النمسا تواجه الإرهاب بحزمة إجراءات جديدة – فهل يتأثر المهاجرون المسلمون بها

أعلنت النمسا عن حزمة إجراءات جديدة ستعرض على البرلمان خلال ديسمبر/كانون الأول المقبل للتصويت عليها، تستهدف كلاً من الإرهابيين المشتبه بهم والأيديولوجية التي تحركهم. ما تأثير هذا التوجه في محاربة التطرف على حياة المسلمين بالنمسا؟

توالت التصريحات السياسية المناهضة للإسلام السياسي بعد هجوم فيينا الدامي الذي راح ضحيته أربعة أشخاص ومنفذ الهجوم البالغ من العمر 20 عاماً. كما أعلنت حكومة النمسا عن حزمة إجراءات وقوانين جديدة لمناهضة “التطرف الإسلامي”، وهو ما يثير ارتياباً في أوساط المسلمين في النمسا.

وحذا المستشار النمساوي المحافظ سيبستيان كورتس حذو باقي القادة الأوروبيين في الآونة الأخيرة، إذ دعا لمكافحة “الإسلام السياسي” باعتباره “أيديولوجية” تشكل “خطراً على نموذج العيش الأوروبي”. من جهته، قال وزير الداخلية النمساوي كارل نيهامر في تعقيب حول العملية الأمنية التي تلت الحادث الإرهابي إنها تهدف إلى “قطع جذور الإسلام السياسي”. فما تأثير التوجه الجديد في محاربة التطرف واللغة المستعملة فيه على حياة المسلمين بالنمسا؟

إجراءات قانونية

أعلنت النمسا عن حزمة إجراءات جديدة ستعرض على البرلمان خلال ديسمبر/كانون الأول المقبل للتصويت عليها، تستهدف كلاً من الإرهابيين المشتبه بهم والأيديولوجية التي تحركهم، حسب ما أعلن المستشار النمساوي كورتس.

إجراءات بأبعاد سياسية أمنية واجتماعية أعلن عنها من خلال الحديث عن استحداث جريمة “الإسلام السياسي” ضمن الإجراءات الجديدة الهادفة لمكافحة الإرهاب، إضافة إلى موافقة مجلس الوزراء على إجراءات تهدف إلى سد الثغرات الأمنية.

وتشمل المقترحات القدرة على إبقاء المدانين بجرائم إرهابية خلف القضبان مدى الحياة، والمراقبة الإلكترونية للمدانين بجرائم الإرهاب عند إطلاق سراحهم، وتجريم التطرف السياسي بدوافع دينية، إضافة إلى تجريد الأشخاص الذين سبقت إدانتهم في قضايا تتعلق بجرائم الإرهاب من الجنسية النمساوية.

وفي حديث لـTRT عربي اعتبر عبد العاطي كريمي عضو المؤتمر الوطني لحزب الخضر وعضو البرلمان الاقتصادي لمدينة فيينا أن “هذه المقترحات لن تمر لأن حزب الخضر برفقة أحزاب أخرى لن يوافقوا عليها”، معتبراً أن “الحديث عن هذه الإجراءات بعناوين براقة غير مظبوطة لا يتعدى كونه عملية لتشتيت الانتباه والتغطية على الإخفاق الكبير لوزارة الداخلية بالنمسا”.

وشدد المتحدث في تصريحه على أن “هذه الجناية لن تصدر في القانون النمساوي”،مؤكداً أن “استحداثها ضرب من العبث”، فـ”الإسلام السياسي” غير معرف بشكل مضبوط، معتبراً أن “مقترح الحبس الاحتياطي وكل الإجراءات المعلن عنها يراد بها تشويه الدستور النمساوي”، حسب تعبيره.

من جهته اعتبر أحمد تميسح الكاتب العام لمجلس الجالية المغربية بالنمسا أنه “على الرغم من محاولةالحكومة النمساوية توضيح الفرق وتأكيد أن حربها ليست ضد الإسلام بل موجهة نحو “الإسلام السياسي”، فيوجد من يستغل الأحداث لتأجيج الأوضاع ضد المسلمين”، موضحاً “أن عنصرية تتنامى يؤججها اليمين المتطرف باستغلال هذه الأفعال الإرهابية التي يقترفها مرضى لا علاقة لهم بدين الإسلام”.

واعتبر المتحدث في تصريحات لـTRT عربي أن “محاربة المجتمعات الموازية أمر مشروع يخدم حماية صورة الدين الإسلامي وتحقيق أمان المجتمعات”. وعبَّر عن أسفه لـ”تغلغل الفكر المتطرف المدعوم في صفوف شباب غير واعٍ بحقيقة الدين ورسالته السامية”، معتبراً أن “ما يفعلونه يرسخ صورة سوداء عن ديننا ويؤجج كراهية تجاه كل معتنقيه”، حسب تعبيره.

تنامي الكراهية تجاه المسلمين

جاء في تقرير للمركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات أن أغلب الحوادث العنصرية ضد المسلمين سنة 2019 حدثت على شبكة الإنترنت، منوهاً بأن معظم الحالات المسجلة تتعلق بخطاب الكراهية أو الإهانات اللفظية بنسبة (46%). موضحاً أن هذه الاعتداءات تراوحت بين الإساءة اللفظية والاعتداء البدني وجرائم التمييز ضد المسلمين في أماكن العمل.

وأضاف تقرير المركز المعتمد على إحصائيات مؤسسة التوثيق لجرائم الإسلاموفوبيا غير الحكومية أن “معدل الجرائم العنصرية ضد المسلمين تنامى بشكل واضح”، مشدداً على أن أكثر من نصف هذه الجرائم (53%) وقع عبر الإنترنت و(31%) في أماكن عامة”. وتابع التقرير بأن “الغالبية العظمى من هذه الجرائم وقعت في فيينا، و4 من كل 5 حالات كانت الضحايا فيها نساء”.

وفي هذا الصدد اعتبر أحمد تميسح الكاتب العام لمجلس الجالية المغربية بالنمسا أنالهجمات تسببت في تغيير نظرة المجتمع النمساوي إلى المسلمين، فترى بعيونهم صدمة من الحدث، على الرغم من أنهم كانوا قبله يعيشون في سلام ومن دون ريبة من أحد مع اختلاف دينه”. وأعرب المتحدث عن أسفه “لما تُحدثه هذه الأفعال الإجرامية من تشويه لصورة الدين ومعتنقيه بسبب أفعال لا علاقة لها بما يدعو له الدين من تسامح وتعايش”.

وذكر المتحدث أن “من بين ضحايا الهجوم الإرهابي شباباً مسلمين، كذلك فإن ثلاثة آخرين ساعدوا الضحايا خلال الهجوم، من بينهم فلسطيني أنقذ شرطياً وتركيين قدما المساعدة لمدنيين مصابين، وهو ما يوضح أن المشكل ليس في ديننا بل في تأويل خاطئ ينشره متطرفون”.

وفي السياق ذاته اعتبر خالد جودة والد الشاب الفلسطيني الذي أنقذ الشرطي النمساوي خلال هجوم فيينا الأخير، في تصريح لـTRT عربي، أن “المسلم يشعر بعد تصاعد شعبية اليمين المتطرف في الدول الأوروبية بالخوف وعدم الأمان”، متمنياً أن “لا يؤثر تصاعد هذه الأصوات على التسامح السائد في هذه الدولة”.

وعن العمل الذي فعله ابنه أسامة، علق خالد جودة بالقول: “كان عملاً إغاثياً إنسانياً بعيداً كل البعد عن الحسابات السياسية، مفاده أننا شعب مسالم، يمكن أن نقدم حياتنا دعماً للسلام في المجتمع، بعيداً عن كل أشكال التطرف التي لا علاقة لها بديننا”.

تطويق المؤسسات الإسلامية

أُعْلِن بعد الهجمة الإرهابية، عن استهداف أكثر من 60 منزلاً على خلفية أوامر بتوقيف نحو 30 شخصاً، من بينهم عدة مسؤولين سابقين من المجلس النمساوي للديانة الإسلامية، عبر مداهمات الشرطة لمنازلهم، بالإضافة إلى موظف في المعهد المكلف تدريب مدرسي الدين في المدارس الحكومية. وأوضحت النيابة العامة أن هذه العملية هي نتاج تحقيق استغرق أكثر من عام ولا علاقة لها باعتداء فيينا.

كما استُغِل اقتراح لحزب الخضر يسهِّل حل الجماعات وإغلاق المساجد في حال إثبات وجود تطرُّف، لمداهمة مساجد وإقفالها.خطوات علَّق عليها عبد العاطي كريمي عضو المؤتمر الوطني لحزب الخضر بالقول: “كلها إجراءات غير قانونية وتهدد المؤسسات الإسلامية فعلاً”، موضحاً أن “الدولة تقول إنه توجد شبهات بينما لم تثبث علاقة الكثير من الأشخاص الذين جرت مداهمة بيوتهم بتنظيمات إرهابية”.

فشل أمني كبير

بعد الهجمة الإرهابية أعلن قائد الشرطة في فيينا عن توقيف رئيس قسم مكافحة الإرهاب عن العمل بعد كشف وجود ثغرات بمراقبة منفذ الهجوم. وفُتح تحقيق في سبب عدم خضوعه للمراقبة بالنمسا، على الرغم من تلقِّي الحكومة معلومات من السلطات السلوفاكية تفيد بأنه حاول شراء ذخيرة من متجر في براتيسلافا بيوليو/تموز الماضي.

وكُشف خلال التحقيق أن الإرهابي كان على تواصل مع أشخاص خاضعين للرقابة من قبل أجهزة مكافحة الإرهاب في فيينا، حسب وزير الداخلية كارل نيهامر الذي ندد بما اعتبرها “أخطاء واضحة وغير مقبولة”.

وفي هذا الصدد يقول كريمي عضو البرلمان الاقتصادي لمدينة فيينا إن “الضربة الإرهابية الأخيرة أوضحت ضعف جهاز المخابرات ووزارة الداخلية النمساويين، لأن المهاجم كان ذا سجل إرهابي، وتحذيرات المخابرات السلوفاكية لم تؤخذ بعين الاعتبار”.

وتابع المتحدث: “وزارة الداخلية بدلاً من الاستقالة تذر الرماد على العيون، بمداهمات لشخصيات ومؤسسات بطريقة كانت غير قانونية، كسرت خلالها القوات الأمنية الأبواب وبثت الرعب في المواطنين”.

 

شاهد أيضاً

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …