هل تؤثر مقاطعة العالمين العربي والإسلامي على الاقتصاد الفرنسي حقاً؟

جاءت الانتقادات السريعة من قبل باريس للدعوات إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية في العالمين العربي والإسلامي لتشير إلى انزعاج واضح من صانع القرار الفرنسي.. الأمر الذي يطرح سؤالاً: هل تؤثر المقاطعة على الاقتصاد الفرنسي أكثر مما فعلت مع أمريكا قبل سنوات؟

ولأسباب متعددة قد تكون فرنسا أكثر تضرراً من أي دعوات لمقاطعة منتجاتها في العالمين العربي والإسلامي مقارنة بمعظم الدول الغربية الأخرى؟

تحريض على المجتمع المدني

اللافت أن بيان الخارجية الفرنسية الذي انتقد الدعوات إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية، حمل لغة ومصطلحات غريبة مثل الحديث عن أن هذه الدعوات تصدر مما وصفته بـ”أقلية متطرفة”.

وكأن الإساءة للرسول وإصدار قوانين تمييزية ضد المسلمين، هي دلائل الاعتدال، وحرية التعبير، بينما المقاطعة التي هي سلاح الضعفاء والذي استخدمه غاندي وقادة جنوب إفريقيا والعديد من النشطاء الأوروبيين هي مظهر من مظاهر التطرف.

والأغرب أن البيان يطالب الدول العربية الإسلامية بأن تمنع الجهات المحلية لديها من مقاطعة المنتجات الفرنسية (علماً بأنها تريد منع بيع المنتجات الحلال في متاجرها)، وكأن باريس تحرض الحكومات العربية على المجتمع المدني لديها، وهي التي تعلم أكثر من غيرها بمحنة الحريات في المنطقة، فتريد أن تزيدها مأساوية.

وبصرف النظر عن اللهجة الغريبة واللاديمقراطية في البيان الفرنسي، فإنه يعبر عن انزعاج حاولت وسائل الإعلام الفرنسية تجاهله في البداية، كما ظهر في تغطية وسائل الإعلام الفرنسية الناطقة بالعربية التي أشارت إلى المقاطعة لماماً، وتجنبت إبرازها رغم أن الدعوات للمقاطعة كانت تملأ التعليقات التي تكتب على صفحات هذه الوسائل على مواقع التواصل الاجتماعي.

وليست هذه أول مرة تصدر دعوات لمقاطعة دول غربية في العالمين العربي والإسلامي، ولكن أشهرها الدعوات لمقاطعة المنتجات الأمريكية في مطلع القرن الحادي والعشرين، بسبب الدعم الأمريكي لإسرائيل.

هل تؤثر المقاطعة على الاقتصاد الفرنسي؟

ومع أنه يصعب رصد مقدار نجاح المقاطعة للمنتجات الأمريكية، ولكن يمكن القول إن قدرة العالمين العربي والإسلامي على التأثير على فرنسا عبر المقاطعة أكبر من قدرته على فعل ذلك مع أمريكا.

فعلى عكس أغلب الدول الغربية فإن علاقات فرنسا الاقتصادية مع العالمين العربي والإسلامي وثيقة، والوزن النسبي لتجارة باريس مع العالمين العربي والإسلامي (خاصة العالم العربي وتركيا وغرب إفريقيا) أكبر بكثير، من الوزن النسبي لتجارة العديد من الدول المتقدمة مع العالم الإسلامي.

فبينما يتوجه الاقتصاد الأمريكي بشكل أساسي إلى آسيا وأمريكا الجنوبية، فإن الاقتصاد الفرنسي أقل فعالية  خارج أسواقه التقليدية مثل أوروبا وإفريقيا (وهذا يعود بشكل كبير لعدم قدرة فرنسا على منافسة دول مثل ألمانيا وأمريكا وشمال أوروبا في العديد من الصناعات في الأسواق الآسيوية).

على سبيل المثال خرجت شركة رينو من سوق السيارات الصيني مؤخراً ومن المتوقع أن تتبعها بقية الشركات الفرنسية المصنعة للسيارات جراء تراجع مبيعاتها بشكل كبير في أكبر سوق للسيارات في العالم، بينما مبيعاتها في المغرب العربي كبيرة لأسباب تتعلق بالذائقة والتاريخ الاستعماري أكثر منها الجودة.

فالقرب الجغرافي والميراث الاستعماري، والدور السياسي الفرنسي، يجعل الوزن النسبي لصادرات فرنسا في العالم العربي وإفريقيا تحديداً أعلى من الوزن النسبي لها في باقي مناطق العالم (وهذا ينطبق على السياسة والثقافة).

الأمر الثاني أن فرنسا تتسم أكثر من أي دولة متقدمة أخرى، بأن صادراتها تضم نسبة كبيرة من الكماليات غير الضرورية والباهظة الثمن والتي يمكن وصفها بأنها منتجات ذات طابع اجتماعي يسهل الاستغناء عنها، بل قد يكون للاستغناء فوائد مالية دون أضرار واقعية.

الأمر الثالث أن الميزان التجاري الفرنسي يواجه مشكلات مؤخراً جراء فيروس كورونا.

فلقد اتسع العجز التجاري في فرنسا إلى 7.7 مليار يورو في أغسطس/آب من عام 2020 من 7 مليارات يورو في يوليو/تموز بعدما اقترب من مستوى قياسي بلغ 8.1 مليار يورو في يونيو/حزيران. وانخفضت الصادرات بنسبة 0.6٪ إلى 35.4 مليار يورو، وقفزت الواردات بنسبة 1.1٪ إلى 43.1 مليار يورو، وهو أعلى مستوى منذ فبراير/شباط.

ولا تزال الصادرات أقل بنسبة 17% من مستوياتها في عام 2019، بينما انخفضت الواردات الآن بنسبة 91% من متوسط مستواها لعام 2019.

الأهم أن فرنسا تحقق فائضاً تجارياً كبيراً مع منطقة الشرق الأوسط، وإفريقيا (تشمل شمال إفريقيا) وهو الفائض الذي  يعوض معاناتها من عجوزات في التجارة مع المناطق الأخرى بالأخص آسيا وأوروبا.

من الأقوى أمام المقاطعة فرنسا أم أمريكا؟

في مواجهة مزايدات الرئيس الفرنسي الانتخابية التي تتركز على استهداف المسلمين، حسب وصف زعيم اليسار الفرنسي جان لوك ميلينشون، فقد تكون المقاطعة سلاحاً فعالاً.

فالعالمان العربي والإسلامي مهمان اقتصادياً لفرنسا، ووزن فرنسا النسبي أقل من أمريكا، ومعاناة المستهلكين إذا قاطعوها سوف تكون أقل.

ولكن نقطة القوة لصالح فرنسا مقارنة بأمريكا خلال مطلع القرن الحادي والعشرين أن الاستبداد في الدول العربية والإسلامية كان أقل، وكان الحكام العرب يراعون مشاعر شعوبهم، بقدر خوفهم من الولايات المتحدة، ولذا لم يؤيدوا حملات المقاطعة ولا قمعوها.

ولكن اليوم فإن أغلب الحكام العرب أكثر استبداداً وأقل إيلاء للاهتمام لقضايا الأمة سواء فلسطين أو غيرها، وهم بالتالي من يراهن عليهم ماكرون لوأد المقاطعة، كما ظهر من بيان الخارجية الفرنسية.

 

شاهد أيضاً

حكم على كوسو دارامي، لاعب كرة القدم المحترف سابقا، والذي تحول إلى تجارة المخدرات بعد …