في بداية ديسمبر 2020، كشفت الصين للعالم عن خطواتها الجديدة لتطوير برنامج “تعديل الطقس”، ومع أنه برنامج غير معروف فإن الأمر يتعلق بجهد لا مثيل له في العالم بتسخير السحب والتلاعب بالطقس.
وعزمت بكين على توسيع برامج “التحكم بالأرصاد الجوية” على نطاق واسع جداً، كما أفادت بذلك مجلة “صباح الصين”. وتهدف بكين من ذلك أن تكون قادرة بشكل أساسي على إسقاط الأمطار والحصول على جو صحو على أكثر من 5.5 مليون كيلومتر مربع، أو أكثر من نصف مساحة البلاد بحلول عام 2025. في الوقت الحالي لا تسمح الجهود المبذولة إلا بتغطية 3 ملايين كيلومتر مربع “فقط”، بحسب فرانس برس.
الصين نفذت 560 ألف عملية تلاعب بالطقس
تعتبر طموحات الصين في التحكم بالطقس غير جديدة، فخلال دورة الألعاب الأولمبية عام 2008، زعمت بكين أنها استخدمت بشكل ملحوظ “تقنيات التجوية” على السحاب لضمان أن يجري حفل الافتتاح تحت سماء زرقاء تماماً.
لكن في ذلك العهد، لم تكن الصين قد بدأت بالفعل أولى تجاربها في هذا المجال. كان ماو تسي تونغ، والد الصين الشيوعية، هو من وضع أسس هذا الطموح في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي. فبمبادرة منه تم إجراء أول تجربة لإسقاط الأمطار في عام 1958 في مقاطعة جيلين، شمال البلاد، والتي كانت تشهد أسوأ فترة جفاف لها منذ ستين عاماً، بيد أن النتائج كانت صعبة القياس.
وفي عام 2002 أطلقت الصين رسمياً برنامج “تعديل الطقس”. منذ ذلك الحين نفذت البلاد “أكثر من 560 ألف عملية تلاعب بالطقس عبر إطلاق الصواريخ والقذائف، ما أتاح إسقاط 4897 مليار طن من الأمطار، أو ما يعادل ثلاثة أضعاف محتويات سد الخوانق الثلاثة من المياه”، وذلك كما أعلن تشنغ غواه غوانغ، مدير هيئة الأرصاد الجوية الصينية، في عام 2012
يعمل أكثر من 50 ألف صيني حالياً في المشاريع الوطنية لمواجهة تقلبات الطقس
أكثر من مليار دولار أنفقتها الصين للتحكم بالطقس
يعمل أكثر من 50 ألف صيني حالياً في المشاريع الوطنية لمواجهة تقلبات الطقس. ويذكر فولفجانج جاسر، باحث في الهندسة الجيولوجية في جامعة ميونيخ التقنية في دراسة تقنيات “التلاعب بالأرصاد الجوية” التي نُشرت عام 2017، أن مكتب تعديل الطقس الرسمي الصيني “أنفق أكثر من 280 مليون دولار منذ عام 2008 لتطوير البنية التحتية اللازمة، وإجراء حملات تعديل الطقس والاستثمار في البحث وتطوير هذه التقنيات”، تقدر دراسات أخرى أن المبلغ الإجمالي للاستثمار قد يتجاوز ملياراً و215 ألف دولار.
لم تبخل بكين في الإنفاق، لأن “الصين واحدة من أكثر الدول تضرراً من الكوارث الطبيعية وأن 70% من هذه الكوارث لها علاقة بالجو”، كما أوضحت الأكاديمية الصينية لعلوم الأرصاد الجوية في أثناء عرضها لهذا المشروع الوطني في العام 2013. ويذكر مقدمو هذا العرض أن حالات الجفاف هي التي أضرت بالبلاد التي لا تزال تعتمد بشدة على الزراعة، أكثر من غيرها، كما أن حاجة البلاد من مياه الشرب في ازدياد متواصل.
تسريع هطول الأمطار بواسطة “حرث السحاب”
وتسعى تقنيات تعديل الطقس قبل كل شيء إلى إسقاط الأمطار، إنه حرث السحاب، حيث يتم إرسال مركبات كيميائية، مثل يوديد الفضة، إلى السحب الركامية حيث تجذب بخار الماء وتحوله إلى بلورات. فجأة تصبح هذه الجسيمات الجديدة ثقيلة جداً بحيث لا يمكن أن تبقى في السحاب وتسقط من تلقاء نفسها متحولة إلى أمطار مع ارتفاع درجة حرارة الهواء.
يمكن أن تمنع هذه العمليات نفسها أيضاً عواصف البَرَد التي تعد مشكلة متكررة، خصوصاً في جنوب الصين. في هذه الحالة، من المفترض أن يؤدي حرث السحب إلى تسريع هطول الأمطار، ما يمنع تكوين كرات البَرَد الكبيرة. أخيراً، يقول ثلاثة باحثين تايوانيين درسوا الجوانب السياسية لهذا البرنامج في مقال نُشر في عام 2017، إن الصين “تستخدم بشكل متزايد التلاعب بالطقس لتجنب سوء الأحوال الجوية أثناء الأحداث الكبرى”.
في عام 2015، أصدر مكتب الأرصاد الجوية الصيني قواعد يجب اتباعها من أجل الحصول على الحق في استخدام هذه التقنيات خلال الأحداث المحلية أو الوطنية. على وجه الخصوص يجب أن يحضر الحدث أكثر من 1000 شخص، كما يجب أن يكون ذا قيمة اقتصادية أو ثقافية أو سياسية واضحة.
الصين أكثر الدول نشاطاً في “حرث السحاب” لكنها ليست الوحيدة
جندي صيني يطلق صواريخ لاستمطار السحب في محاولة لجلب المطر في هوانغبي
ويؤكد الباحث الألماني فولفجانج جاسر لفرانس برس، أن هذه كلها معلومات تعني أن “الصين هي أكثر الدول نشاطاً في العالم في هذا المجال”. ولكنها ليست الوحيدة في هذا المضمار. لقد بدأت عملية حرث السحب في الولايات المتحدة عام 1947 تحت قيادة الجيش، كما هو الحال في كثير من الأحيان. اعتقد الأمريكيون حتى الثمانينيات أنه يمكنهم حل جميع مشاكل الطقس باستخدام هذه التكنولوجيا. ويقول فولفجانج جاسر في دراسته: “لكن الحماس تضاءل بشكل كبير منذ ذلك الحين، واليوم هناك تسع ولايات فقط تنفذ عمليات حرث السحب”.
تكمن مشكلة الأمريكيين في أن الفاعلية الحقيقية لهذه التقنية لم يتم إثباتها مطلقاً. ويضيف الباحث الألماني: “لا يمكن قياس نجاح العملية، لأنك لا تعرف أبداً ما كان سيحدث لو لم يكن هناك حرث”.
هذه الشكوك العلمية تفسر أيضاً لما ليست أوروبا مهتمة بهذه التقنية. ويؤكد فولفجانج جاسر أن “المبادرات الوحيدة في هذا الإطار أتت من التجمعات المدنية من خلال تجارب نفذتها جمعيات في ألمانيا والنمسا منذ نهاية الستينيات”.
في المقابل، تريد الإمارات العربية المتحدة تصديق ذلك. في عام 2010، أطلقت أبوظبي برنامجاً بميزانية قدرها 11 مليون دولار لإجراء تجارب حرث السحب. والهدف المعلن هو زيادة التهطال السنوي بأكثر من 15%.
تعديل الطقس واحتمالات زعزعة استقرار المناخ
تعمل الصين على تعديل الطقس في منطقة التبت بشكل كبير
ولا يهدف البرنامج الصيني إلى تجنب الجفاف أو إسقاط الأمطار في حالة نشوب حريق أو تبديد الغيوم خلال تجمع كبير فحسب، جزء من الطموحات الجديدة تم الكشف عنها في أوائل ديسمبر/كانون الأول 2020، حيث تريد بكين أيضاً إعطاء دفعة لبرنامج واسع النطاق “لتعديل الطقس” في إقليم التبت. وتريد السلطات زيادة هطول الأمطار هناك على المدى الطويل.
لكن هذا النوع من البرامج طويلة الأمد يمكن أن “تزعزع استقرار المناخ في المنطقة”، كما يحذر يانوس بازستور، مدير مبادرة كارنيغي لإدارة المناخ والهندسة الجيولوجية، في رده على أسئلة صحيفة الغارديان البريطانية. وهو خطر يأخذه الهنود على محمل الجد، فهم قد بدأوا بالفعل في الشكوى من أن الصين تجري، دون موافقتهم، تجارب يمكن أن تغير مناخهم أيضاً. كما لو كانت العلاقات الصينية الهندية لم تكن بهذا السوء بالفعل، وكان لا بد من إضافة بعض الغيوم عليها.