هناك احتفاء واضح في إسرائيل بالتطبيع مع المغرب، ربما بصورة أكبر مما حدث مع الإمارات والبحرين والسودان، فهل هناك أسباب خاصة؟
جسر للعالم الإسلامي؟
في مقال بصحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية عنوانه “المغرب.. جسر إسرائيل إلى العالم الإسلامي؟”، ركز الكاتب على الأهمية الخاصة التي توليها تل أبيب للتطبيع مع المغرب، رابع دولة عربية تنضم لاتفاقات “السلام الإبراهيمي” التي أطلقها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، والتي شملت حتى الآن الإمارات والبحرين والسودان، إضافة للمغرب.
اللافت هنا أن الدول الأربع التي وقَّعت بالفعل اتفاقات التطبيع مع إسرائيل هي دول عربية إسلامية، مما يطرح التساؤل بشأن مدى واقعية نظرية “الجسر مع العالم الإسلامي”، فبشكل عام يمثل تطبيع إسرائيل مع أي دولة عربية مكسباً كبيراً للدولة العبرية التي ترفض مبدأ الأرض مقابل السلام الذي طرحته الدول العربية شرطاً لتطبيع علاقاتها مع تل أبيب.
ويرى مقال جيروزاليم بوست أنه من بين الدول الإسلامية الأربع التي وقعت اتفاقيات التطبيع، يظل المغرب أكثرها فائدة لإسرائيل من الناحية الاستراتيجية على المدى الطويل، إذ إن “التحالف الإسرائيلي-المغربي، في حال تمت تغذيته بشكل مناسب، يمثل نهاية لبحث إسرائيل عن دولة تخدم تل أبيب كجسر إلى العالم الإسلامي”.
والفكرة التي يركز عليها المقال تتعلق بعدة عوامل تميز المغرب منها ما له علاقة بالجغرافيا، حيث إن وجود المغرب في أقصى الحدود الغربية للعالم العربي “إذ إن المغرب ليس فعلياً من دول الشرق الأوسط- جغرافياً- مثل الجزيرة العربية والشام، لكنه آخر دولة إلى الغرب في ساحل شمال إفريقيا، مما يجعل الجغرافيا أحد أهم العوامل التي تسهم في نجاح التحالف مع إسرائيل”.
وبالتالي تعول تل أبيب على مستقبل العلاقات مع الرباط، بصورة خاصة على البعد الجغرافي للمغرب مما يجعله أقل عرضة لطبيعة الصراعات الإقليمية المتغيرة في دول المشرق، أو طبيعة “لعبة العروش” المتأصلة في صراعات الشرق الأوسط، “والدرس هنا هو أن الجغرافيا عامل مهم للغاية”، حيث يجب أن يأتي “الجسر” من خارج الشرق الأوسط كي يكون بعيداً عن العواطف المتأججة ضد إسرائيل.
العامل الاقتصادي والعلاقات القائمة بالفعل
العنصر الآخر الهام هو كون اليهود المغاربة يمثلون نسبة كبيرة من سكان إسرائيل، حيث يبلغ عددهم نحو نصف مليون، مما يجعلهم ثاني أكبر جنسية من اليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل بعد إعلان قيام الدولة عام 1948، كما أن اليهود المغاربة الذين يعيشون في المغرب، رغم قلة عددهم الذي يبلغ نحو 5 آلاف، قد احتفلوا بالإعلان عن اتفاق التطبيع بصورة واضحة.
ومنذ الإعلان عن اتفاق التطبيع الإسرائيلي- المغربي يوم 10 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عبر اليهود المغاربة في إسرائيل عن سعادتهم الغامرة بتلك الخطوة، وهو ما عبر عنه أيضا اليهود المغاربة داخل المغرب، لكن ذلك لا يمنع وجود غضب شعبي بين المغاربة بسبب التطبيع.
العنصر الثالث في ترتيب الأهمية فيما يتعلق بالمكاسب الاستراتيجية على المدى الطويل، من الجانب الإسرائيلي، يتعلق بوضع الاقتصاد المغربي المتأثر بشكل كبير بسبب تداعيات جائحة كورونا وحتى من قبلها لم يكن الاقتصاد قوياً، إذ ترى تل أبيب أن بإمكانها مساعدة المغرب من خلال الاستثمار في قطاعات السياحة والتكنولوجيا، بحسب المحللين الإسرائيليين.
ماذا عن وجهة النظر للتطبيع مع المغرب؟
لكن على الجانب الآخر، يرى كثير من المراقبين أن قصة التطبيع الإسرائيلي- المغربي ليست “ربحاً على طول الخط للجانبين” كما تصورها إسرائيل، فهناك أكثر من عامل يلقي بالشكوك حول تلك الفرضية، أبرزها قصة الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء الغربية.
فصفقة التطبيع بين المغرب وإسرائيل، شأنها شأن صفقات التطبيع الأخرى مع الإمارات والبحرين والسودان، جاءت في سياق “التطبيع مقابل شيء ما“، وبالتالي جاء اعتراف إدارة الرئيس دونالد ترامب بمغربية الصحراء بمثابة الجائزة الكبرى للرباط، لكن إلى أي مدى يمكن أن يحسم ذلك الاعتراف القضية؟ لا أحد يمكنه الجزم بذلك.
فالجزائر أعلنت رفضها للاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وكذلك روسيا وباقي القوى الدولية، وألمح بعض مستشاري جو بايدن إلى إمكانية إعادة النظر في ذلك الاعتراف، لكن حتى في حالة عدم تراجع الإدارة الأمريكية الجديدة عن الاعتراف بمغربية الصحراء، يظل الموقف على الأرض خاضعاً لكثير من المتغيرات، في ظل القرار الأممي بإجراء استفتاء بين سكان الصحراء وتمسك جبهة البوليساريو بذلك السيناريو.
ويرى كثير من المحللين أن السبب الرئيسي وراء إحجام المغرب عن التطبيع الكامل، بمعنى تبادل السفارات بين البلدين، والاكتفاء بتطبيع منقوص هو الرغبة في الانتظار لرؤية ما إذا كانت الإدارة الأمريكية الجديدة ستتبنّى قرار إدارة ترامب وتعترف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
فبحسب تقرير قبل أيام لصحيفة Haaretz الإسرائيلية، أكد مسؤولون بارزون من المغرب أن مصطلح “التطبيع” ليس مقبولاً بالنسبة لهم، في رسالةٍ نُقِلَت إلى تل أبيب، لأنه حتى بعد إغلاق مكاتب الاتصال عام 2000، احتفظ البلدان بمجموعة واسعة من العلاقات، وهو ما يعني أن المغرب لا يبدأ علاقاته مع إسرائيل من الصفر.
وهذا بالطبع يتعارض تماماً مع ما تروج له إسرائيل من أن التطبيع مع المغرب يمثل أهمية خاصة لمد جسور مع العالم الإسلامي، حيث إن مد الجسور يشترط فيه أن يكون قائماً على تبني وجهة نظر مشتركة، وهو ما لا يبدو واضحاً حتى الآن على الأقل