فيينا – فاطمة المهدي —-
إذا مر يومٌ. ولم أتذكر
به أن أقول: صباحك سكر
ورحت أخط كطفلٍ صغير
كلاماً غريباً على وجه دفتر
فلا تضجري من ذهولي وصمتي
ولا تحسبي أن شيئاً تغيَّر
فحين أنا لا أقول: أحب
فمعناه أني أحبك أكثر.
كلمات ناعمة ورقيقة لنزار قبانى، أو هكذا هو يراها أو نراها نحن عندما يغرد بها كاظم الساهر ومن ثم نرددها وراءه في عفوية.
لكن على الرغم من نعومتها الظاهرة ومعناها الرقيق المعبر عن عالم الرجال تحديداً، إلا أنها تعتبر في عالم النساء كلمات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب لأن من أقسى ما يمكن أن يفعله رجل بامرأة أن يراها أمامه يومياً ولا يعبِّر لها عما يجيش بصدره لها.
وكأنها لم تعُد الأنثى التي يرغب بها، يشعرها أنها أصبحت عادية وأنها لم تعد موجودة سوى لتلبية مسؤوليات المنزل مثلها في ذلك مثل أي شخص يساعد في ترتيب المنزل أو رعاية الأبناء.
أو أن ترى نفسها أصبحت مربية لأبنائه فقط وأنه قد زهد بها لاعتياده عليها أو أن السنين قد تقدمت بهما ولم يصبحا مراهقين.
ورغم أن النوايا حسنة والحب لا يزال في قلبه بل قد تكون قد ملأت بالحب روحه بشتى الطرق حتى اعتاد عليه وصار شيئاً روتينياً في حياته ويظن خطأً أن الحب في القلب وأن التعبير عنه ليس إلا ضعفاً أو أنه لا داعي للبوح به على غرار “الصمت في حرم الجمال جمال”، لكن عزيزي الرجل رغم كل هذه الأسباب التي تبدو بريئة في ظاهرها، عليك أن تعرف:
كل هذا لا يجدي نفعاً في عالم النساء سيدي الفاضل، نعم أنت تحبها أو تذوب عشقاً فيها، فهذا لا يعنيها ولن يصل إلى قلبها إلا إذا صرحت به.
نعم هذا ما يحدث، تعجب بها فتتزوجها أو تتزوجان زواجاً عادياً أو زواج صالونات كما يطلق عليه ثم تلتصقان، وتتكاملان وتندمجان في بوتقة واحدة حتى تصبحا مثل روح واحدة.
يمر الشهر الأول من الزواج وأنت تعبر عن حبك بكل طريقة ممكنة لها
ثم تفتر هذه المشاعر بطبيعة الحال، وهذا هو التطور الطبيعي للمشاعر حيث تكون في أوجها في بداية العلاقة قبل الزواج ثم تكلل بالزواج الذي يحمي هذه العلاقة ويحافظ عليها من الاندثار، لكن ومع الأسف بعض الرجال يظن خطأ أنه ما دمت أحبك، وأكمل حياتي معك فلماذا إذاً يتوجب علي التعبير عن حبي بكلمة حانية أو لمسة دافئة؟!
انت امرأة عجيبة حقاً فكيف أكمل معك حياتي وأنا لا أحبك؟!
يظل الوضع هكذا حتى تصبح العلاقة التي قمتما بالزواج من أجلها حتى لا تندثر آخذة في الاندثار حتى تنقرض تماماً، لكن في قلب الزوجة وليس في قلبه، هو يظن أنه طالما يعولها وأنه طالما رجل خلوق كريم لا ينظر لهذه أو تلك فهو رجل لا غبار عليه.
تحاول معه بشتى الطرق أن تشرح له احتياجها.. ما أحتاجه كلاماً معسولاً يشعرنى أني “أنثى”، أحتاج لمسة دافئة واحتضاناً يجعلني أحوي العالم أجمع.
أحتاج وقتاً لي ولك فقط نتشارك فيه أي شيء معاً، وقتاً أشعر فيه أني ما زلت على قيد الحياة، وأنك ما زلت ترغب بي.
لكنه لا يسمع أو يصدها إذا ما حاولت أو إذا ما طلبت منه، حتى إن الحال قد يصل ببعض الرجال أن امرأته إذا تدللت عليه نظر إليها نظرات تعجب وكأنها امرأة بلهاء.
وسط هذا الصد الرهيب أو الإنكار الفاحش لرغبات الزوجة واحتياجاتها يُجرح قلبها وتسيل عبراتها على فراشها ليلاً وهو لا يدري ولا يشعر بها، تتجرع الألم بسبب استجدائها الحب منه عدة سنوات حتى تمل وتشعر بخيبة الأمل، وتشعر أن كبرياءها قد جرحت.
وقد يصل بها الحال إلى أن تشك في أنوثتها وشخصيتها وجمالها وجسدها
فتتساءل ربما أنا المخطئة.
تعاود التواصل معه لتسأله عما يريد وعما يحب، تسأله عن احتياجاته ورغباته فيخبرها أن كل شيء بخير وأنه لا يريد منها أي شيء.
ثم ما يكون منها إلا أن تبتعد بعيداً عن قلبه، وتعيش في عالمها وعالم أبنائها.
ترتاح قليلاً ثم تشعر بالاحتياج يصرخ بين جنبيها وأنها تتمنى لو تسمع كلمة واحدة تشعرها أنها ما زالت تتنفس أنوثة، فما يكون منها إلا أن تطلب وتطلب حتى تضطر أخيراً لأن تصرخ في وجهه أنها تريد أن تشعر أنها زوجة ما زالت على قيد الحياة وأن هذه العلاقة ما زالت هنا، فيتعجب هو من انفجارها ويبتسم ويصمت طويلاً، ويتساءل بينه وبين نفسه ما هذه المرأة؟ ماذا تريد مني؟
أوليست احيتاجاتها المادية جميعاً ملباة؟! أولا تعلم الظروف التي أمر بها؟! ما هذا الذي تطلبه مني وأنا في أحلك أيام حياتي؟
أي حب وأي كلمات معسولة التي تطلبها مني وأنا لا أرى أمامي!
وبطبيعة الحال تستمر الظروف لأن طاحونة الحياة لا تنتهي، لكن ومع الأسف توشك أن تنتهي الحياة الزوجية أو أنها بالفعل قد انتهت.
إذا ما جلستِ طويلاً أمامي
كمملكةٍ من عبيرٍ ومرمرْ..
وأغمضتُ عن طيّباتكِ عيني
وأهملتُ شكوى الرداء المعطّرْ
فلا تنعتيني بموت الشعور
ولا تحسبي أنّ قلبي تحجّرْ
أحبّكِ فوقَ المحبّة.. لكنْ
دعيني أراك كما أتصوّرْ..
عزيزى الزوج الفَطِن:
دعك من كلمات نزار ولا تراها كما تتصور بل أعطِها احتياجاتها كما تريد هي وكما تشتهي هي وكما تحب هي، وإلا فلتتحمل عواقب تصوراتك العظيمة التي لن تسمن ولن تغني من جوع عندما تصرخ طالبة انفصالاً أبدياً عنك بالطلاق أو انفصالاً روحياً، ولن تجد منها سوى جسد بالٍ متعب لا يقوم سوى بأداء واجباته المنزلية وحقوقك الزوجية التي ستؤدَّى بشكل روتيني سقيم.
أيها الزوج العزيز:
زوجتك لا تريد حباً صامتاً عاجزاً، لا تريد أن تحبها همساً بينك وبين نفسك، بل أحببها حباً جهورياً، حباً صاخباً، حباً يخبرها كل يوم كم هي أنثى جميلة ورقيقة،
حباً يصيح بأعلى صوت أنها “حبيبتك” وأنك تشعر أنك تمتلك العالم بأسره وهي بين ذراعيك