فى الأول من ديسمبر من كل عام تنظم الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية (WHO) حملة إعلامية ضخمة تحت عنوان «اليوم العالمي للإيدز»، للتعريف بمخاطر الإصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة (AIDS/HIV)، الذي أصاب ما يقرب من مليوني إنسان حول العالم في عام 2019، وأودى بحياة حوالي 700 ألف شخص فقط في نفس العام.
وعلى الرغم من خطورة المرض الذي راح ضحيته الملايين، لم تسفر جهود العلماء والأطباء حول العالم عن الوصول لعلاج، أو لقاح يقضي، أو يحد من انتشاره.
العالم اليوم منشغلٌ بأخبار فيروس كورونا المستجد ولقاحاته المتعددة، وفي وسط معمعة إصابة أكثر من 79 مليون إنسان بكورونا، أعلن الاتحاد الأوروبي عن أول تجارب اللقاح الجديد الذي قد ينهي الإيدز.
ومن المفترض أن تجارب اللقاح الجديد المعملية أظهرت فوارق إيجابية عن المحاولات السابقة التي فشل بعضها بعد تجارب معملية وحقيقية استمرت 10 سنوات.
آخرها بكلفة 100 مليون دولار.. لماذا تفشل لقاحات الإيدز
في مطلع مارس (أذار) 2019 أعلنت مؤسسة الدعوة العالمية لمكافحة فيروس الإيدز (Global Advocacy for HIV prevention) عن إيقاف مشروعها لتطوير لقاح مضاد لفيروس الإيدز المعروف باسم «HVTN 702»، بعد تجارب معملية وبشرية استمرت لعقد كامل.
اعتمدت تجارب تصنيع لقاح «HVTN 702» على دراسة طويلة الأمد بحثت في وضع الإصابات بدولة تايلاند منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، وحتى صدور الدراسة بشكل رسمي عام 2009، بما تحويه من نتائج يمكن أن تسهم في الوصول للقاح فعّال يحمي من الإصابة بالمرض.
ولكن بعد سنوات من التجارب البشرية في تايلاند أظهر اللقاح فاعلية بنسبة 31% فقط مع المشاركين؛ ما يعني أنه تقدّم عادي مع النظر في فاعلية الأمصال الاعتيادية التي يحصل عليها الأطفال في الأعمار المبكرة، إذ تعمل على الأقل بنسبة 85%.
ومن الجدير بالذكر أن 129 مِمَن حصلوا على اللقاح أصيبوا بعد عامين بالإيدز.
يمكن إرجاع فشل اللقاح لنفس العوامل التي أفشلت اللقاحات التي حاول العلماء والباحثون تطويرها في العقود الماضية.
في المعتاد يدخل الفيروس أو جزء من تكوينه الوراثي في مادة اللقاح، لمنح فرصة للجهاز المناعي للتعرف على تكوين الفيروس، ومن ثم يطور آليات جديدة لمكافحته والقضاء عليه في حال أصيب به الإنسان. ولكن عند تصنيع لقاح الإيدز واجه العلماء مشكلتين: الأولى أن فيروسات الإيدز الميتة التي ترفق باللقاح لم تُحدث رد الفعل المطلوب.
المشكلة الثانية في أن الجهاز المناعي للإنسان لا يتعرف على الفيروس عندما تحدث العدوى؛ لأن الإيدز يبقى أحيانًا في حالة خمول لفترة طويلة، تصل إلى 15 عامًا، دون وقوع الإصابة، وحالة الخمول هذه تؤثر على فاعلية المصل.
فيروس نقص المناعة المكتسبة من عائلة الفيروسات الارتجاعية؛ تصيب جسم الإنسان من خلال دمج محتواها الوراثي (DNA) داخل المحتوى الوراثي للخلية البشرية؛ لتتحكم في كافة وظائف ومصادر الخلية، ومن ثم تسخرها لتدخل في عملية فائقة السرعة والكفاءة لإنتاج ملايين النسخ من الفيروس نفسه، حتى يحقق الفيروس انتشارًا سريعًا في باقي الخلايا.
ويتلخص عمل اللقاح أو العلاج الفيروسي في آليتين، الأولى منع الفيروس من التسلل إلى الخلية المناعية البشرية، والآلية الثانية تعطيل عملية دمج المحتوى الوراثي للفيروس مع المحتوى الوراثي لخلايا الإنسان، عن طريق وضع جزيئات على الجزيئات المركبة للمادة الوراثية البشرية، للتغيير من شكلها الظاهري الذي يتعرف عليه الفيروس، فلا تتم عملية الدمج الوراثي؛ ولأن الفيروس لا يمكنه الاستمرار لفترة طويلة دون إصابة خلية بشرية، يموت ويختفي أثره.
ولكن لماذا لم يتوصل العلماء حتى الآن للقاح يقضي على الإيدز؟ اللقاح الفعال بحاجة للتعرف على تركيبة الفيروس، ولكن في حالة الإيدز، يحدث الفيروس طفرات وراثية باستمرار تغيّر من تركيبه ومحتواه الوراثي؛ ما يعطّل قدرة اللقاح في التعرف عليه.
ماذا عن اللقاح الأوروبي الجديد؟
في 2015 شكلت كلية لندن الرائدة في مجال الصحة العامة فريقًا من 35 عالمًا من أشهر علماء مكافحة الأمراض المعدية، للعمل على مشروع بحثي للتوصل للقاح يقضي على انتشار مرض الإيدز، بتمويل من الاتحاد الأوروبي قدره 24 مليون يورو، ويعرف المشروع البحثي باسم «المبادرة الأوروبية للقاح الإيدز 2020 (EAVI2020)».
وبعد خمس سنوات من البحث توصل العلماء إلى لقاح مركّب، مكون في الأساس من لقاحين منفردين من أجل مضاعفة آليات مكافحة الفيروس عند حدوث الإصابة. ويستهدف المشروع حقن 1600 شخص تتراوح أعمارهم بين 18 – 40 عام مِمَن هم أكثر عرضة للإصابة بالمرض في السنوات الثلاث القادمة.
وتتضمن الخطة تجريب اللقاح في أمريكا، وأوروبا، وأفريقيا، ولكن التجارب الأولى بدأت بالفعل الأسبوع الماضي في أوغندا، وستليها دول: تنزانيا، والموزمبيق، وجنوب أفريقيا، واختيرت هذه الدول لتكون في المرحلة الأولى من التجارب؛ لأن فيها النسبة الأكبر من عدد مصابي الإيدز في العالم.
في الخطة الجديدة لتجربة اللقاح سيتابع المشاركون في التجربة يوميًا، مع مجموعة من الأدوية لمنع أية احتمالية للإصابة بالإيدز احتياطًا في حال فشل اللقاح، أو كانت له أعراض جانبية سلبية.
يحمل مشروع لقاح الاتحاد الأوروبي الجديد أملًا لكثير من المهددين بالإصابة بالإيدز خاصةً مع انتشاره في بعض المناطق، مع وجود 21 مليون مصاب بالمرض في العالم، بحسب بيانات الأمم المتحدة. فهل سينهي اللقاح هذا المرض؟