عبد الرحمن الشلال.. قصة نجاح شاب عراقي من عامل في فرن فى بغداد إلى مبرمج بالنمسا

لم يستطع الشاب العراقي عبد الرحمن الشلال الحصول وظيفة تناسب شهادته، فوجد نفسه مضطرا لمواصلة العمل في أحد مخابز بغداد، التي كان يعمل فيها أثناء الدراسة.

الشلال -الذي تخرج من قسم علوم الحاسبات في بغداد عام 2013- لم يستسلم لليأس، وواصل البحث عن فرصة عمل أفضل، وبدأ مراسلة شركات كثيرة خارج العراق، ليجد ضالته أخيرا في إحدى الشركات النمساوية التي منحته فرصة عمل.

الشلال (أقصى اليسار) كان يعمل في مخبز أيام بغداد

فرن الخبز

منذ دخوله الجامعة، بدأ الشلال (28 عاما) عمله في أحد مخابز بغداد، لكي يوفر احتياجاته، ويشتري الكتب وما يلزم في دراسته، وكان يأمل أن يحظى بعمل جيد داخل بلده، وأن يجد من يقدّر مهاراته لكونه من الأوائل، على حد قوله.

ويعرب للجزيرة نت عن صدمته بعد التخرج، عندما لم يحصل على وظيفة، ولم يجد مؤسسة تهتم به؛ مما اضطره للاستمرار في العمل بالمخبز.

ويروي الشلال كيف كان يعطي نفسه الأمل بإيجاد من يقدّر جهده ودراسته، وكان يكتب أحلامه ويرددها داخل المخبز، بأنه سيحصل يوما ما على عمل ضمن تخصصه.

ويستدرك بأنه يحترم عمل المخبز الذي كان مصدر رزقه وقوت يومه، ولكنه لا يريد أن تذهب أعوام الدراسة وتعب الوصول إلى شهادة البكالوريوس.

وعن سنوات عمل الشلال في المخبز، يؤكد صديقه علي خليل إبراهيم (26 عاما) أن عبد الرحمن شاب طموح وذو ثقافة عالية، وهو من عائلة بسيطة، وكان يدرس ويعمل، ويحدث دائما أصدقاءه في العمل عن أمنيته في الحصول على وظيفة.

ويضيف إبراهيم للجزيرة نت أن عبد الرحمن حاول الحصول على وظيفة في العراق وقدّم مرات عدة، لكنه لم يحصل على شيء، فقرر أن يبحث عن عمل خارج البلاد، وأرسل أوراقه إلى أكثر من دولة، وكان حلمه أن يصل لهذه المرحلة.

وعن تلك الفترة من حياته، يبين الشلال أنه كان يستيقظ كل يوم مبكرا عند الساعة الرابعة فجرا، فيصلي ويذهب إلى المخبز، نشطا من دون هموم، ويفكر في شهادته ويسأل الله أن يمنحنه فرصه عمل تناسب تخصصه الدراسي، وألا يبقى على هذه الحال

لم يستسلم الشلال لليأس، وواصل البحث حتى حصل على فرصة عمل في شركة نمساوية

وتحققت تلك الأمنيات التي كانت لا تذهب عن ذهنه خلال العمل، وكان يراها في عجين الخبز، كما يقول، ويتخيّل كيف ستكون محطته القادمة، فقد تعلم أن من يكتب أحلامه ويصرّ عليها ستتحقق، وليس هناك مستحيل في هذه الحياة.

ويبيّن الشلال كيف خطط لإجادة اللغة الإنجليزية، ثم قام بترجمة شهاداته وخبرته إلى الإنجليزية، وتعلّم طريقه الإعلان عن نفسه، وبعد الكثير من المحاولات الفاشلة، تعلم من أخطائه، ونجح في مراسلة الشركات عن طريق البريد الإلكتروني والتعريف عن نفسه وخبراته بالشكل الصحيح، فجاءه الرد الإيجابي من إحدى الشركات النمساوية.

كسب الشلال (وسط) علاقات جيدة مع النمساويين من خلال عمله التطوعي

فرصة عمل

ومن خلال التواصل والمراسلات عبر البريد الإلكتروني حصل الشلال على العمل في شركة “أنطون بار” (Anton Paar)، وهي إحدى شركات “إنترناشيونال” النمساوية، ويضيف أنه “بعد اجتيازي كل الاختبارات وشرح أدق التفاصيل، عرضوا عليّ الدخول في دورات تطوير خاضعة للشركة ضمن اختصاص الدراسة”.

ويسترسل “تعاقدت الشركة معي، واشترطت ألا أترك العمل وأذهب إلى شركات منافسة، وأن احتفظ بكل أسرار العمل ولا أكشف سر نجاح الشركة وبرامجها المتطورة”.

ويشير الشلال إلى أن أحلامه في السابق كانت بسيطة لا تتعدى الحصول على وظيفة لإعانة أهله وإخوته، أما اليوم فهو يطمح إلى أن تكون لديه مؤسسات ومشاريع، ينقل من خلالها الخبرة التي اكتسبها والثقافات الإيجابية إلى الشباب العربي.

وللتعرف أكثر عن عمل الشلال، أكد رئيس التسويق والاتصالات في الشركة ماكس سومر، الذي أكد أن عبد الرحمن أكمل تدريبه في مجموعة متنوعة من المجالات المؤسسية، حيث بدأ في مجال تكنولوجيا المعلومات، ثم أمضى 5 أشهر أخرى في التسويق، واكتسب خبرة في قسم التصميم، ولاحقا في قسم تطوير مواقع الويب والتسويق عبر الإنترنت.

ويلفت إلى أن الشلال يتمتع بمواهب متعددة، وهو مستعد دائما ومتحفز لتطوير نفسه، وتعلم أشياء جديدة، وهذا يجعله موهوبا في الكثير من المجالات.

ويشير سومر إلى أن الشلال سيتلقى تدريبا مهنيًّا كمبرمج أو مطور ويب في الشركة اعتبارا من الشهر الحالي، منوها إلى أن هذا التدريب المهني يتم تقديمه لأول مرة في النمسا.

الشلال حاول التعايش في النمسا وممارسة حياته وهواياته بشكل طبيعي

هجرة واندماج

في بداية وصوله إلى النمسا، واجه الشلال صعوبة في التحدث مع الناس، لأنهم يتحدثون اللغة الألمانية، ولم يستطع التفاهم معهم بالإنجليزية، وقرر أن يتعلم الألمانية بمساعدة شخص نمساوي.

و الذي ساعده في تعلم اللغة الألمانية، وهو الدكتور يوهانس روبير (70 عاما)، وهو العميد السابق لكلية الزراعة والاقتصاد في إحدى الجامعات النمساوية، حيث قال “تعرفت على عبد الرحمن بعد أن سمعت من بعض الأصدقاء عن وجود شخص عربي في منطقة أوبرهاغ (جنوب مدينة شتايرمارك في النمسا)، وكان يريد تعلم الألمانية، فذهبت للتعرف عليه، وقد أدهشني تعامله معي مما جعلني أتواصل معه بشكل مكثف وعلمته اللغة الألمانية.

وينوه روبير إلى أنه قام بإطلاع الشلال على الثقافات النمساوية، ومناطق النمسا ومدنها الجميلة التي بإمكانه زيارتها، مبديا إعجابه بشخصية الشلال، وتقبّله النصائح وأخذها بجدّية.

ويلفت إلى أن المدينة كلها أصبحت تتحدث عن اسمه، بعد أن كان السكان يسمعون عن البلاد العربية ومشاكلها، مما جعلهم يتخوفون من العرب، لكن عبد الرحمن جعل الجميع يثقون به كونه إنسانا محترما ومهذبا، ويملك أخلاقا عالية.

أما النمساوية إنغريد فورست (62 عاما)، وهي مدربة تمارين رياضية، والتي تستضيف الشلال في منزلها منذ عام ونصف العام، حيث قالت “سمعت بوجود شاب عربي يبحث عن سكن، وكانت لديّ غرفة احتياطية مع حمام، فقررت استضافته فيها”.

وترى أن قدوم شخص عربي إلى النمسا للعيش والعمل ليس سهلا بسبب الاختلافات الكبيرة في اللغة وغيرها، وهذا يتطلب الاستعداد التام للتعلم.

وتبدي فورست دهشتها من سرعة اندماج الشلال في المجتمع، عازية ذلك إلى انفتاحه وكثرة سفره، وقدرته على التحدي وتجاوز الصعوبات، مع امتلاكه الإصرار والكثير من الأفكار والإبداع لتحقيق أهدافه.

ويوجه الشلال نصائحه إلى الشباب العربي والعراقي بشكل خاص، بمواصلة الدراسة والتعليم، وأخذ ذلك على محمل الجد، مع ضرورة إتقان اللغة الإنجليزية، والاهتمام بتعلم المراسلات ونظام البريد الإلكتروني، وعمل سيرة ذاتية احترافية، وترجمتها مع جميع الشهادات إلى الإنجليزية.

ويحث الشباب على تطوير أنفسهم بالعلم الحديث ومواكبته، لكي تستقطبهم الشركات وتصبح أسماؤهم لامعة في المحافل الدولية، لأن العقول العربية نابغة، ولها تاريخ وبصمة عالمية، منوها إلى عدم وجود كلمة مستحيل أو صعب أو يأس في قاموس الحياة.

ويبيّن الشلال أنه دائما يحدّث من في النمسا عن عقول شباب وشابات العراق والعرب وذكائهم، مستشهدا بالمهندسة المعمارية العراقية الراحلة زها حديد، التي صممت أجمل البنايات، واسمها مخلد في كل مكان.

عبد الرحمن يستثمر أوقات فراغه في العمل التطوعي مع الصليب الأحمر

عمل تطوعي

وإضافة إلى عمله في الشركة، يستثمر الشلال أوقات فراغه في العمل التطوعي في وظيفة مسعف ومساعد طبيب طوارئ في مركز الصليب الأحمر في مدينة لايبتنز النمساوية.

ويشير إلى أن عمله التطوعي أكسبه شعبيه كبيرة، حيث أسعف الكثير من الأشخاص، وكان في الصفوف المتقدمة لمواجهة فيروس كورنا (كوفيد-19).

ويختم بالقول “هذه الإنسانية وحب مساعدة الناس تعلمتها من أبي وأمي منذ صغري، وأهلي في بغداد يعلمون ما أقوم به وهم فخورون جدا بي”.

 

Check Also

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …