النمسا تداهم نحو 60 موقعاً في 4 مدن مختلفة تزعم أنها كيانات تابعة للإخوان وحماس بدعوى مكافحة الإرهاب ، تتخذ النمسا مجموعة من الإجراءات الأمنية التي تتستر بغطاء “مكافحة الإرهاب”، بعد الهجوم الذي شهدته مؤخراً (2 نوفمبر/تشرين الثاني) وأسفر عن مقتل 5 أشخاص بينهم منفذ الهجوم، وإصابة 17 آخرين وتبناه لاحقاً تنظيم “داعش” الإرهابي.
فما طبيعة هذه الإجراءات؟ وهل هي محاولة لمكافحة الإرهاب فعلاً أم تعبير عن تزايد العداء اليميني تجاه المسلمين والمهاجرين؟ أم هي تغطية لفشل أمني وإلصاق له بالمسلمين؟
خلط جميع الأوراق
بعد أيام قليلة من وقوع الهجوم الذي نفذه مواطن نمساوي من أصل مقدوني يدعى كوجتيم فيزولاي (20 عاماً) داهمت الشرطة النمساوية (9 نوفمبر/تشرين الثاني) أكثر من 60 موقعاً في أربع مناطق مختلفة، “يٌشتبه بأنها على صلة بجماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس الفلسطينية”.
ما أعلنته الرواية الرسمية أن المداهمات “ليست جزءاً من التحقيقات المرتبطة بإطلاق النار الأخير” بحسب بيان الادعاء العام النمساوي، الذي أكد أنها “عملية أمنية في إطار تحقيقات مكثفة وشاملة مستمرة منذ عام لمكافحة الإرهاب”.
لكن أسفرت المداهمات عن غلق عدد من الجمعيات الإسلامية والمساجد والمحلات التجارية وتفتيش منازل تابعة للاخوان وحماس، وتجميد حسابات بنكية لعدد من المؤسسات والشخصيات حسب ما أعلنته الصحافة المحلية، في بلد تبلغ فيه نسبة المسلمين نحو 8% من عدد السكان بحسب دراسة لجامعة سالزبورغ عام 2019.
وأكد عدد من الحقوقيين أن المداهمات أسفرت عن اعتقال 30 بين أكاديميين ونشطاء بارزين في الاخوان وحماس، وإطلاق سراح آخرين بينهم ناشط مصري يعمل في منظمة الإغاثة الإسلامية ويعيش في النمسا، بعد إطلاق سراحه قال: إن “الكلمات تعجز عن وصف تفاصيل ما حدث” وفقاً لوكالة الأناضول.
وقال الناشط الذي رفض نشر اسمه خوفاً من تعرضه لمضايقات، إنه استيقظ من نومه على رشاشات مصوبة فوق رأسه بعد أن اقتحمت الشرطة منزله في الصباح الباكر، وتابع: “كان يكفي إرسال رسالة أو الطرق على باب منزلي إذا كانت الشرطة ترغب فقط في استجوابي، لكنهم عاملونا كإرهابيين”.
لاحقاً أعلنت الصحف النمساوية أن “ممثلي الإخوان المسلمين في النمسا، وبغض النظر عن بلدانهم الأصلية، يؤيدون أنشطة حماس الإرهابية”، إذن هكذا تحاول النمسا مقاومة الإرهاب على حد زعمها؟ بمعاداة “المسلمين والمؤيدين لحماس ” !
تغطية على فشل أمني
بعد الهجوم الإرهابي في فيينا، كشف مسؤولون نمساويون عن “إخفاقات استخباراتية جديدة”، دفعت رئيس جهاز مكافحة الإرهاب في المدينة إريك سفيتلر إلى التنحي عن منصبه.
فقد تبين أن المسلح النمساوي المقدوني الذي ارتكب الهجوم حاول شراء أسلحة في سلوفاكيا في يوليو/تموز الماضي، وتم إيقافه وأبلغت السلطات السلوفاكية النمسا بالتفاصيل.
كما اعترفت السلطات النمساوية بأنه التقى بشخصين من ألمانيا “كانا تحت المراقبة بالفعل” وفقاً لوكالة BBC الإخبارية، وبعد وقوع الهجوم أعلنت المديرية العامة للأمن التركي أن الشخص نفسه تم إيقافه في أثناء محاولة عبوره إلى سوريا للالتحاق بتنظيم داعش الإرهابي عام 2018، وقامت السلطات التركية حينها بإيقافه وترحيله إلى بلاده النمسا، وأكدت أنها “زودت النمسا بوضعه الأمني عند ترحيله إليها”.
إذن فماذا كانت تنتظر السلطات النمساوية لتقوم بمراقبته على الأقل؟ أن يقوم بإخبارها رسمياً قبل تنفيذ هجومه المسلح؟!
وهل تتمثل إجراءات مكافحة الإرهاب في مراقبة الأفراد المشابهين أم مداهمة مساجد وجمعيات إسلامية بتهمة الارتباط بحركة حماس المقاومة للاحتلال الإسرائيلي؟!
تصاعد الإسلاموفوبيا في أوروبا
ويبدو أن اليمين الأوروبي يستغل خطاب العداء للمسلمين والأجانب لتمرير أجندته السياسية. فقد صرح المستشار المحافظ النمساوي سيباستيان كورتس عقب هجوم فيينا الإرهابي بأنه “يعتزم محاربة الإسلام السياسي”، الذي يمثل على حد تعبيره “عقيدة تشكل خطراً على النموذج الأوروبي للحياة”.
تزامناً مع ذلك الخطاب العدائي، تكشف الإحصائيات عن ارتفاع نسبة حوادث الإسلاموفوبيا في النمسا، فقد ارتفعت من 309 اعتداءات عام 2017، إلى 1051 عام 2019 .
الناشط النمساوي مايكل بروبستينغ وصف المداهمات الأخيرة للجمعيات الاخوانية والنشطاء بأنها “مؤشر واضح على قمع الأديان الأخرى”، وشبهها بالسياسة الفرنسية مؤخراً.
وتابع بروبستينغ “يبدو أن حرية التعبير تقتصر فقط على تشارلي إيبدو وأولئك الذين يكرهون الإسلام حسب تعبيره، أما الذين يحاولون الدفاع عن حقوق المسلمين فليس من حقهم التمتع بحرية التعبير”، واصفاً ما حدث بأنه “فضيحة كبيرة” وفقاً لحديثه مع وكالة الأناضول.
وأضاف بروبستينغ “أنا لست مسلماً لكن هذا لا يهم، يجب على الجميع مسلمين وغير مسلمين الدفاع عن الحقوق الأساسية التي تكفلها لنا الديمقراطية”، حسب اعتقاده