إثيوبيا على شفا حرب أهلية والإمارات تقف إلى جانب آبي أحمد ضد إقليم تيغراي حفاظاً على مصالحها في القرن الإفريقي، فهل يؤثر ذلك على علاقات أبوظبي مع مصر بسبب موقف رئيس الوزراء الإثيوبي في سد النهضة؟
موقع Al-Monitor الأمريكي نشر تقريراً بعنوان: “هل يؤثِّر دعم الإمارات لإثيوبيا في صراعها في تيغراي على علاقتها بمصر؟”، تناول أسباب دعم الإمارات لآبي أحمد، ومصالحها في إريتريا، وتداعيات ذلك الدعم على العلاقات مع مصر.
إثيوبيا وخطر حرب أهلية
بينما تتأرجح إثيوبيا على شفا حربٍ أهلية، هدَّدَ الجيش الإثيوبي في 22 نوفمبر/تشرين الثاني، بإرسال دباباتٍ إلى ميكيلي، عاصمة إقليم تيغراي الشمالي. وحذَّرَ الجيش المدنيين من أنه قد يقصف المدينة التي يقطنها 500 ألف نسمة.
رَّح ديجين تيسغاي، المتحدِّث العسكري باسم الجيش الإثيوبي، لهيئة الإذاعة الإثيوبية، قائلاً إن “المراحل التالية هي الجزء الحاسم من العملية، وهي تطويق ميكيلي بالدبابات وإنهاء المعركة في المناطق الجبلية والتقدُّم نحو الميادين“.
وسيطَرَ الجيش الإثيوبي على مدينة أديغرات، إحدى أكبر مدن المنطقة، وبلدتي أكسوم وأدوا في 20 نوفمبر/تشرين الثاني، وأدَّى القتال إلى مقتل مئات الأشخاص ونزوح عشرات الآلاف إلى السودان المُجاوِر.
وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني، قالت اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان إن أكثر من 600 شخص قُتِلوا في 9 نوفمبر/تشرين الثاني، في بلدة ماي كادرا بمنطقة تيغراي، على أيدي عصاباتٍ مُسلَّحة مرتبطة بإثيوبيا. وأفاد تقرير اللجنة بأن مجموعات الشباب المعروفة باسم جماعات سامري نفَّذَت، بالتنسيق مع الميليشيات المحلية وقوات الشرطة “مداهماتٍ للمنازل، وقتلت مئات الأشخاص” على أساس العرق.
دعم الإمارات لآبي أحمد
ورغم الدعوات الدولية التي يقودها الاتحاد الإفريقي لإيقاف القتال، وكذلك تحذيرات الأمم المتحدة من كارثةٍ إنسانية، رَفَضَ رئيس الوزراء آبي أحمد مبادرات إجراء المحادثات أو وقف التصعيد.
ومع احتدام الصراع في إثيوبيا، برزت دولة الإمارات العربية المتحدة كداعمٍ لأبي أحمد في حربه ضد جبهة تحرير تيغراي الشعبية.
في 6 نوفمبر/تشرين الثاني، علَّقَ الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية الإماراتي، على الأزمة الإثيوبية خلال اتصالٍ هاتفي مع جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للأمم المتحدة للشؤون الخارجية، قائلاً: “تقف الإمارات مع الدول الصديقة في حربها ضد الإرهاب والتطرُّف”، في إشارةٍ إلى دعم الإمارات للحكومة الإثيوبية ضد جبهة تحرير تيغراي.
وفي 15 نوفمبر/تشرين الثاني، اتَّهَمَ جيتاشيو رضا، المُتحدِّث باسم جبهة تحرير تيغراي، الإمارات بدعم الحكومة الإثيوبية بطائراتٍ مُسيَّرة في حربها على المنطقة، وأضاف أن هذه الطائرات تنطلق من القاعدة العسكرية الإماراتية بمدينة عصب الإريترية.
وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني، التقى سليمان ديدفو، سفير إثيوبيا لدى الإمارات، ريم الهاشمي، وزيرة الدولة الإماراتية للتعاون الدولي، ووَعَدَ الإمارات بإنهاء العملية العسكرية ضد جبهة تحرير تيغراي “في أقرب وقتٍ ممكن“.
مصالح إماراتية متشعبة
وقال شفاء العفاري، الكاتب والمُحلِّل الإريتري لموقع Al-Monitor الأمريكي إن الدعم الإماراتي لإثيوبيا مُتوقَّع، لأن السيطرة على إثيوبيا ستضمن نفوذاً كبيراً في القارة، وتمتلك الإمارات 92 مشروعاً استثمارياً في إثيوبيا في قطاعات الزراعة والصناعة والعقارات والصحة والتعدين.
وفي 20 مارس/آذار 2019، قال عبدالله بن أحمد الصالح، وكيل وزارة الاقتصاد الإماراتية للتجارة الخارجية والصناعة، خلال منتدى الأعمال الإماراتي الإثيوبي، إن صادرات الإمارات لإثيوبيا في العام 2018 بلغت 200 مليون دولار، بزيادة قدرها 46% مقارنةً بالعام 2017.
وفي 8 يوليو/تموز 2019، أعلن آبي أحمد أن بلاده سترسل 50 ألف عامل إثيوبي إلى الإمارات، في إطار برنامجٍ للحدِّ من البطالة في إثيوبيا، وفي 27 فبراير/شباط الماضي، أبرَمَ صندوق خليفة لتطوير المشاريع اتفاقيةً بقيمة 100 مليون دولار مع وزارة المالية الإثيوبية لدعم وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسِّطة في إثيوبيا.
وفي مقابلة مع محطة العين الإخبارية، في 6 أبريل/نيسان، قال وزير الخارجية الإثيوبي جيدو أندارغاشيو: “هناك العديد من الدول التي دعمت التحوُّل والإصلاحات في إثيوبيا، لكن الإمارات اضطلعت بدورٍ رائدٍ في هذا الصدد”. وأضاف: “من المستحيل تقدير الدعم الذي تقدِّمه الإمارات لإثيوبيا، خاصةً في المجال الاقتصادي“.
ماذا عن سد النهضة ومصر؟
قال العفاري إن السبب الآخر وراء الدعم العسكري الإماراتي لإثيوبيا هو مواجهة نفوذ جبهة تحرير تيغراي على جماعات المعارضة في إريتريا، ذلك النفوذ الذي يمكن أن يؤثِّر على دول الجوار، حيث تمتلك الإمارات قواعد عسكرية.
وفي 15 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلن رضا أن جبهة تحرير تيغراي هاجَمَت منشآتٍ في إريتريا، بما في ذلك مطار العاصمة أسمرة، وتتمتَّع أبوظبي بعلاقاتٍ طويلة الأمد في إريتريا، ومنذ العام 2015 تمتلك قاعدةً عسكريةً في ميناء عصب، وهي أول منشأة عسكرية من نوعها في الخارج للإمارات.
ووقَّعَت إريتريا وإثيوبيا اتفاقية سلامٍ في العام 2018 بعد سنواتٍ من الصراع. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، حصل رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد على جائزة نوبل للسلام لإبرامه الاتفاقية، وتصطف أديس أبابا وأسمرة حالياً في الخندق نفسه ضد جبهة تحرير تيغراي.
ورداً على سؤالٍ طُرِحَ حول تأثير الصراع الإثيوبي على قضية سدِّ النهضة الإثيوبي، قال العفاري إن الوضع صعب السيطرة عليه بالنسبة لرئيس الوزراء الإثيوبي. وقال إن من خلال هذا العدوان مهَّدَ آبي أحمد الطريق للتدخُّل الأجنبي، مِمَّا يقوِّض موقفه في أزمة سدِّ النهضة، ويعطي مصر ورقة ضغطٍ لاستخدامها.
وقال العفاري إن الدعم الإماراتي لإثيوبيا في حربها ضد جبهة تحرير تيغراي قد يؤدِّي إلى أزمةٍ بين الإمارات ومصر، وقد تتدخَّل مصر لدعم جبهة تحرير تيغراي، ما سيضع القاهرة في صراعٍ غير مباشر مع أبوظبي.
وفي مقالٍ نُشِرَ في 19 نوفمبر/تشرين الثاني بمجلة Foreign Policy الأمريكية، توقَّع أليكس دي وال، مدير مؤسَّسة السلام العالمي، حدوث فوضى في شمال إفريقيا، وقال إن دولاً أخرى من المُرجَّح أن تدخل في الصراع بسبب التدخُّل الأجنبي لإريتريا والإمارات.
لكن اللواء حاتم باشات، الوكيل السابق لجهاز المخابرات العامة وعضو لجنة الشؤون الإفريقية في البرلمان المصري، قال لموقع Al-Monitor إن “العلاقات المصرية الإماراتية قوية وقائمة على تقارب وجهات النظر حول العديد من القضايا الإقليمية، وعلى رأسها مواجهة التحالف التركي القطري في الشرق الأوسط“.
وأضاف باشات: “إن دعم الإمارات للنظام الإثيوبي لا يهدف فقط إلى خلق مناطق نفوذ في إفريقيا، بل يسعى أيضاً للحفاظ على مصالح الإمارات في إثيوبيا. ومصر حاضرةٌ في إفريقيا وستتعامل مع إثيوبيا بالشكل الذي يناسب مصالحها، وستسعى لاستخدام العديد من الأوراق، بما فيها إريتريا، للضغط على إثيوبيا، إذ تضطلع إريتريا بدورٍ رئيسي في الصراع الإثيوبي الداخلي“.
وفي 18 نوفمبر/تشرين الثاني، التقى وزير الخارجية المصري سامح شكري نظيره الإريتري عثمان صالح، ويماني جبر أب، المستشار السياسي للرئيس الإريتري، لمناقشة الوضع.