إسرائيل والمستبدون العرب قلقون من هزيمة ترامب تغييرات قد يُحدثها بايدن بالشرق الأوسط

أكثر من يشعر بالقلق في العالم كله من هزيمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هم أصدقاؤه المستبدون العرب، ومعهم إسرائيل، فهم يخشون خروج حليفهم من البيت الأبيض، الأمر الذي يثير تساؤل هل يغير جو بايدن السياسة الأمريكية بالشرق الأوسط، وهل يتراجع عن القرارات المدوية التي اتخذها ترامب بالمنطقة؟

لم تمُر سوى أشهر قليلة على وصول ترامب للبيت الأبيض، حتى تبين أنه جاء لإسرائيل والحلفاء بالمنطقة: السعودية والإمارات ومصر وتركيا، بالتغيرات في السياسة الخارجية التي يرغبون فيها، وأقام علاقات شخصية مع الحكام الذين ينتقدهم الكونغرس، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.

واليوم يخشى كثير من حكام المنطقة من غياب ترامب من البيت الأبيض.

حكومات الخليج قلقة من موقف بايدن من الاتفاق النووي الإيراني وحقوق الإنسان

ويحاول بعض القادة حالياً تعظيم الاستفادة من البيت الأبيض الودود على نحو استثنائي، قبل أية تغييرات ممكنة في القيادة الأمريكية؛ وذلك من خلال الضغط للحصول على أسلحة متطورة وامتيازات استراتيجية؛ في محاولة لامتصاص آثار التحول الممكن إلى إدارة ديمقراطية برئاسة جو بايدن. وأكثر ما يشغل بال إسرائيل ودول الخليج العربية هو إمكانية عودة الولايات المتحدة للانضمام إلى الاتفاقية النووية مع إيران.

وقالت باربرا ليف، التي كانت سفيرة الولايات المتحدة لدى الإمارات حتى 2018: “تتراكم كثير من الطلبات القادمة من الأصدقاء والشركاء. جميع الحكومات الخليجية تلك تدرك جيداً أنه في حالة فوز بايدن وسيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ، فستصبح أمامهم مجموعة مختلفة تماماً من الحسابات ومشهد سياسي متغير بالكامل”.

عندما وصل ترامب إلى البيت الأبيض في عام 2016، كان تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” لا يزال يسيطر على مناطق من العراق وسوريا، وعملية السلام العربية-الإسرائيلية مُجمَّدة، ووضعت الاتفاقية الإيرانية حلفاء أمريكا العرب في موقف دفاعي. ومن مصر إلى السعودية، كانت الثقة متدنية بعد أن أيَّدت إدارة أوباما انتفاضات 2011 ضد الطغاة المتحالفين مع الولايات المتحدة. لكن عقب 4 سنوات، أصبح الشرق الأوسط مكاناً مختلفاً.

إذ انسحب ترامب في عام 2018 من اتفاق إيران الذي تفاوض عليه أوباما، وأعاد فرض العقوبات، في حملة ضغط قصوى أغضبت الشركاء الأوروبيين لكنها أسعدت خصوم إيران العرب.

ومثَّل قرار ترامب اغتيال قائد إيراني كبير ضربةً لعمليات طهران في المنطقة من دون استتباع الانتقام الذي حذَّر منه بعض المنتقدين. إلى جانب ذلك، هُزِم تنظيم “داعش”؛ مما عزَّز التزام ترامب بسحب القوات من سوريا والعراق.

إسرائيل خرجت بالصفقة الأفضل

ويمكن القول إنَّ إسرائيل هي من خرجت بالصفقة الأفضل؛ إذ اعترف ترامب بسيادتها على مرتفعات الجولان التي احتلتها في حرب 1967، ونقلت إدارته السفارة الأمريكية إلى القدس المحتل، وهي خطوة قال أسلافه إنها يجب أن تأتي بعد اتفاق إسرائيلي-فلسطيني. وكشف صهر ترامب، جاريد كوشنر، عن خطة سلام تميل بقوة لصالح إسرائيل ورفضها كثيرون ووصفوها بأنها غير عملية، ومن المؤكد أنَّ تطبيقها سيثير ضجة، على غرار نقل السفارة.

بيد أنَّ رد الفعل العنيف على نقل السفارة والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان لم يأتِ قط.

لكن بدلاً من ذلك، وافقت الإمارات والبحرين على تطبيع العلاقات مع إسرائيل قبل أسابيع من تصويت الأمريكيين لاختيار الرئيس؛ مما عزَّز حظوظ ترامب قبل الانتخابات، على الرغم من أنه قطع المساعدات الأمريكية عن الفلسطينيين، وأغلق بعثتهم الدبلوماسية، وهمَّش محاولة إقامة دولة مستقلة لهم، بعدما كانت القضية الفلسطينية محورية في المنطقة. وأصبحت إيران المشكلة الأساسية في الشرق الأوسط الجديد.

وفي هذا السياق، علَّق حاييم تومر، المسؤول السابق في وكالة المخابرات الإسرائيلية “الموساد”، قائلاً: “لا أعتقد أنَّ ترامب قصد التأثير في الشرق الأوسط؛ بل كانت نيته احتواء التدخل الأمريكي في المنطقة”. وأرجع سبب تلك التحولات، إلى حد كبير، إلى التطورات الإقليمية، لكن ترامب “استغل الفرصة”.

موقف ترامب من الأزمة الإيرانية يتسم بغياب الاتساق

ومع ذلك، أصيب حلفاء ترامب بالذهول من بعض التحولات المفاجئة، مثل قرار الانسحاب من سوريا، وغياب الاتساق في إدارة الملف الإيراني الذي جعله يرفع الضغط الاقتصادي، ثم يتراجع عن العمل عندما تعرضت منشآت النفط السعودية وحركة الملاحة في الخليج لهجوم.

وقال الأمير طلال الفيصل، رجل الأعمال السعودي ومن صغار العائلة المالكة: “من ناحية، لديك عقوبات تُفرَض على إيران، نحن نتحدث عن عقوبات ضخمة، ثم بعد ذلك تجد [الولايات المتحدة] مترددة؛ لأنَّ لديها سياسات متناقضة. فهي تريد أن تلاحق إيران لكنها لا ترغب في ملاحقتها خارج حدود إيران”. واستطرد الأمير طلال قائلاً إنَّ نهج ترامب في الشرق الأوسط كان أفضل من نهج سلفه، و”ناجح إلى حد ما. لكنه بحاجة إلى استراتيجيةٍ أكثر شمولية للمضي قدماً”.

الهرولة نحو التطبيع جاءت بعد تأكد دول الخليج من أن ترامب لن يحميها

ودفع إدراك أنَّ الولايات المتحدة لن تهبَّ لإنقاذ الدول الخليجية، إلى إعادة الإمارات التفكير في سياساتها؛ لذا انسحبت من حرب اليمن الكارثية، وأزاحت الستار عن علاقاتها مع إسرائيل، لتضفي طابعاً رسمياً على العلاقة القائمة جزئياً على انعدام الثقة المتبادل بإيران.

وفي هذا الصدد، قال ديفيد ماك، سفير أمريكي أسبق لدى الإمارات عَمِلَ أيضاً بالسعودية في الثمانينيات: “هذه الاتفاقيات [اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل] كانت تحدث بالفعل، لكن ليس في العلن. الفرق هو أنَّ الإمارات والبحرين تقولان لنفسيهما: ربما نحصل على امتيازات من الولايات المتحدة إذا فعلنا ذلك في العلن”.

وعلى الرغم من أنَّ شعبية ترامب تزداد حالياً في إسرائيل، قد لا تكون لسياساته العواقب المرجوة على المدى الطويل. إذ إنَّ تهميش المساعي الفلسطينية لإقامة دولة يعني أنَّ عدد الفلسطينيين سيفوق عدد اليهود بتزايد في الأراضي التي يتصور الإسرائيليون أن يقيموا فيها دولة يهودية؛ مما يترك النزاعات الإقليمية عالقة ويثير أسئلة صعبة حول حقوق الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال.

وهنا، قال ديفيد ماك إنَّ نهج ترامب “لا يحل مشكلة إسرائيل الوجودية؛ بل سيكون من الأصعب بكثيرٍ الآن إعادة بناء عملية السلام؛ بالنظر إلى عدد التنازلات المقدمة للإسرائيليين من دون الحصول على أي شيء في المقابل”.

هل يغير جو بايدن السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط؟

حتى في عهد أوباما، كانت الولايات المتحدة تسعى إلى إخراج نفسها من صراعات المنطقة، تاركةً فراغاً في سوريا وليبيا وأرمينيا وشرق البحر المتوسط هرعت القوى الأخرى -خاصةً تركيا وروسيا- لملئه.

وإذا فاز بايدن في انتخابات 3 نوفمبر/تشرين الثاني، فسيكون هناك تغيير في اللهجة، لكن مع وجود كثير من الاضطرابات الاقتصادية والسياسية للتعامل معها في الداخل، لا توجد مؤشرات تُذكر، على أنَّ بايدن يخطط لتبني توجهات معاكسة بالكامل.

وبالنسبة للسعودية والإمارات وتركيا ومصر، ستكون العلاقات مع البيت الأبيض في عهد بايدن أكثر صرامة. وسيواجه قادتهم مزيداً من التوبيخ الأمريكي المعتاد على حقوق الإنسان واستعادة الأعراف الدبلوماسية التي تجاوزها ترامب.

وقد يسعى بايدن لإعادة الانخراط مع الفلسطينيين، لكن من غير المرجَّح أن يعكس قرار نقل السفارة أو يخاطر بالعلاقات الوليدة بين إسرائيل ودول عربية.

أما التغيير الأكثر أهمية فيتعلق على المرجح بإيران؛ إذ لمَّح بايدن إلى أنه سيسعى لإحياء الاتفاق النووي، لكن مع تشديده. وستستغرق إعادة إحياء المفاوضات بعض الوقت.

وكتبت مجموعة أوراسيا في تقرير: “ما لم تحدث أزمة كبيرة، فبالكاد ستتجه أنظار بايدن في عامه الأول بالمنصب إلى المنطقة. وعلى الصعيد المحلي، سينصبُّ التركيز على تحفيز جهود مكافحة فيروس كورونا المستجد وخدمات الرعاية الصحية، وستفوق العلاقة بين الولايات المتحدة والصين وإصلاح العلاقات مع أوروبا أهمية الشرق الأوسط في السياسة الخارجية”.

 

 

شاهد أيضاً

النمسا – حلول رقمية مبتكرة لتقليل انبعاثات قطاع التنقل

دشنت النمسا برنامجا جديدا للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة في مجال التنقل، يركز على تحقيق …