في الوقت الذي تُتَّهم فيه الحكومة المصرية بالتراخي في مواجهة إثيوبيا والسودان حول أزمة سد النهضة التي قد تحرم مصر من حقّها في مياه النيل، فوجئ الشارع المصري بتوجه الحكومة لسَنِّ قانون جديد تُشدِّد به العقوبة على المواطن إن أسرف في استخدام المياه.
الأمر أحدث ذهولاً وحيرة حول تحديد من الأحق بردة الفعل العنيفة، خصومها في النيل، أم المواطن المصري؟
فقد اتَّخذ الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء المصري، مؤخراً، عدة إجراءات تتضمن تفعيل وتغليظ عقوبة الإسراف في استخدام المياه ومنع إهدارها.
ما اعتبره البعض رسالة حكومية واضحة عن ضرورة “الاستفادة من كل قطرة” لتلافي الآثار السلبية التي ستنشأ مستقبلاً بسبب نقص المياه.
أثار الأمر قلقاً شعبياً ممزوجاً بغضب وسخرية بين المصريين ودارت العديد من التساؤلات عن كيفية معاقبة المُسرف، ومتى سيتم التطبيق، وما شكل الغرامات؟!
وهل نسمع يوماً عن ضبطية قضائية للإسراف في المياه، أو من يسرق وصلات للشرب؟! وما رد فعل المواطنين، وهل سيتم تطبيق الإجراءات على الفقراء والأثرياء معا؟!
وقبل كل ذلك هل الإعلان عن حالة التقشف يمثل استسلاماً مصرياً رسمياً للأمر الواقع، خصوصاً بعد تعثر المفاوضات مع الجانب الإثيوبي، وانسحاب الوفد المصري من المفاوضات التي كانت تجري برعاية الاتحاد الإفريقي.
أحد النشطاء لخَّص ما يشعر به المواطنون قائلاً “في ردٍّ موجع من الحكومة المصرية على الحكومة الإثيوبية، نظراً لاتخاذها قرارات أحادية، ودون الرجوع إلى الجانب المصري، ونتيجة لقولهم السد لنا، قرَّرت الحكومة المصرية تغليظ العقوبات على المواطن المصري نتيجة الإسراف في استخدام المياه أو الوصلات خلسة”.
وانتقد المعلّقون على التغريدة التناقض بين تعامل السلطة مع إثيوبيا والمواطن قائلين: “أسد عليَّ وفي الحروب نعامة”، وتساءل أحدهم بسخرية “يا ترى هتكون العقوبة إيه؟ يبعتوه إثيوبيا يشرب من هناك، مش قادرين على إثيوبيا بتتشطروا على المواطنين البسطاء”.
يُذكر أن حصة مصر من مياه النيل تبلغ 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، حسب إحصائية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2017، تمثل 69.4% من جملة الموارد المائية، بينما تقدر مياه الأمطار والسيول والمياه الجوفية وكذلك مياه الصرف الزراعي والصحي التي تم تدويرها ومياه البحر المحلاة بنحو 24.5 مليار م3.
قانون جديد يُنشئ “شرطة المياه”
كشف مصدر بالجهاز التنظيمي لمياه الشرب والصرف الصحي، لـ”عربي بوست”، أن الجهاز أوشك على الانتهاء من تعديل قانون تنظيم مياه الشرب والصرف الصحي، لوقف الكثير من المهازل التي يشهدها الشارع المصري يومياً.
ويتضمّن مشروع القانون الذي أرسلته الحكومة إلى البرلمان عدة تعديلات هامة للمواطنين؛ منها وضع عقوبات على الممارسات الخاطئة للمياه، مثل رش الشوارع والحدائق والاستخدام في غير أغراضها، بجانب التعدي على الشبكات والخطوط من سرقات وتوصيلات.
وكذلك فرض غرامة 100 ألف جنيه حال إتلاف وسائل المرافق، و50 ألفاً لمن يعترض إنشاء مشروعات المياه، كما ستكون هناك عقوبة بالحبس لمدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة تتراوح من ألف إلى 20 ألف جنيه لهدر المياه أو استخدامها في غير الغرض المخصصة له، وهو الشرب.
ويدفع القانون المقترح في حالة تكرار المخالفة إلى تضاعف العقوبة، ويحبس 6 أشهر من يرفع السلاح في وجه المسؤولين عند إنشاء مرفق مياه، والحبس عامين وغرامة 100 ألف جنيه لتوصيل مياه دون علم، والحبس 6 أشهر وغرامة لا تزيد على 3 آلاف جنيه لكل من يعطل مرفق المياه، والغرامة بين 5 إلى 20 ألف جنيه لكل مقدم خدمة يخالف شرطاً من شروط الترخيص.
كما يمنح القانون الجديد موظفي الجهاز التنظيمي للمياه صفة الضبطية القضائية، وفي نفس الوقت يعاقب من يتورط منهم في توصيل المياه للأفراد أو الجهات دون سند قانوني بالحبس لمدة لا تزيد عن 6 أشهر، وغرامة لا تتجاوز 50 ألف جنيه.
وكانت وزارة العدل قد منحت لـ700 موظف من الشركات التابعة للشركة القابضة بالمحافظات صفة الضبطية القضائية في عام 2016، لمواجهة جرائم سرقات المياه من قبل المخالفين، وإحالة أي مواطن للنيابة مباشرة في حال امتناعه عن دفع الفاتورة.
وتعرف الضبطية القضائية بأنها مجموعة من الإجراءات والاختصاصات والعمليات التي يُنفذّها المسؤول عن الضبط القضائيّ؛ من أجل البحث حول جريمة معينة أو الأشخاص الذين ارتكبوها، ما يعني تحويل موظفي هيئة مياه الشرب إلى ما يشبه رجال شرطة للمياه.
بيوت تسرق المياه
صرّح وزير الإسكان مؤخراً أن نسبة المياه المسروقة في مصر تبلغ 48% من إجمالي المياه التي تضخها الدولة لمواطنيها، مطالباً الهيئة القومية والشركة القابضة لمياه الشرب بتخصيص شرطة لمواجهة سرقة مياه الشرب، مؤكداً أن ما يتم تحصيل قيمته من المياه نحو 52% فقط، والباقي يتم تسميته بتسريبات وهو في الحقيقة “سرقة”.
المحامي نادر سليمان أكد أن القانون المصري يتعامل مع اختلاس أو سرقة مياه الشرب بأحكام قانون السرقة المنصوص عليها في المادتين 311 و316 مكرر ثانياً من قانون العقوبات رقم 85 لسنة 1937، والتي تنص على أن كل من اختلس منقولاً مملوكاً لغيره فهو سارق.
وتابع: هناك عدة إجراءات قانونية تتخذها شركات مياه الشرب ضد سارق المياه، تبدأ بتوجيه إنذار إلى صاحب الوحدة السكنية برفع العداد، وتعطيه مهلة 6 أشهر لتوفيق الأوضاع وتسديد الغرامات، وإذا تأخر المواطن يتم رفع العداد، موضحاً عدم قدرة المواطن على تركيب عداد جديد إلا بعد تسديد قيمة المديونية القديمة مع قيمة تركيب عداد جديد.
وتنصّ اللائحة الداخلية لشركات المياه المصرية ـجميعها حكوميةـ على تركيب عدادات مياه للمخالفين ومن يقومون بتركيب وصلات مياه خلسة، بغضِّ النظر عن مصدرها، لكن المشكلة أن هناك أكثر من 600 ألف عقار مخالف على مستوى الجمهورية، 90% منهم قاموا بتوصيل المياه خلسة.
وهو ما جعل فاقد المياه يتخطى الـ30%، مقسمة ما بين فاقد بسبب تهالك الشبكات، والجزء الآخر بسبب سرقات المياه للوحدات المخالفة.
توضح نسرين محمد، مهندسة بإحدى شركات المياه لـ”عربي بوست”، أن الشركة القابضة تقوم بمسح جغرافي بأسلوب علمي ممنهج في المدن والقرى، وبات من السهل تمييز الأماكن التي بها وصلات غير شرعية عن طريق نقاط تظهر على خرائط توضح جميع المنشآت التي لها اشتراك بلون، والمنشآت التي ليس لديها اشتراك بلون آخر.
وتقول نسرين إن تركيب عداد كودي في الوقت الحالي أصبح يقتصر فقط على مَن قاموا بسرقة مياه، ويتم التعامل معهم بفرض غرامات تختلف قيمتها طبقاً لمساحة الوحدة وموقعها في العقار، وفي أي طابق، وتتراوح قيمتها من 14 ألف جنيه إلى 16 ألفاً.
كما يتم إلزام المخالفين بدفع قيمة المياه التي استهلكوها دون علم الدولة، لكنها تؤكد أن تركيب العداد للعقار المخالف لا يعني تقنين المخالفة، ولكن هدفه فقط تحصيل فواتير المياه ممن يقومون بسرقتها.
وأنه يتم رفع العداد حال صدور قرار بإزالة الوحدة أو العقار، وذلك في حالات العمارات التي تُبنى دون تصريح، أو إضافة طوابق فوق البناء مخالفة للمواصفات، ولا تصريح لها، ويقوم أصحابها بتوصيل المياه والكهرباء بطرق غير قانونية وغير شرعية.
“القاهرة” تهدر مليون متر مكعب
ناجي محمد، مواطن مصري غير متهم بالسرقة، ومع ذلك فرضت عليه غرامة مالية قيمتها 10 آلاف جنيه، والتهمة “إهدار والإسراف في استخدام المياه!”.
يقول الرجل إنه يسكن بمنطقة إمبابة منذ ثلاثين عاماً، وعندما تزوّج خصَّص غرفةً من شقته بالدور الأرضي لغسيل السيارات، فضلاً عن غسيل السجاد، لأن راتبه البسيط من وظيفته الحكومية لا يفتح بيتاً.
فوجئ ناجي قبل أيام من عيد الأضحى هذا العام بتحرير محضر ضده، وتغريمه مالياً، ما أصابه بنوبة غضب، وقال: “نحن ناس على باب الله، كل كام يوم تأتي سيارة للغسيل، خصوصاً في هذه الأيام التي يعاني فيها الجميع”.
ويواصل: “لكن في ذلك اليوم المشؤوم كانت هناك 4 سيارات مرة واحدة، ربما لأن الناس يحبون غسيل سياراتهم قبل العيد، وقبل أن أنتهي من غسل السيارة الأولى وجدت الشرطة أمامي تُحرّر لي محضراً وغرامة بقيمة 10 آلاف جنيه، والحمد لله أن عدداً من الجيران الطيبين في المنطقة توسطوا لكي لا يتم احتجازي في العيد”.
يستكمل الرجل بحزن شديد: “هو أنا بكسب كام علشان أدفع 10 آلاف جنيه، وبعدين أنا مش سارق المياه، دا من بيتي، وأنا بتحاسب عليها، وباحاول أكسب لقمة العيش بالحلال، وكان ممكن أكسبها من تجارة غير مشروعة مثل شباب آخرين في المنطقة”.
ويؤكد علي محمد، موظف بشركة مياه القاهرة، أن أصحاب المحلات والمقاهي والمخابز والكافيهات يصرون على رشّ المياه في الشوارع والحدائق بكثافة، خاصة في المناطق الشعبية، علاوة على غسيل السيارات والتكاتك، ومغاسلهم عشوائية دون ترخيص، تهدر كميات هائلة من المياه يومياً، وعلى الرغم من الإنذارات المتكررة من المحافظة ورؤساء الأحياء، فإن الظاهرة مستمرة.
وكان ذلك مقبولاً في الماضي، لكن الآن وفي ظل ما تمر به البلاد من أزمة وفقر مائي فهو أمر مرفوض تماماً، ودائماً ما نقوم باجتماعات ويشدد علينا المدير بأنه لا تهاون من الآن فصاعداً في التعامل مع الإسراف في استخدام المياه.
وبحسب مصدر مسؤول في شركة المياه والصرف الصحي، فإن ثقافة المواطن أحد أهم الأسباب في أزمة المياه، حيث يصل الهدر إلى آلاف الأمتار المكعبة يومياً، وعلى سبيل المثال فإن محافظة القاهرة تهدر يومياً حوالي مليون متر مكعب، أي ما يُعادل أكثر من ثلث مليار متر مكعب سنوياً.
ويشير المصدر إلى أنه تم التشديد على رؤساء الأحياء بضرورة مراقبة المطاعم والمحال التي تُهدر المياه، وتحرير محاضر بحقهم، وسرعة اتخاذ إجراءات فورية ضد كل محل أو مقهى أو كشك يستهلك المياه بإسراف وزيادة عن الحاجة.
ومؤخراً حدّد محافظ الجيزة غرامة 10 آلاف جنيه، لصاحب السيارة أو المحل، أو مالكي أو اتحاد الشاغلين للعقار، الذي يستخدم المياه في غسل السيارات أو رش الشوارع بالمياه، وشدّد على أن الحفاظ على المياه أمن قومي، ولا بد من تكاتف الجميع لوقف إهدارها.
وتفعيلاً لقرار رئيس الوزراء، قام محافظ الشرقية منذ أيام خلال جولة تفقدية بتوقيع غرامة مالية قدرها 10 آلاف جنيه على صاحب مركز لصيانة السيارات بمدينة الزقازيق، لقيامه باستخدام المياه في رشّ الشوارع، ما يُعد إهداراً للمياه ومخالفة للقانون.
قطع موفرة للاستخدام
ممدوح رسلان، رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، كان قد أشار إلى أن الحكومة اتّبعت عدة طرق لترشيد استهلاك المياه، فبعد قانون تجريم الإهدار قرّرت تعميم استخدام القطع الموفرة للمياه، وهي قابلة للتركيب على جميع أنواع الصنابير الموجودة حالياً بالسوق المصري.
وتمت تجربتها وأظهرت النتائج توفير حوالي 45% من قيمة الاستهلاك، ويتم توفير القطع للجمهور من خلال مراكز خدمة العملاء بشركات المياه، بمتوسط سعر حوالي 40 جنيهاً.
وأوضح أن الطريقة الثانية لترشيد الاستهلاك تتعلق بتقليل الفاقد التجاري والفيزيائي من مياه الشرب، من خلال تقسيم الشبكات إلى حوالي 10 آلاف منطقة معزولة، يمكن التحكم فيها وتركيب أجهزة قياس لتحديد النسب الفعلية للفاقد الكلي -الفيزيائي والتجاري- حيث تهدف هذه الخطة لتقليل الفاقد من 30% إلى 20% بكمية مياه حوالي 2.89 مليون متر في اليوم.
وقال النائب العمدة صبري، عضو لجنة الزراعة والري بالبرلمان، إن مطالبة رئيس الوزراء بعقوبات مغلظة على الإسراف في المياه تأتي في إطار التخوف من خفض حصة مصر من مياه النيل، بسبب بناء سد النهضة في إثيوبيا.
مشيراً إلى أن الحكومة تعمل جاهدة لتوفير المياه للاستخدام الآدمي، بدلاً من استخدامها في رش الشوارع وغسيل السيارات، مؤكداً أنه تصرف بشري خاطئ من بعض المواطنين، وتغليظ العقوبات على الإسراف في المياه يعتبر وسيلة ردع لكل من يُسرف في المياه حتى يلتزم.
لكن الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، يرى أن العقوبة غير عملية، ولن تستطيع الحكومة المصرية تطبيقها، لصعوبة التخلي عن رشّ الشوارع، لاسيما في أشهر الصيف مرتفعة الحرارة.
100 مليون جنيه مخالفات
بينما ناشد اللواء حسن عبدالغني، المتحدث الرسمي باسم الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي المواطنين الحفاظ على المياه والتعامل معها مثلما يفعل مواطنو الدول المتقدمة.
وأشار مسؤول في وزارة الري إلى أن حملات الرقابة، بكافة المحافظات، أدخلت لخزينة الدولة 100 مليون جنيه خلال الربع الأول من عام 2020، مشيراً إلى أن الوزارة تستهدف جمع مبلغ بقيمة 300 مليون جنيه، من مخالفات تبديد المياه.
وذكر أن فرض الغرامات يتم على تبديد المياه، سواء عبر استخدامها في زراعات تم وقفها بالمحافظات، منها الأرز، أو إهدارها بأي شكل آخر، ما يعرقل جهود الوزارة في سد العجز الذي تعاني منه بعض المناطق في عدد من المحافظات.
بالتزامن مع ذلك، بدأ البرلمان المصري في التحرك لتشديد الرقابة على هدر المياه، ومنذ أيام تقدم النائب طارق متولي، عضو لجنة الصناعة، بطلب إحاطة إلى رئيس الوزراء، متهماً الحكومة بالمشاركة في الهدر من خلال الإسراف في ري الحدائق وملاعب الجولف، ورش الشوارع وغسيل السيارات، وتهالك مواسير المياه والبنية التحتية.
وأشار متولي إلى أن الشركات يضخ إليها 11 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، بينما استهلاك مصر لا يتعدى 3.5 مليار متر مكعب، ما يعني فقد ما يصل إلى 69% من المياه سنوياً في صورة صرف صحي.
سد النهضة والفتنة المائية
نادراً ما خلت مصر من الفتن المتنوعة في العقود الأخيرة، سواء كانت سياسية أو دينية، حسبما يقول المواطن سيف. ع، والذي يعتبر ما يحدث مؤشراً على فتنة “مائية” جديدة، يمكن أن تتصاعد في الفترة القادمة إن لم تتداركها الحكومة.
الرجل الخمسيني الذي يعمل موظف أمن بمجمع سكني “كمبوند” في التجمع الخامس، تلقى ذات يومٍ مكالمة من زوجته تخبره فيها باكيةً بأن أمين شرطة جاء لضبطه وإحضاره، بسبب بلاغ تقدَّم به أحد الأشخاص، متهماً إياه بتركيب “وصلات خلسة” للمنزل؛ للحصول على مياه نظيفة للشرب.
هو من مواليد محافظة الشرقية ويسكن مع أسرته بإحدى القرى المجاورة لمركز ديرب نجم، ومؤخراً نشبت بينه وبين شقيقه الأكبر خلافات بسبب بنائه طابقاً جديداً في منزله عكس ما اتفقا عليه، فما كان من الأخير إلا أن تقدَّم ببلاغ، بسبب تركيب وصلة “مياه غير شرعية”، قاطعاً بذلك كل حبال الوُدِّ الأخوية.
ويدافع الرجل عن نفسه قائلاً: “أكيد مفيش حد عايز يعيش مخالف، لكنني اكتشفت أن المالك الذي اشتريت منه المنزل سرق مياه الشرب دون الحصول على تراخيص أو تسديد قيمة المياه التي يستهلكها، ومنذ عامين جاءني موظف من شركة المياه التابعة لمدينة الزقازيق، يطلب الحضور إلى الشركة لتسديد قيمة الغرامات، لكن لم أذهب”.
ويواصل: “لأنني وجدت نفسي مطالَباً بتسديد غرامات كبيرة جداً حتى تقوم الشركة بتركيب عداد، فقمت بترضية الموظف؛ لغض الطرف عن القضية بأكملها، ومن يومها والأمور هادئة، لكن الوضع تأزم منذ أيام، بسبب بلاغ أخي”.
ومثل حالة سيف فإن التوقعات تشير إلى زيادة هائلة في الشكاوى خلال الفترة القادمة، بسبب الإعلان عن مكافأة لمن يبلِّغ عن سرقات المياه أو إهدارها، لكن هل درست الحكومة تبعات ذلك؟ وهل فكرت في الشقاقات التي يمكن أن تنجم عن ذلك، خاصةً أن من سيقوم بالإبلاغ لا بد أن يكون ذا صلة بالشخص المبلَّغ عنه ومتابعاً له سواء كان قريباً أو جاراً.
المياه الجوفية هي الحل
مشكلة المياه في مصر متعددة الأوجه ومنها نية الحكومة رفع أسعار استهلاك المياه، حيث ذكر مصدر بالجهاز التنظيمي للمياه أنهم يعكفون الآن على وضع آلية تسعير جديدة، لكنه امتنع عن الإجابة عما إذا كان ذلك سيؤثر على الأسعار الحالية أم لا.
في الوقت نفسه يؤكد مواطنون، أن فواتير المياه التي تصل إليهم لا يُعقل أبداً أنها تعكس استهلاكهم، مُبدين غضبهم من “استسهال” الحكومة إجبار المواطنين الملتزمين على دفع ثمن المياه المهدورة والمسروقة، بينما تترك المجمعات السكنية الراقية تستهلك المياه دون رقيب أو حساب في حمامات السباحة وملاعب الغولف وغيرها.
في غضون ذلك بحث بعض المصريين عن حلول عملية؛ لتفادي المواجهة المنتظرة مع الحكومة، وتوصلوا إلى أن الحل الأكثر عمليةً هو المياه الجوفية بعيداً عن الدولة وعداداتها التي لا ترحم.
ويقول طارق عبده، وهو صاحب محل دواجن: “اشتريت شقة بمنطقة كرداسة في الهرم، إلا أنني فوجئت بأن العقار ليس به عداد للمياه، حاولت التحدث مع المالك إلا أنه قال إن أغلب المنازل بالمنطقة لم تحصل على تراخيص”.
ويواصل: “تحدثت مع السكان وطالبنا صاحب العقار بالحصول على ترخيص من شركة مياه الشرب؛ حتى نستطيع تركيب عدادات مياه لسداد ثمن ما نستهلكه، لكنه ماطلنا وقامت الحكومة منذ شهر بتفكيك الوصلات الخلسة، والآن تلاحق صاحب العقار الهارب؛ ليدفع الغرامة”.
ويستطرد الرجل: “سمعت من الجيران عن الارتفاع الجنوني والأرقام الفلكية لفواتير المياه، بجانب انقطاعها المتكرر بسبب أو من دون سبب، لذلك اتجهنا إلى دق طلمبة حبشية “طرمبة” للحصول على المياه الجوفية، مشيراً إلى أن “الناس كلها قلقة من مشاكل نقص المياه ويبحثون عن البديل”.