فيينا – / د.هادى التونسى – طبيب و سفير سابق —–
نكذب ؟ أحيانا 0 ننافق ؟ عند الضرورة 0 نغش أو نرتشي ؟ إذا استحق العائد 0 نتنافس دون شرف ؟ إذا كان موقفنا الأضعف 0 نسرق ، نحارب ، أو نقتل ؟ إذا فقدنا السيطرة أو انعدم العقاب 0 هل هي المنفعة السريعة ضيقة الأفق و الاعتقاد الأعمى بمنطق القوة والاستهتار بذكاء الآخرين ؟ ، أو هو افتقاد المصداقية والرؤية وتغليب المصلحة على القيم أو بيع الضمير والكرامة؟ ، وكأن الإنسان حيوان قوى شرير ، يباع ويشترى بالمادة والمجد أو السلطة واللذة ، وكأن ذلك ضمان للسعادة والتوافق ، وكأن كل شئ نسبى ولكل منا ثمن 0
بماذا نشعر عندما نغافل ضمائرنا لكسب مادي ؟ هل يجلب لنا ذلك احترام الذات ؟ وهل تشعرنا نشوة الاستقواء على الآخرين بالثقة فى أنفسنا ؟ وهل يكون الصراع من أجل البقاء مبررا لجميع الأخطاء ؟ وهل المصلحة الأنية أهم من مصداقية تبنى الثقة والمكاسب طويلة الأمد ؟ وهل منطق القوة وقانون الغاب يكفل المصالح والحقوق والأمان ؟ وهل يمكن لفرد أن يتمتع دوما بالصحة و المال والقوة والسلطة فى حياة زائلة ؟ وماذا لوانقلب السحر على الساحر ؟
هل الكرامة هى مجرد الحفاظ على ماء الوجه ؟ واذا كان منطق القوة كافيا لتنظيم المجتمعات وسعادتها فلماذا انزلت الاديان ؟ ولماذا شرعت القوانين ؟ 0
واذا تجمع لفرد أسباب القوة والصحة والمادة والمجد فهل يضمن سعادته دون توافق نفسى وسلام داخلى ، يحتاجان ضميرا مرتاحا ونفسا راضية مطمئنة ؟ وكيف يمكن لهذه الاسباب أن تقنع شخصا بحتمية الموت وتراجع الصحة ؟ وهل يأمن على نفسه وذويه اذا زالت تلك الأسباب ؟ وهل يمكن لفرد يمتلكها ويتمتع براحة البال وصلابة الخلق أن يعيش هانئا فى مجتمع ، تغرقه المادة ، ويزول عنه الضمير ، ويمجد القوة ، ويسحق ذات وكرامة الانسان من أجل العيش ؟
اذا بنينا مجتمعا على سيادة القوة المجردة وحتمية الصراع هل تنتفى الثقة ويغترب الانسان ؟ هل يتوارى الخير وتشيع المخاوف والمظالم وتنتهك الحقوق ويتحول تدمير الآخر الى تدمير الذات والمجتمع ؟ هل تختفى الابتسامة وينعدم التراحم ويتوحش سلوك الانسان ؟هل تتفشى الانانية والقسوة وتشتعل الحروب ويحكم الشيطان ؟ اذا اضطرتنا مصاعب الحياة وضرورات البقاء لتلون ونفاق وتناقضات فهل يكون تناقض الظاهر والباطن مجرد خداع للآخرين أم هو أيضا تضليل للنفس ؟ واذا استسهلنا خداع النفس فكيف نحكم على الأمور والأشياء ؟ وكيف نضمن ألا نقع فى هوة المرض النفسى وأعراضه الجسمانية ؟ واذا فقدنا جانبا من الصحة فكيف نتمتع بالطاقة والقوة ؟ وكيف نحقق السعادة ويستمر النجاح ؟
ينمو الطفل يافعا ثم بالغا تزداد قوته ، وقد يفسده ما يحصل عليه من ثروة وسلطة فيتدهور معنويا ، فالقوة ان لم ترتكز على قيم تحمل فى طياتها بذور فنائها ، وهكذا هى كل حضارة ازدهرت ثم ركدت وذبلت ، لان من بناها بشر يفسدون 0 فهل نتعلم شيئا من نمو و افول الحضارات ؟ وهل نتحلى بالحكمة والصبر فندرك أن قدرا من التمسك بالقيم ضرورة للبقاء ، وأن القوة العمياء تشقى ممارسها وتقتل روحه وتغيب أدميته وتملأ مجتمعه بالصراع والدمار ، واننا عندما نضع المصلحة قبل القيم ينتهى بنا الأمر الى خسارتهما معآ ؟ هل يعود الينا الرشد لنفهم أن البقاء من يوم ليوم قصير الأمد معادلة خاسرة ، وأن التخطيط والمصداقية والجهد والشرعية أسس لا غنى عنها لمجتمع التقدم والسلام ، وأن المصلحة الفردية وحدها تؤدى للتوحش والصراع والدمار ؟ فلننظر الى مجتمعات متقدمة لنجد أنها مهما تباين اسلوب حياتها ترتكز على جوهر جميع الأديان ، حين تؤمن بالنظام والعمل والعلم والمساواة والحرية المسؤلة والمحاسبة واحترام القانون وكرامة وحقوق الانسان ، فتفعيل الجوهر هو غاية الدين ودليل الايمان ، حين يحقق التوازن بين الفرد وذاته والمصالح الفردية والجماعية ، وهو تعبير عن الحكمة ونضج الانسان وعمق ادراكة للواقع وبعد الرؤية 0 فالمجتمع الصالح يكفل للفرد حقوقه وأمنه ، والفرد المستنير يحقق لمجتمعه التقدم والتوافق والسلام 0
طبيب و سفير سابق/ د . هادى التونسى