قال تقرير نشرته صحيفة New York Times الأمريكية يوم الأحد 14 فبراير/شباط 2021 إن جهود الصين لإضفاء الطابع المحلي على الإسلام تسارعت منذ عام 2018 وذلك بعد القرار الذي أصدره مجلس الوزراء الصيني بمنع العقيدة من التدخل في الحياة العلمانية ووظائف الدولة.
هذا القرار الذي أصدره مجلس الوزراء كانت ظلاله حاضرة في مدينة سانيا التي تعتبر إحدى المدن السياحية، حيث حاولت السلطات طمس ملامح الإسلام وشعائره، حتى إن السلطات قامت بتغطية اللافتات الموجودة على المتاجر والمنازل التي كُتب عليها “الله أكبر” بالعربية بملصقات عريضة تروِّج لـ”حلم الصين”، وهو شعار وطني رسمي.
سياسات صينية ضد مظاهر الإسلام
في المقابل قامت السلطات المحلية بإزالة اللافتات التي تضم كلمة “حلال”، والمكتوبة بالأحرف الصينية على المطاعم وقوائمها وأغلقت المدارس الإسلامية وحاولت منع الطالبات من ارتداء الحجاب.
من ناحية أخرى فإن المجموعة العرقية أوتسول، التي لا يزيد عدد سكانها على 10 آلاف مسلم في سانيا، من بين أحدث المجموعات التي ظهرت كأهداف لحملة الحزب الشيوعي الصيني ضد النفوذ والأديان الأجنبية.
فالقيود الجديدة في سانيا، التي تقع في منتجع جزيرة هاينان، تمثل السياسات الجديدة للسلطات الصينية، فرغم أن الحكومة كانت تدعم قبل أعوام الهوية الإسلامية للمجموعة العرقية الأوتسول لكن القيود الجديدة تحاول عرقلة ومنع نشاطات المسلمين في المدينة.
في المقابل يرد الحزب على ذلك بالقول إن القيود التي يفرضها على المجتمعات الإسلامية تهدف إلى كبح التطرف الديني العنيف، نافية أن تكون قد حاربت الإسلام. وقد استخدم هذا المنطق لتبرير حملة قمع ضد المسلمين في منطقة شينجيانغ أقصى غرب الصين، في أعقاب سلسلة من الهجمات قبل سبع سنوات. لكن سانيا شهدت القليل من الاضطرابات.
في حين أن قيادة شي جين بينغ، الزعيم الأعلى للحزب، تسببت في هدم الحزب المساجد والأضرحة الإسلامية القديمة والقباب والمآذن في شمال غرب ووسط الصين. كما ركزت سياساته على الإيغور، البالغ تعدادهم 11 مليون نسمة في شينجيانغ، والكثير منهم محتجزون في معسكرات اعتقال جماعية.
مدينة ذات مكانة بارزة في العالم الإسلامي
من ناحية أخرى وفي مدينة سانيا، يلاحق الحزب مجموعة لها مكانة بارزة في علاقات الصين مع العالم الإسلامي. إذ استضافت الأوتسول المسلمين من جميع أنحاء البلاد وعملوا كجسر للمجتمعات المسلمة في جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط.
كذلك فقد احتفلت الحكومة بهوية الأوتسول الإسلامية لسنوات، إذ سعت الصين لمد روابط أقوى مع العالم العربي. وعلى الرغم من تصنيفهم رسمياً على أنهم جزء من أكبر أقلية عرقية في الصين، قومية الهوي، فإن الأوتسول يعتبرون أنفسهم متميزين ثقافياً عن المجتمعات المسلمة الأخرى في البلاد.
إذ إنهم من المسلمين السنّة، ويُعتقد أنهم ينحدرون من عرقية التشام، وهم الصيادون والتجار البحريون لمسافات طويلة في مملكة تشامبا، التي حكمت لقرون على طول سواحل فيتنام الوسطى والجنوبية. وابتداءً من القرن العاشر، فر لاجئو تشام من الحرب فيما يُعرف الآن بوسط فيتنام وسافروا إلى هاينان، وهي جزيرة استوائية.
لكن خلال الثورة الثقافية في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات، دمرت فرق متنقلة من الحرس الأحمر مخصصة لماو تسي تونغ المساجد في قرى الأوتسول، وهو ما فعلته في جميع أنحاء الصين أيضاً.
انفتاح الصين على العالم منذ سنوات
في المقابل ومع انفتاح الصين على العالم في أوائل الثمانينيات، بدأ الأوتسول في إحياء تقاليدهم الإسلامية. وأعادت العديد من العائلات التواصل مع أقارب فقدوا منذ فترة طويلة في ماليزيا وإندونيسيا، بما في ذلك رئيس الوزراء الماليزي السابق، عبدالله أحمد بدوي، والذي كان جده لأمه من الأوتسول والذي نشأ في سانيا.
من جانبه يقول يوسف ليو، الكاتب الماليزي الصيني الذي درس مجموعة الأوتسول، إن المجموعة تمكنت من الحفاظ على هوية مميزة لأنهم كانوا معزولين جغرافياً لعدة قرون وتمسكوا بمعتقداتهم الدينية. وأشار إلى أن الأوتسول كانوا متشابهين في نواح كثيرة مع الملايو.
في المقابل نمت أيضاً علاقات الأوتسول مع الشرق الأوسط. وسافر الشباب إلى السعودية للدراسات الإسلامية. وأنشأ قادة المجتمع مدارس للأطفال والكبار لدراسة اللغة العربية. وبدأوا في بناء القباب والمآذن لمساجدهم، مبتعدين عن الطراز المعماري الصيني التقليدي.
على الرغم من وجود بعض الاشتباكات بين الأوتسول وشعب الهان المجاورين في العقود الماضية، إلا أنهم عاشوا في الغالب في سلام، فقد استفادت المجموعتان العرقيتان من الارتفاع الأخير في السياحة.
قمع الإيغور
بكين ومن جانبها ومنذ فترة طويلة حاولت قمع مقاومة الإيغور للحكم الصيني، والتي كانت في بعض الأحيان عنيفة. لكن في العامين الماضيين، حتى في سانيا، ضغطت السلطات للحد من التعبير العلني عن الإيمان والروابط بالعالم العربي.
قادة المساجد المحليون كشفوا أنهم قد طُلب منهم إزالة مكبرات الصوت التي تبث الأذان من أعلى المآذن ووضعها على الأرض وخفض مستوى الصوت، كما توقف بناء مسجد جديد بسبب الخلاف حول مساحته الكبيرة وعناصر معمارية “عربية”.
في حين قال أحد السكان إن المدينة منعت الأطفال دون سن 18 عاماً من دراسة اللغة العربية. وقال سكان من الأوتسول إنهم يريدون تعلم اللغة العربية لفهم النص الديني وللتواصل مع السياح العرب الذين يأتون إلى مطاعمهم وفنادقهم ومساجدهم.
في المقابل أعرب بعض السكان عن إحباطهم من القيود الجديدة، متهمين الصين بعدم احترام 56 مجموعة عرقية معترف بها رسمياً.
إذ قال زعيم ديني محلي درس لمدة خمس سنوات في السعودية إن المجتمع قد أُخبر بأنه لم يعد مسموحاً لهم ببناء القباب.
من ناحية أخرى قاوم المجتمع المحلي هذه القيود ففي سبتمبر/أيلول 2020، احتج أولياء الأمور والطلاب في خارج المدارس والمكاتب الحكومية بعد منع ارتداء الفتيات للحجاب داخل الفصول بالمدارس لكن السلطات تراجعت بعد ضغوط الأهالي.
جدير بالذكر أنه في الوقت الحالي، فإن الأوتسول في تعايش مضطرب مع السلطات.
المصدر عربى بوست