ذلك الطفل بالداخل

فيينا – دكتور هادى التونسي — 

– تبهرنا الاختراعات العلمية المتوالية، تتحقق بها الأحلام واحدة بعد أخرى، لا نكاد أن نستوعب إحداها أو نستهلك سلعة تطبقها حتى نسمع عن الجديد في نفس المجال أو نحوه ، ولا نلبث أن نصدق أن حلما يتجسد حتى نرى معجزة جديدة، ليتضاءل حيز المستحيل ويتعاظم شأن الإنسان، ذلك المبتكر دون حدود المتطور دون انقطاع.

– نبحث عن سبب لتسارع عجلة التطور المتزايد في عالمنا المعاصر، هل هو تعليم ينمى العقل الناقد وملكات الدارس ، أم هي ثورة معلومات في عصر الحاسبات الإلكترونية، أم هي ثقافات تثرى الروح وتنير المستقبل ، أم سياسات حكومات وشركات تشجع البحث العلمي، أم العائد المادي للمخترعين في عصر العولمة وانفتاح الأسواق؟

– هو بالتأكيد كل ذلك، ولكن كيف يتأتى لأفراد دون نظرائهم في نفس المجتمع أن يكونوا هم المبتكرين؟ هل السبب امتلاك الذكاء والعزيمة والتصميم وبذل الجهد المتفاني؟ هل هو الايمان بالهدف والثقة بالنفس أوأن الحاجة أم الاختراع كما يقال؟. هي كلها دوافع وأسباب تمنح القوة لصاحبها، ولكنها قد لا تأتى بجديد دون فكر يتحدى المألوف أو إلهام يتجاوز المنطق ، يتيحان لعوامل القوة والجهد أن تنتج اختراعا علميا أو إبداعا فنيا.

– فمن هو إذن ممتلك الفكر المجدد وإلهام الحدس؟ وهل ذلك بالضرورة وليد ذكاء موروث أو فطرة جلب عليها الفرد ؟ أم نتاج جهد فردى أحسن الإفادة من ظروف محيطة مواتية؟ وكيف يمكن للفرد أن يصل لتلك الحالة الذهنية المتميزة بالابتكار والإلهام ؟

– لكل مجتمع عادات وتقاليد وموروث ثقافي واجتماعي وديني يقرب المفاهيم ويشكل خلفية للقوانين والنظم وجزءا من البناء النفسي والقيمي للفرد، يؤثر في سلوكه وشعوره ودوافعه بحيث يوضع في الاعتبار مع الحسابات العقلية والمنطقية لتجيء متفقة مع أرض الواقع، فتحقق الهدف وتتيح القبول الاجتماعي للفرد.لكن تملك ذلك الموروث من نفس الفرد دون اقتناع حر بمضمونه قد يسفر عن جمود واغتراب أو توتر داخلي لا يقبل ما هو جديد، ويجعل حياة الفرد تقليدا لاخرين أو اتساقا إجباريا معهم ابتغاء المراضاة والقبول.

– هو جمود لا يسمح بالحياة للطفل بالداخل، ذلك الطفل المتميز بالحيوية والحرية والمرح والإلهام والتجدد والابتكار، والذي يعمل بانسجام بلا كلل إذا ما انطلق وأتيحت له الحرية والأمان دون خوف أو وصاية، يرى الأمور بعقل متفتح وفكر واعٍ دون تقيد بمسلمات منقولة ان لم يقبلها بفكر متحرر واثق ومسئول، حتى يكاد العمل أن يكون لعبة مثيرة تتملك الفكر والشعور والوقت، نتيجتها الإنجاز المبهر والتجديد المتواصل والإشباع النفسي وربما إثراء الصالح العام ومستقبل الأجيال .

– قد يسعدنا الحظ بتعليم متميز أو بظروف ثقافية وسياسية ومادية مواتية أن نطلق ملكاتنا وحوافزنا لنبتكر ونجدد ، لكن الافتقار لبعض تلك العوامل لا يعفينا من مسئولية أن نعيش أنفسنا حقة أصيلة بفطرة سليمة وفكر متجدد وعقل مسئول متوازن متوافق وجهد فعال ومفيد .

– هي الشخصية التي تتيح للفرد حياة عالية القيمة توفر له السعادة والصفاء والتوافق والسلام، وتفيد مجتمعه بعمل مثمر وانتاج متميز وعلاقات متحضرة مسالمة وإبداع ثقافي وعلمي، يدفع المجتمع للأمام.

فإن أردنا فليبدأ كل منا بنفسه.

طبيب و سفير سابق / دهادى التونسي

شاهد أيضاً

برعاية ريد بول النمساوى.. تفاصيل رحلة ثنائي الأهلي محمد هاني وكريم فؤاد إلى النمسا

يستعد ثنائي الأهلي المصري، للسفر إلى دولة النمسا للخضوع لكشف طبي واستكمال مرحلة التأهيل من …