رغم ظهور لقاح واعد للقضاء على جائحة فيروس كورونا، فإن الكثير من الأسئلة تطرح نفسها معه، منها هل يمكن الإصابة مرة ثانية بالفيروس، وهل ينقل المتعافي من كورونا المرض للآخرين؟ وأيهما أفضل مناعة الجسم أو اللقاح؟
نستعرض في هذا التقرير بعض أكثر الأسئلة شيوعاً وأحدث الإجابات نقلاً عن هيئات طبية عالمية، مع استكمال المجتمع الطبي دراسة هذا الفيروس.
كيف يعمل جهاز المناعة؟
يتكون جهاز المناعة في جسم الإنسان من نظامَي دفاع:
الأول جاهز دائم الذهاب إلى العمل بمجرد اكتشاف أي غاز أجنبي في الجسم، ويُعرف باسم الاستجابة المناعية الفطرية. عمل هذا الخط الدفاعي الأساسي هو إطلاق المواد الكيميائية التي تسبب الالتهاب وخلايا الدم البيضاء التي يمكن أن تدمر الخلايا المصابة.
لكن هذا النظام ليس خاصاً بفيروس كورونا، ولا ينجح معها، فلا يتعلم ولا يمنح صاحبه مناعة ضد فيروس كورونا.
بدلاً من ذلك أنت بحاجة إلى الاستجابة المناعية التكيفية؛ الخط الدفاعي الثاني.
في هذه المرحلة يقع العائق على خلايا تنتج أجساماً مضادة مستهدفة يمكن أن تلتصق بالفيروس من أجل إيقافه، إلى جانب الخلايا التائية التي يمكنها مهاجمة الخلايا المصابة بالفيروس فقط، فيما يُسمى “الاستجابة الخلوية”.
لكن هذه العملية تستغرق وقتاً، إذ تشير الدراسات إلى أن الأمر يستغرق حوالي 10 أيام لبدء صنع الأجسام المضادة التي يمكن أن تستهدف فيروس كورونا. وبالتالي يطور المرضى الأكثر مرضاً أقوى استجابة مناعية.
هل يمكن الإصابة بكورونا مرتين؟
خبير الأمراض المعدية الأمريكي مارك كورتبيتر قال لمجلة Forbes: “بعدما كان الأمر غير مؤكد بات لدينا الآن دليل على أن الناس يمكن أن يصابوا مرة ثانية”.
وأوضح أن الإطار الزمني بين الإصابة الأولى لهؤلاء الأفراد إلى وقت الإصابة الثانية تراوح بين 3 أسابيع إلى 142 يوماً، (أي قرابة خمسة شهور).
لماذا تتكرر الإصابة رغم تشكيل المناعة أجساماً مضادة؟
أجاب كورتبيتر: “عادة، بعد وقت قصير من إصابتنا بالفيروس تتعرف أجسامنا على الفيروس وتخرجه بسرعة إذا تعرضنا مرة أخرى له، ولكن لسوء الحظ فإن فيروسات RNA، مثل الإنفلونزا و SARS-CoV-2 (التي تسبب مرض Covid-19) ترتكب أخطاء لأنها تنسخ نفسها”.
وشرح موضحاً أنه عندما تتكاثر ملايين المرات تتراكم هذه الأخطاء وتغير في النهاية بعض البروتينات التي يصنعها الفيروس؛ فإذا حدثت تغييرات كافية، فهناك احتمال ألا يتمكن الجسم من محاربة الفيروس الجديد المعدل إذا ما تعرض له.
تشبه ذاكرة الجهاز المناعي إلى حد ما ذاكرتنا، فهي تتذكر بعض أنواع العدوى بوضوح، ولكن لديها عادة نسيان فيروسات أخرى.
وبما أن فيروس كورونا المستجد Sars-CoV-2، ظهر منذ فترة غير كافية لمعرفة المدة التي تستغرقها المناعة، هناك 6 فيروسات كورونا بشرية أخرى يمكن أن توضح الصورة.
تنتج 4 فيروسات منها أعراض نزلات البرد والمناعة ضدها قصيرة العمر، وقد يُصاب المرضى بها مرتين في غضون عام واحد.
واقترحت أبحاث أجرتها جامعة King’s College البريطانية أن مستويات الأجسام المضادة التي تقتل فيروس كورونا تضاءلت خلال الدراسة التي استمرت 3 أشهر.
ولكن حتى إذا اختفت الأجسام المضادة فإن الخلايا التي تصنعها، والتي تسمى الخلايا البائية، قد تظل موجودة، وبالفعل تم العثور على الخلايا البائية للإنفلونزا الإسبانية في الأشخاص بعد 90 عاماً من هذا الوباء.
إذا كان الأمر كذلك مع فيروس كورونا المستجد فإن الإصابة الثانية ستكون أخف من الأولى.
كما أنه ليس من المعروف أيضاً ما يحدث للخلايا التائية على المدى الطويل، لكن تم العثور على الخلايا التائية ضد فيروس السارس الأصلي (متلازمة الجهاز التنفسي الحادة الوخيمة) بعد 17 عاماً.
هل تعمل مناعة المتعافي من كورونا كما المصل؟
في التجربة السريرية لشركة فايزر تم إعطاء حوالي 44000 متطوع في 3 بلدان جرعتين من اللقاح، أو جرعتين من الدواء الوهمي، كل ثلاثة أسابيع.
استغرق الأمر شهرين فقط من المتابعة لرؤية التأثير المذهل، بحسب ما نشرته مجلة Inquirer.
سجلت مجموعة اللقاحات 8 حالات فقط، بينما سجلت مجموعة الدواء الوهمي 162 حالة، ما يعني أن اللقاحات كانت فعالة بنسبة 95% في درء فيروس كورونا.
وتضيف وثائق الإحاطة التي نشرتها شركة فايز بأن الحماية بدأت تظهر في غضون 10 أيام من الجرعة الأولى، وهو ما قلَّل من فرصة الإصابة بنحو 52%.
وخلص علماء إدارة الغذاء والدواء الأمريكية إلى أنه بعد الجرعة الثانية ارتفعت تلك النسبة إلى 95%، وكانت متشابهة “عبر الفئات العمرية والأجناس والمجموعات العرقية والإثنية والمشاركين الذين يعانون من حالات طبية مرتبطة بارتفاع مخاطر الإصابة بفيروس كوفيد “9”.
في المقابل فإن صفوف “جيش” نظام المناعة لدى الإنسان تعمل على الشكل التالي: تستطيع الجزيئات الأولى التي تبدأ بالمعركة التعرف على ما إذا كان الغازي فيروساً غريباً أم لا، لذا فهي تهاجم بشكل عشوائي أي شيء لا ينبغي أن يكون موجوداً.
وقالت الدكتورة جوان لانغلي، رئيسة فريق عمل لقاحات COVID-19 الكندية، وأخصائية الأمراض المعدية للأطفال وباحثة اللقاحات بجامعة دالهوزي “إن وحدات الاستخبارات المنسقة لجهاز المناعة لدينا -التي يتم تجنيدها عندما نتعرض لعدوى طبيعية أو لقاح- تصل لاحقاً لاكتساب “معلومات” مهمة للتعرف على الفيروس وتذكره. وبهذه الطريقة يمكن أن يطلق استجابة مناعية سريعة وفعالة إذا دخل هذا الجسم الغازي مرة أخرى”.
أما لقاح فايزر فهو مصنوع لتحفيز رد فعل مناعي ضد الفيروس، مشابه لهذه الاستجابة المناعية الطبيعية، لذلك “يتذكر” الجسم الفيروس ويكون مستعداً لتحييده قبل أن يتسبب في المرض.
لكن إلى متى تستمر هذه الاستجابة بعد مواجهة الفيروس -أو اللقاح- لا يزال الأمر غير محسوم، حسب لانغلي.
هل ينقل المتعافي من كورونا المرض؟
للأسف، الأمر ليس مضموناً، ولهذا السبب أعربت منظمة الصحة العالمية عن قلقها من إقدام الدول على استخدام جوازات سفر خاصة بالمناعة ضد كورونا.
إذا ما أظهر اختبار الأجسام المضادة وجودها في جسمك، تستطيع العودة للعمل بشكل طبيعي، وهو أمر يفيد بشكل خاص الموظفين في دور الرعاية أو المستشفيات، الذين يتعاملون مع أولئك المعرضين لخطر الإصابة بأعراض حادة.
ولكن بينما ستجد بعض الأجسام المضادة في كل مريض تقريباً، فهي ليست متساوية التأثير.
إذ يمكن تواجد أجسام مضادة محايدة، وهي تلك التي تلتصق بفيروس كورونا، وتكون قادرة على منعه من إصابة الخلايا الأخرى.
وأظهرت دراسة أجريت على 175 مريضاً تم شفاؤهم في الصين أن 30% لديهم مستويات منخفضة جداً من هذه الأجسام المضادة المحايدة.
وتطرح مشكلة أخرى نفسها، وهي أن الحماية التي تقدمها أجسامك المضادة لا تكفي لاحتواء الانتشار، فما زال بإمكانك أن تحمل الفيروس دون أن تشعر به وتنقله للآخرين.