وتوضح منذ تلك اللحظة لم أر أطفالي ولكن خلال جميع الاستجوابات هددوا: “قولي لنا ما نريد أن نعرفه، وإلا سنأخذ أطفالك ونعذبهم أمام عينيك”. كان الأسوأ ليس تعذيبي، بل رعاية أطفالي، الذين لم أكن أعرف أين هم”.
كانت لونا سجينة في جهاز المخابرات لمدة شهرين تقريباً، في ثلاث إدارات مختلفة. ثم انتقلت بعدها إلى سجن عادي. تمكنت للمرة الاولى من الاتصال بعائلتها منذ اعتقالها. واكتشفت ضغوطا نفسية قد مورست عليها، حيث لم يتم اعتقال ابنتها، فيما تعرض ابنها للاستجواب فقط.
الوطن الجديد في كوبلنز
وعندما أطلق سراح لونا بعد ما مجموعه ثلاثة عشر شهراً في السجن، نصحها محاميها بالفرار. هي كانت تريد البقاء مع أطفالها، ولكن الضغط والخوف كانا كبيرين لدرجة أن لونا فرت أخيراً إلى تركيا. ومن هناك أتت عبر طريق البلقان إلى ألمانيا. وبعد ذلك فر أطفالها أيضاً إلى تركيا. بعد الاعتراف بطلب لجوء لونا تمكنت من إحضار أطفالها في إطار قانون لم الشمل إلى ألمانيا، إلى (كوبلنز) حيث تعيش الآن.
مدينة كوبلنز الوديعة التي يلتقي فيها نهري الراين والموزيل، أصبحت مسرحا للدعوى ضد إياد أ. وأنور ر. بالنسبة لـ لونا، هذه العملية هي المرة الأولى التي تتاح لها فيها الفرصة للحديث عن تجاربها. “هذه ليست سوى خطوة صغيرة نحو العدالة، لكنها مهمة جداً!”. وتؤكد كيف أنها، بصفتها صحفية، تحاول أن تظل محايدة. وتقول “ولكن بالطبع من الغريب أن نرى الوضع معكوسا، ونراهم في موقف ضعيف أمام العدالة”.
وتشير لونا إلى أن وضع المدعى عليه لا يقارن على الإطلاق بالوضع في سوريا، إن المحاكمة تذكير لهما بمدى خروجها عن القانون تماماً، مقارنة بالحقوق التي يتمتعان بها هنا.
ومن المتوقع صدور أول حكم من المحاكمة يوم الأربعاء (24 أيار/مايو). وستكون (لونا) في قاعة المحكمة حاضرة.