من العدل التصريح بأن الطب هو أحد أعظم إنجازات البشرية؛ فمنذ أن استخدم الإنسان النباتات لتخفيف الألم، إلى إنتاج لقاحات متعددة عالية الفعالية في أقل من 12 شهراً لفيروس جديد تماماً كفيروس كورونا، يمكن للبشرية أن تفخر بهذا الإنجاز.
لكن قد لا نكون النوع أو الجنس الوحيد الذي يعرف أشياء معينة في الطبيعة يمكن أن تساعد في علاج الأمراض.
إذ كشفت ورقة بحثية جديدة أن عصافير الخميرة (Passer cinnamomeus) في الصين تستخدم أوراق الشيح (Artemisia verlotorum) في عشها كدواء وقائي لتقليل الطفيليات ومساعدة صغارها على النمو.
وهذه ليست المرة الأولى التي يكتشف فيها العلماء أن الحيوانات تستخدم الطب النباتي كنوع من العلاج، إذ إن الأفيال الحبلى في كينيا تأكل ورقة نبات معينة للحث على الولادة، بينما تستخدم العديد من الثدييات الأخرى النباتات الطبية للتداوي الذاتي- أحياناً للوقاية من المرض أو للشعور بتحسن بعد ألم معين.
كيف اكتشف العلماء حيلة الطير؟
أدهش هذا العصفور الصغير العلماء بقدرته على تمييز النباتات واختيارها دوناً عن غيرها للحماية من الأمراض.
وكتب الباحثون في ورقتهم البحثية الجديدة بقيادة عالم البيئة بجامعة هاينان نورمال كانشاو يانغ لموقع Sciencealert: “في الصين تدمج العصافير الخمسية أوراق الشيح في أعشاشها في نفس الوقت تقريباً الذي يعلق فيه السكان المحليون الشيح على أبوابهم كعرف تقليدي خلال مهرجان قوارب التنين”.
يؤمن الصينيون أن هذه العادة المحلية المتوارثة منذ أجيال توفر الحماية من الأمراض.
وبالفعل فإن داخل هذه النباتات مركبات مضادة للطفيليات. وقد اقترح الباحثون أن دمج أوراق الشيح الطازج في الأعشاش قد يخدم وظيفة مماثلة للعصافير.
لمحاولة إثبات هذه النظرية، أنشأ الفريق 48 زوجاً من صناديق بداخلها أعشاش، زوج واحد به 5 غرامات من الشيح، والأخرى 5 غرامات من الخيزران العادي.
بعد أن بدأت هذه الأعشاش تمتلئ بالعصافير الصغيرة، أضاف الباحثون إما المزيد من الشيح أو المزيد من الخيزران أو لا شيء كل يوم، ووازنوا كمية الأخشاب والألياف التي جلبتها العصافير نفسها إلى العش.
بدوره قال عالم البيئة في جامعة جريفيث في أستراليا ويليام فيني: “باستخدام سلسلة من التجارب السلوكية، يظهر أن الطيور تبحث بنشاط عن مواقع أعشاش قريبة من الشيح المتاح وتعيد إمداد أعشاشها بأوراق الشيح الطازجة التي تم جمعها بناءً على رائحة الأوراق فقط”.
وأضاف: “الأعشاش التي تحتوي على أوراق الشيح تحتوي على كميات أقل من الطفيليات. ومن خلال تقليل عدد الطفيليات مثل العث، فإن العصافير التي أُضيفت أوراق الشيح إلى أعشاشها كانت كتاكيتها أثقل وزناً وأكثر صحة”.
ورغم أننا لا نستطيع حقاً معرفة ما إذا كانت العصافير نفسها تعرف أن الشيح مفيد لصغارها، لكن لا بد أن السبب أكثر من مجرد استطابة العصافير لرائحة هذه النباتات.
وبالتالي الإنسان ليس وحيداً في استخدام النباتات (وأشياء أخرى) للأغراض الطبية.
يقول فيني: “تشير نتائجنا إلى أن عصافير الخميرة، مثل البشر، تستخدم الشيح كعلاج عشبي وقائي لحماية نسلها من اعتلال الصحة، وهنا لا بد من التساؤل عمن يقلد من؟!”.
أكل هذه الحيوانات أشياء تجعلها تشعر بتحسن أو تمنع المرض أو تقتل الطفيليات مثل الديدان والبكتيريا والفيروسات
حيوانات تستخدم الطب النباتي
وهذه العصافير ليست وحدها في استخدام هذه الحيلة الذكية لحماية صغارها، إذ تشترك الطيور والنحل والسحالي والفيلة والشمبانزي جميعاً في سمة تساعدها على البقاء على قيد الحياة: علاج نفسها بنفسها.
كيف؟
تأكل هذه الحيوانات أشياء تجعلها تشعر بتحسن أو تمنع المرض أو تقتل الطفيليات مثل الديدان والبكتيريا والفيروسات، أو فقط للمساعدة في الهضم.
حتى المخلوقات التي لديها أدمغة بحجم رؤوس الدبوس تعرف بطريقة أو بأخرى أنها تتناول نباتات معينة أو تستخدمها بطرق غير معتادة عندما تحتاج إليها.
وإذا ما شاهدت كلباً أو قطة تتناول الحشيش، فهذا نوع من العلاج الطبيعي بالنباتات استخدمته هذه الحيوانات لعلاج طفيليات في معدتها أو لتسكين ألم ما أو لمساعدتها على تقيؤ طعام فاسد.
يُطلق على علم التطبيب الذاتي للحيوان اسم zoopharmacognosy، وهو مشتق من حديقة حيوان الجذور (Zoo)، والأدوية (pharma)، والمعرفة
(gnosy).
ليس من الواضح مقدار المعرفة أو التعلم، ولكن يبدو أن العديد من الحيوانات قد طورت قدرة فطرية على اكتشاف المكونات العلاجية في النباتات.
نباتات علاجية تستخدمها الحيوانات
نعدد فيما يلي بعض النباتات التي تستخدمها الحيوانات كعلاج نباتي، وفق ما عددتها دورية الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة PNAS:
يُعتقد أن بعض السحالي تتعامل مع لدغة ثعبان سام عن طريق تناول جذر معين لإبطال مفعول السم.
يأكل قرد البابون في إثيوبيا أوراق نبات لمكافحة الديدان المفلطحة التي تسبب داء البلهارسيا.
تأكل الببغاوات الحمراء والخضراء، وغيرها من الحيوانات، الطين للمساعدة في الهضم وقتل البكتيريا.
تتغذى القردة الحوامل من فصيلة الليمور في مدغشقر على التمر الهندي وأوراق التين واللحاء للمساعدة في إنتاج الحليب وقتل الطفيليات وزيادة فرص الولادة الناجحة.
ويعتقد العلماء الذين يجرون أبحاثاً في علم الحيوان أن البشر يمكنهم التعلم من الحيوانات، لا سيما في العثور على أدوية جديدة، ويرجحون أن العديد من وصفات الطب الشعبي أو الطب البديل، خاصة في العالم غير المتطور، توصل إليها رجال طب كانوا يراقبون الحيوانات وهي تداوي نفسها ذاتياً.