نشر أحدهم من خلال جروب للصحفيين، يقول: “محتاج جريدة اعملها تقارير ميدانية. حتى بدون مقابل من أجل التدريب”. ثم ختم منشوره منوهاً بأنه حاصل على بكالوريوس إعلام.
فانهالت عليه التعليقات الساخرة تارةً والمحذرة تارةً أخرى من جملة “حتى بدون مقابل”، وأنها تفتح المجال لاستغلاله. والبعض قال ساخراً إنه في كل الأحوال لن يحصل على أجر.
وبدا أن صاحب المنشور كمن يدفع بكلتا يديه هجوماً من كل الاتجاهات قائلاً إنه يريد أن يضع قدمه في المجال وهذا أفضل من عدم دخوله مطلقاً.
اندهشت من هذا الكمّ من الشباب المحبطين الذين تعرضوا للخداع بعد بذل الجهد بدون مقابل!
من قلب القاهرة
أعادني ذلك إلى اليوم الذي تركت فيه محافظتي الساحلية متحديةً رغبة أهلي في تزويجي قبل أن أكمل عامي السادس عشر ومحاولاتهم الضغط عليّ بمنعهم الإنفاق على دراستي وظننت أنني تركت خلفي تاريخاً من التعب والكفاح منذ أكملت دراستي (منازل) من الصف الثاني الإعدادي حتى دخلت الثانوية العامة بمجهود فردي وحققت نجاحاً وحصلت على مجموع أدخلني الجامعة، رغم أنني تلقيت لطمة التنسيق التي حرمتني من الالتحاق بكلية إعلام ورمت بي إلى كلية آداب بالإسكندرية، قمت بالتحويل لدراسة الأدب الإنجليزي ليس حباً لكن كنت أقصد القاهرة تحديداً، وهذا كان المتوفر فيها أو الذي أعرفه.
سافرت ومعي الأمل بل الكثير منه، وتصورت أن الدخول إلى القاهرة بمثابة إذن لتحقيق الأحلام وأن أحلامي بالعمل في الصحافة ستتحول إلى واقع، وبالفعل ذهبت أبحث عن تدريب بالصحافة بجريدة الأهرام، وأذكر كيف استقبلني فرد الأمن وقتها ساخراً مني قائلاً: هنا مكان للكبار أو الدكاترة فهل أنتِ من الكبار أو تحملين شهادة الدكتوراه؟
ولكني ظللت ألح عليه أن يجعلني أقابل أحداً من صحفيي الأهرام، لكنه رفض. ولأكثر من ساعتين وأنا أنتظر لم أستطيع مقابلة وجه غير وجهه الساخر!
وتكررت محاولاتي في عدة أماكن ولم أستطع. وفقدت الكثير من الأمل فلا أنا التحقت بكلية تناسب رغباتي ولا أنا حصلت على عمل بالصحافة. وكنت أحمل إحباطاً يثقل كاهلي خصوصاً بعدما صادفت فتاتين في “الميكروباص” المتجه إلى مدينة السادس من أكتوبر ودار بينهما حوار عرفت من خلاله أنها طالبة في كلية الإعلام وقد تم عقد قرانها وأنها لا تحب التعليم ولا تحضر كثيراً وتريد الإسراع في الزواج، وقالت إن لها قريبة تعمل في ماسبيرو عرضت عليها العمل في التلفزيون المصري أثناء الدراسة وسيتم تثبيتها بعد التخرج، لكنها رفضت، وكانت الفتاة الأخرى مندهشة وتخبرها بأن هذه فرصة لا تعوض، بينما تتحدث الأخرى عن أن الزواج والأمومة أفضل من التعليم!
ولا تعرف ماذا كان يقصد القدر بهذه الصدفة التي جعلتني أجلس بجوار فتاة لم ولن تعرف أن ما ترفضه هو كل أحلامي!
وبعد الليسانس، حاولت تحقيق حلمي بدراسة الإعلام في جامعة القاهرة بالتعليم المفتوح، وبالفعل تفوقت في دراسة الإعلام، ولكن إليكم تجاربي في محاولة العمل بالصحافة فتارةً يحدثني صحفي بأنه ليس هناك مكان للعمل بالموقع الإلكتروني الذي يعمل فيه، وصحفي مُسنّ يطلب مني صورة ترافق مقالي لنشره في جريدته الورقية، وعندما أرسلت له صورة للرأس والأكتاف قال حرفياً أريد صوراً كثيرة بأوضاع مختلفة! وآخر يصر على مقابلته أولاً ثم بعدها يعرفني على أصدقاء له من الصحفيين!
ولكن أكثرهم إحباطاً ذلك الصحفي الكبير الذي نشر ذات يوم أنه يريد كُتاباً جدداً لعمل ورشة ليصدر بعدها عملاً، فأرسلت له، بما أنني قاصّة بالأساس. فأبدى إعجابه بما أرسلت له من قصص قصيرة وضمني للورشة التي لم أرها أبداً! فكل يوم يخرج علينا بحجة ولم يمضِ وقت طويل حتى اكتشفنا أنه كان يستغل آمالنا في عمل دعاية لنفسه وتقديم نفسه كداعم للشباب ولم يرَ مشروعه الوهمي النور. وبالطبع أنت لا تريد أن تقرأ تجارب عن كيف تعامل دور النشر الأدباء المبتدئين، وكيف يتم استغلالهم مادياً، ويتحول الكاتب إلى مهرج يزج غلاف كتابه بين الدقيقة والأخرى ليقوم بالدعاية لنفسه.
وتأكد أنك لن تلقى الدعم لو لم تكن لك (شلة) تصفق لك وتظهر في التلفزيون لأنك مشارك بقصة قصيرة في كتاب مجمع، بينما لن تسمع عن مَن هم مثلي، ولا حتى في طبق اليوم، رغم أنني فزت بالمركز الأول في القصة القصيرة في مسابقة دولية!
كل هذه الإحباطات وغيرها تمكث في ذاكرتي وتتجسد أمامي عندما أرى محاولات غيري وخيباتهم في الوقت الذي يدخل الصحافة والإعلام والأدب مَن لا يستحق في وطن يجبرنا على دراسة لا تناسب قدراتنا ولا يوفر لنا فرص عمل بينما يمنح كل الفرص لمن لديهم واسطة!
وأخيراً أيها المحبط لا أنصحك بمشاهدة لقاء لشقيقة الممثلة الشابة هنا الزاهد الصغرى، التي قالت إنها لا تحب العمل كمذيعة لأنها تحب التمثيل لكنها قبلت تقديم برنامج وهي ما زالت طالبة لربما يراها أحد المنتجين ويأخذها للتمثيل!
لأنك ستشعر وقتها بأنهم يخرجون لك ألسنتهم حتى تموت غيظاً.