بايونتيك وفايزر تقدمتا لطلب الحصول على ترخيص للقاحهما في أوروبا
في ظل جائحة عالمية تصيب الحياة على الكوكب بالشلل، من الطبيعي ألا يكون تحقيق الربح المادي هدفاً لأي طرف، لكن تظل شركات الأدوية التي تصنع لقاحات فيروس كورونا المتعددة مؤسسات ربحية بالأساس، فكم قد تجني تلك الشركات من أرباح؟
موقع Quartz الأمريكي نشر تقريراً بعنوان: “كيف ستستفيد شركات الأدوية من صنع لقاحات كوفيد-19″، تناول عملية تطوير وتصنيع اللقاحات بشكل عام وما تحققه شركات الأدوية حول العالم من أرباح سنوياً في الظروف العادية.
يوجد في العالم لقاحان لكوفيد-19 على الأقل، وربما ثلاثة، جاهزة للتوزيع قبل نهاية العام، وفي غضون عدة أشهر، من المحتمل أن يكون ملايين الأشخاص قد تلقوا على الأقل الجرعة الأولى من اللقاح الذي تصنعه شركات Pfizer أو Moderna أو AstraZeneca.
لقاح أكسفورد -أسترازينيكا هو الأرخص في العالم والأسهل نقلاً وتخزيناً
وصحيح أن هذه الشركات تلبي حاجة عامة ضرورية، فهي أيضاً شركات تضم مساهمين ينتظرون عائداً. وتصنيع لقاحات فيروس كورونا ربما يكون تجارة مربحة، ولكن كم ستكسب هذه الشركات؟ وكيف سيبدو سوق لقاحات كوفيد-19 على المدى الطويل؟
السعر
عكس معظم الأدوية، لا تعد اللقاحات من الصناعات التي تجلب أرباحاً طائلة. فسوقها أصغر حجماً ولا يتنافس فيها سوى القليل. وقبل كوفيد-19، بلغت قيمة السوق العالمي لجميع اللقاحات نحو 24 مليار دولار سنوياً، وهذا ليس سوى جزء صغير جداً من سوق الأدوية الإجمالي، الذي تُقدَّر إيراداته السنوية بأكثر من تريليون دولار. ويبلغ حجم سوق لقاحات الإنفلونزا، على سبيل المثال، 4 مليارات دولار، حيث تبيع شركة سانوفي، أكبر مُنتجٍ لها، بما قيمته نحو مليار دولار سنوياً.
أما في حالة لقاح كوفيد-19، فيوجد ضغط عام كبير لخفض تكلفته قدر الإمكان؛ لتوفيره على مستوى العالم، وهذا ما دفع شركات الأدوية إلى التعهد بطرح أول دفعة من عدة ملايين من الجرعات بأسعار مخفضة، من 3 دولارات للجرعة (AstraZeneca) إلى 25 دولاراً و37 دولاراً للجرعة (Moderna).
الدول الغنية تستأثر بحصة الأسد من جرعات لقاح كورونا
لكن فائدة التقدير والعلامة التجارية المرتبطة بلقاح يضع حداً لجائحة، رغم صعوبة تحديد تأثيرها الاقتصادي، ستكون كبيرة. ولا تطلب شركات الأدوية الكثير للقاحاتها، لا سيما بالنظر إلى الفائدة الاقتصادية الهائلة المترتبة على نهاية الجائحة، لأن هذا التقدير يمكن أن يضيع بسهولة بالغة إذا كان اللقاح باهظ الثمن على الناس أو الحكومات.
ومن المتوقع أن تصل عائدات لقاح كوفيد-19 السنوية، الذي يفوق حجم سوقه حجم سوق لقاح الإنفلونزا وبهامش ربح أقل (على الأقل في البداية)، إلى 10 مليارات دولار سنوياً حتى يتوقف خطر الفيروس على الصحة العامة، وهو ما قد يستغرق نحو سنتين فقط. وبالمقارنة، تحقق شركة الأدوية Merck أكثر من 7 مليارات دولار سنوياً من بيعها عقار السرطان Keytruda وحده.
ومن المرجح أن يتراجع هذا الضغط العام لخفض أسعار لقاح كوفيد-19 فور حقن أعداد كافية من الناس باللقاح، وانتهاء الجائحة. ولا نعرف حتى الآن كيف ستبدو فترة ما بعد الجائحة. فقد يستمر الفيروس في الانتشار لبضع سنوات، سيظل العالم خلالها بحاجة إلى جرعات من اللقاح. أو قد تدوم المناعة فترة كافية، وتكون قوية بدرجة كافية، للحد من انتشار الفيروس، ومن ثم تقليل الحاجة إلى لقاح.
وشركات الأدوية لن تتمكن من زيادة أرباحها على المدى القصير، لكنها قد تتمكن من ذلك حين يتوقف الفيروس عن التسبب في جائحة عالمية ولكن قبل القضاء عليه تماماً. وبغض النظر عن طول فترة ما بعد الجائحة، سيكون من الأسهل على شركات الأدوية التفاوض على أسعار أعلى لبيع لقاحاتها حين لا تكون ضرورية لاستمرار حركة العالم.
وسيساعد تراجع حجم الجرعات المطلوبة، وتراجع التدقيق العام، في تخفيف الضغط لخفض الأسعار. ولذا، في هذه الفترة، قد تتمكن لقاحات كوفيد-19- بغض النظر عن ترتيب ظهورها في السوق- من تحقيق هوامش أرباح وأرباح أعلى، حتى مع عدد أقل من الجرعات.
العرض والطلب
اللقاحات المرشحة التي أُعلنَ عن فاعليتها حتى الآن تستلزم تقنيات مختلفة، ليجري إنتاجها وتوزيعها. لقاح فايزر، على سبيل المثال، يتطلب درجات حرارة تخزين شديدة البرودة (نحو-70 درجة مئوية، أو -94 درجة فهرنهايت)، فيما يتطلب لقاح موديرنا درجات حرارة أقل برودة (-20 درجة مئوية، أو -4 درجة فهرنهايت)، لذا يصبح من الأسهل تخزين الأخير في المستشفيات، على سبيل المثال.
لكن كليهما يحتاج تخزيناً مستمراً في درجات حرارة تحت الصفر، وهو ما لا يتوافر بأجزاء كبيرة من العالم تعاني نقصاً في الكهرباء والبنية التحتية الضرورية الأخرى. قد يكون لقاح AstraZeneca، الذي لا يتطلب تخزينه درجات حرارة شديدة البرودة، خياراً أفضل في هذه الحالات. وهذا لا يعني فقط الحاجة لخيارات لقاحات متعددة فحسب، ولكن توفر سوق للعديد منها.
مخاوف من سلالات جديدة لـ فيروس كورونا
ووفقاً لكريستوفر سنايدر، أستاذ الاقتصاد في كلية دارتموث والعضو بمجموعة Accelerating Health Technologies التي تركز على الحالات المالية والاقتصادية لتطوير اللقاحات، توجد مبررات تجارية قوية لدى الشركات لإنتاج لقاحاتها، حتى إذا كانت الرابعة أو الخامسة أو السادسة في الصف.
براءات الاختراع
غير أنه توجد طريقة أخرى من المرجح أن تجني من خلالها شركتا فايزر وموديرنا المال من اللقاح، وهي ليست اللقاح نفسه، ولكنها براءات الاختراع المتعلقة بطريقة صنعه.
براءات اختراع اللقاحات تدوم 20 عاماً (مطروحاً منها الوقت اللازم للحصول على الموافقة على استخدام اللقاح)، وفي معظم الحالات، تتقدم كبريات الشركات المنتجة بطلب للحصول عليها- كما تفعل مع الأدوية الأخرى- على مستوى العالم؛ لمنع شركات الأدوية في بلدان أخرى من إنتاج الدواء أو اللقاح من دون ترخيص.
لكن براءات اختراع اللقاحات ليست دائماً مربحة، وفقاً لآنا سانتوس روتشمان، الأستاذة في مركز دراسات قانون الصحة بجامعة سانت لويس.
شاهين وزوجته أوزليم مطورا لقاح فايزر
وتقول إن اللقاح قد يرفق بعشرات البراءات، لقاح فيروس الورم الحليمي البشري HPV، على سبيل المثال، له 81 براءة اختراع. وهذه البراءات تغطي كل شيء من التركيبة، إلى طريقة إعطائه، إلى عملية تصنيعه. ولكن في كثير من الأحيان، حين يُطرح لقاح جديد في السوق، لا يوجد سوى القليل منه لم يتم تسجيل براءة اختراعه بالفعل في الماضي. تقول آنا سانتوس روتشمان: “لم يتبق كثير من الملكية الفكرية في اللقاحات. إذ تُصنع معظم اللقاحات بطرق متشابهة أو تعتمد على واحدة من الطرق القليلة لتحفيز الاستجابة المناعية”.
والتركيبات تختلف بالطبع، ولكن في حالة لقاحات كوفيد-19، مثلما تقول آنا سانتوس روتشمان، أشارت الشركات المصنعة إلى أنها لن تفرض براءات اختراعاتها على التركيبة. وحتى لو فعلت ذلك، فمن المحتمل جداً ألا تتجاوز فائدة اللقاح بضع سنوات.
لكن لقاحي موديرنا وفايزر يملكان عنصراً أهم بكثير، من العناصر التي تجعلها فعالة لعلاج كوفيد-19: الاستعانة بالحمض النووي الريبوزي المرسال mRNA لتحفيز الاستجابة المناعية.
إذ ساهم الاستثمار في تطوير لقاح كوفيد-19 في تقدم الأبحاث عن الحمض النووي الريبوزي المرسال، ويعد هذان اللقاحان أول استخدام لتقنية جديدة تماماً يمكن استخدامها لا في اللقاحات الأخرى فقط، ولكن في أنواع أخرى من العلاجات أيضاً. ومن المحتمل أن يُرفق هذا الابتكار المستخدم في اللقاحات بعديد من براءات الاختراع، ويمكن أن تتوافر عائدات ترخيصه لفترة أطول من الوقت الذي سنحتاج فيه لقاحات كوفيد. تقول آنا سانتوس روتشمان: “الفكرة هي أن الشركات لا تهتم كثيراً بلقاح كوفيد-19 بقدر اهتمامها بإطلاق الآلية التي تجعله فعالاً”.