مع بداية العام الجديد، يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسعى إلى اتباع توجه جديد يعتمد على التنسيق مع القوى الدولية والإقليمية بدلاً من سياسة المواجهة التي اتخذها مؤخراً، فما هي المؤشرات على هذا التوجه؟
دعوات إلى محادثات جديدة مع الولايات المتحدة وتأكيدات على الرغبة بـ”فتح صفحة جديدة” مع أوروبا بالتزامن مع استئناف المفاوضات مع اليونان، كلها مؤشرات تدل، كما يبدو، على تغير في السياسة التركية مع بداية العام الجديد، ويأتي ذلك بعد عام زاخر بالتوترات السياسية والاقتصادية بالنسبة لأنقرة.
فقد دعت تركيا -على لسان وزير دفاعها خلوصي أكار- إلى إطلاق محادثات جديدة مع الولايات المتحدة لحل الأزمة بين البلدين بشأن شراء أنقرة منظومة دفاعات جوية روسية. وقال أكار خلال لقاء مع المراسلين الأجانب الأربعاء (13 كانون الثاني/يناير): “نحن على قناعة بضرورة الحوار ثم الحوار. من دون حوار (…) لا يمكن الوصول إلى أي نتيجة”.
وكانت واشنطن منعت إصدار أي ترخيص تصدير أسلحة إلى الوكالة الحكومية التركية المكلفة بالمشتريات العسكرية، عقاباً على شراء أنقرة منظومة الصواريخ الروسية (إس-400)، كما علقت مشاركة تركيا في برنامج إنتاج الطائرة الحربية الأمريكية المتطورة “إف-35″، معتبرة أن الصواريخ الروسية قد تساهم في خرق أسرارها التكنولوجية.
“صفحة جديدة”!
الدعوات التركية لبدء حوار مع الولايات لمتحدة، تتزامن مع إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رغبته في فتح “صفحة جديدة” في علاقات أنقرة بأوروبا مع بداية العام الجديد.
وفي لقاء افتراضي مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاين يوم السبت (التاسع من كانون الثاني/يناير)، أكد أردوغان أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي من الأولويات السياسية لأنقرة، مؤكداً على أهمية استئناف القمم الدورية بين تركيا والاتحاد الأوروبي. ومن المقرر أن يزور وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو بروكسل الأسبوع المقبل لإجراء “حوار صادق”.
وبدأت محادثات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2005 ، إلا أن العلاقات توترت بعد محاولة الانقلاب التي شهدتها تركيا عام 2016 ، وهي مجمدة الآن. وأكد أردوغان أن تركيا مستعدة لإعادة العلاقات إلى مسارها الصحيح، وأنها ملتزمة بهدف العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، واصفاً استئناف المحادثات بين أنقرة وأثينا لحل الخلاف بينهما بأنه “يبشر بحقبة جديدة”.
“التعاون وليس التنافس”
وتستعد الجارتان لعقد محادثاتهما الأولى منذ عام 2016 ، وذلك باسطنبول في 25 كانون الثاني/يناير. وتشهد العلاقات بين البلدين توتراً بسبب احتياطات الغاز الطبيعي والحدود البحرية، حيث تؤكد كل منهما حقها في استكشاف موارد الطاقة في نفس الجزء من شرق البحر المتوسط.
وقال أردوغان يوم (12 كانون الثاني/يناير) أمام سفراء الاتحاد الأوروبي في أنقرة: “إننا بحاجة لجعل شرق البحر المتوسط بحيرة للتعاون تخدم مصالحنا بعيدة المدى، وليس ساحة للتنافس”.
تصريحات أردوغان هذه تختلف عن تصريحاته “النارية” التي كان يطلقها العام الماضي، وهذا يدل على أن الرئيس التركي يتبع “توجهاً جديداً” مع بداية العام، كما يرى راينر هيرمان، خبير الشؤون السياسية في صحيفة “فرانكفورته ألغماينه تسايتونغ”.
توجه جديد في الشرق الأوسط أيضاً؟
وكتب هيرمان في تعليق لـDW: “منذ بداية العام الجديد اتخذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان العديد من الإجراءات، فبدلاً من أن يعول على المواجهة كما كان يفعل مؤخراً، يعول الآن على التنسيق، ولذلك بدأ حملة حوار على نطاق واسع”.
وأضاف: “فالمحادثات مع اليونان حول البحر المتوسط، والتي كانت متوقفة منذ خمس سنوات، ستُستأنف. وبعد سنوات من الابتعاد، يظهر أن السفير التركي إلى إسرائيل سيعود إلى (تل أبيب) من جديد (…) وعلاوة على ذلك، دعا أردوغان سفراء دول الاتحاد الأوروبي إلى لقاء للمرة الأولى منذ سنوات وعرض عليهم أجندة إيجابية”.
وأشار هيرمان إلى أن توجه أردوغان الجديد قد يصل تأثيره إلى دول عربية أيضاً، موضحاً أن “دبلوماسيين أتراك يعملون على تطبيع العلاقات مع السعودية”.
وذكرت صحيفة “ديلي صباح” التركية عن وجود مؤشرات على تطبيع محتمل بين أنقرة والرياض في ظل حكم الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن. وأشارت الصحيفة إلى المشاركة التركية في قمة مجموعة العشرين في الرياض 2020، والاتصال الهاتفي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وملك السعودية في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، والذي كان الأول بينهما منذ توتر العلاقات إثر اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول.
ووقتها قالت الرئاسة التركية إن “الرئيس أردوغان والملك سلمان اتفقا على إبقاء قنوات الحوار مفتوحة لتعزيز العلاقات الثنائية وتسوية القضايا”.
ما سبب تغيير التوجه؟
يرى الخبير الألماني، هيرمان، أن سبب تغيير أردوغان لتوجهه يعود إلى “تغير الظروف الخارجية والداخلية”، ويوضح: “أردوغان رجل سلطة، قام -حتى الآن بنجاح- باتباع غريزته (السلطوية) واستغلال جميع الخيارات المتاحة له. لكن الشروط الداخلية والخارجية تغيرت”، ويتابع: “في واشنطن، سيتعين على أردوغان في المستقبل التعامل مع رئيس لا يسنده (بايدن)، وستعود أوروبا وأمريكا إلى التنسيق الوثيق مرة أخرى، كما قام الاتحاد الأوروبي مؤخراً بالتشديد على تركيا من خلال فرض عقوبات، ولو كانت خفيفة”.
أما بالنسبة للظروف الداخلية، يذكر هيرمان التداعيات الاقتصادية والسياسية والصحية لأزمة كورونا على تركيا، ويختم: “من كل ما سبق توصل أردوغان إلى استنتاج مفاده أن سياسة التنسيق الآن أكثر قيمة من سياسة المواجهة التي كان يتخذها. وبذلك فهو يتبع نهجاً جديداً الآن”.