حزنٌ وألم يعتصر القلوب خاصة حينما يزور الموت بيتًا فجأة على حين غفلة ليخطف روح حبيب أو قريب بين عشية وضحاها في ظل جائحة كورونا التي جابت العالم، لكن الأشد وجعًا عندما لا يجد أهل المتوفى مُغسلًا يقوم بعملية التغسيل خوفًا من انتقال الفيروس إليه.
تلك المهمة لجأ البعض من مقاتلي الجيش الأبيض إلى مزاولتها خلال الأشهر الماضية، فخاض الكثير منهم تجارب في عالم تغسيل الأموات بدافع شخصي من جانبهم، بعدما لم يجدوا من يغسل موتى كورونا.. لقراءة المزيد اصغط هنا
ولكن في الوقت الذي عزف فيه مغسلون عن القيام بمهام عملهم مع ضحايا كورونا خوفًا من العدوى، كان هناك من عقد العزم على التطوع بالمجان من أجل تغسيل ضحايا كورونا، وتركوا أرقامهم هواتفهم عن مواقع التواصل الاجتماعي لسهولة الوصول لهم.
البعض منهم حكى تجاربه مع التطوع لتغسيل ضحايا كورونا، في وقت يعزف فيه البعض عن تلك المهمة، خاصة مع تزايد أعداد الوفيات والمصابين يومًا تلو الآخر بسبب هذا الفيروس الذي ظهر للمرة الأولى في مدينة ووهان الصينية.
قائمة من أرقام المتطوعين لتغسيل ضحايا كورونا بالمجان، تشاركها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مقسمة إلى مغسلات سيدات ورجال وتم تحديد المناطق التي يُغطيها كل منهم، اختارنا 3 أسماء منهم بصورة عشوائية.
دعاء الشرقاوي، الشابة الأربعينية، المتواجدة بمحيط مصر الجديدة، دخلت عالم تغسيل الموتى كمتطوعة، ففي ظل ازمة جائحة كورونا استشعرت أن قيامها بهذا الدور ليس من باب أي شيء سوى أنه أمر من الله – على حد تعبيرها-، قائلة: “من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم”، مضيفة نحن لسنا في وضع عادي واشعر أن هذا اختبار لنا من الله، وفقط كنت اريد أن اُريه من نفسي خيرًا، فالله لم يخلقنا للصلاة والصوم وحسب وإنما لقضاء حوائح الناس أيضًا.
لم يقابل حماس “دعاء” للقيام بهذا الدور خلال جائحة كورونا ترحيبًا في بداية الأمر من جانب أفراد أسرتها، فبدافع الفطرة الداخلية كان يخشون عليها أن يُصيبها مكروه كأي أسرة، ولكنهم حينما رآوا استغاثات البعض ممن لم يجدوا مغسلين لتغسيل حبيب لهم رحل متأثرًا بإصابته بهذا الفيروس، تقبلوا الأمر.
غسلت “دعاء” حتى الآن أكثر من 50 متوفية بـ “كورونا”، من مناطق مختلفة.. لم تكن “الشابة المتطوعة حديثة العهد في عالم التغسيل، ولكنها كانت تقوم به قبل تلك الجائحة كونها تعلم أن ثوابه عظيم عند الله.
ولكن الأمر اختلف في طريقة تعاملها مع ضحايا كورونا عن غيرهم من المتوفيين العاديين، فكانت تحرص في كل مرة على ارتداء بدلة واقية تستخدم لمرة واحدة فقط ثم تتخلص منها بعد التغسيل، كما ترتدي “بوت طويل” وعليه كيس، فضلًا عن واقي الوجه والكمامة والقفازات، -حسبما روت- قائلة: “لا ضرر ولا ضرار”.
أما المتوفية بكورونا فتحرص بعد تكفينها على وضعها في كيس ذي مواصفات معينة لمنع تسرب أي شيء منه، وكنوع من الاجراءات الاحترازية المتبعة.
من أصعب المواقف التي مرت على “دعاء” حينما عجزوا ذات مرة في العثور على ذلك الكيس الخارجي الذي يوضع فيه المتوفى بكورونا، واضطروا في نهاية المطاف إلى الاستعانة بأكياس القمامة كبيرة الحجم كبديل، وهو المشهد الذي كان موجعًا لها وللجميع خاصة أبناء المتوفية.
مواقف اخرى استوقفت هذه المُغسلة المتطوعة، حينما تعذر عليها التوجه ذات مرة لتغسيل متوفية نظرًا لصعوبة الوصول للمكان، فشرحت لأسرة ضحية كورونا الخطوات التي يجب عليهم اتباعها عند التغسيل نظرًيا، إلا أن ردهم كان مفاجئًا لها حيث أخبروها بأنهم لن يقوموا بهذا لأنهم يخشون انتقال العدوى لهم.
قصة ثالثة جعلتها تتمسك بما تقوم بها كونها استشعرت أننا في مشهد مصغر ليوم القيام حيث تقول: تابعت قصة سيدة مُسنة كتب الله لها الشفاء وتعافت من كورونا، وحينما طلبت من أولادها أن يأتوا ليأخذوها من العزل لمنزلها رفضوا خوفًا من الاصابة، فماتت العجوز بالسكتة القلبية، وهنا تذكرت الآيه الكريمة التي تقول: “يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَـحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِىء مِنْهُمْ يَوْمَئِذ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)”.
“دعاء” لا تقوم فقط بتغسيل مصابي كورونا بالمجان ولكنها تحرص على تقديم الشكر لذوي الضحية، كونهم استعانوا بها قائلة: “بالعكس أنا بشكرهم لأنهم كانوا سبب إن أنا أخد ثواب كبير، أما بالنسبة للاصابة فأنا أحرص على الأخذ بالأسباب ولكل منا أجل محدد، فإذا كنت أقبع داخل معقم ومكتوب لي الموت في تلك اللحظة فسأفارق الحياة”.
من بين عشرات المتطوعين لتغسيل مصابي كورونا بالمجان تواصلنا مع أحمد محروس، الذي روى لنا قصته مع تغسيل موتى كورونا قائلًا: “أنا اقوم بهذا العمل التطوعي قبل دخول كورونا البلاد ولكن بعد ظهور الفيروس وانتشاره كانت هناك حاجة مُلحة للقيام بهذا الأمر، وهو ما جعلني اتخذ قرار التطوع لتغسيل ضحايا كورونا، والأجر عند الله”.
يتوجه “محروس” لتغسيل موتى كورونا في المستشفيات، ومعه كافة أدواته الشخصية الواقية، قائلًا: “بروح وبيكون معايا حاجتي الشخصية، حيث ارتدي بدلة عزل تستخدم لمرة واحدة، ومعي كافة أدوات التعقيم فضلًا عن واقي الراس والقفازات والكمامات والبوت وكل شئ”.
واضاف: “نحن نأخذ أسباب الحذر والاجراءات الاحترازية، ونتوكل على الله ونقوم بمهام التغسيل”.
حنان محمد، هي الأخرى واحدة من المتطوعات لتغسيل ضحايا كورونا، روت لنا قصتها قائلة: “أنا في الأساس أقوم بالتغسيل بجمعية اكرام ميت، وحينما وقعت حالات وفاة كثيرة بسبب كورونا، لم امتنع عن تغسيلها ففكرة تحديد من اغسل ومن لا اغسلها ليست واردة على الإطلاق”.
تُغطي “حنان” مناطق “اكتوبر والفردوس وحدائق اكتوبر”، وتقول: “كنت في البداية أتوجه أيضًا لتغسيل الأموات في فيصل والمهندسين، ولكن مع تزايد أعداد ضحايا كورونا، طلبت منى الجمعية أن اكتفى بتغطية تغسيل المتوفيات في حيز مناطق اكتوبر والفردوس وحدائق اكتوبر”.
وعن الاجراءات الاحترازية التي تتخذها حنان عند توجهها لتغسيل ضحايا كورونا؛ تقول: “اسمي الله وارتدي قفازًا ومريلة مثل تلك التي يتم ارتدائها في المطبخ لتجنب وصول المياه إلى ملابسي”.
ولكن بسؤالها إن كانت لا تخشى الاصابة خاصًة أن تلك الملابس ليست عازلة بالقدر الكافي، فبادلتنا الرد قائلة: “بصي طالما أنا سميت بالله وبعمل العمل ده لوجه الله ربنا عمره ما هيأذيني، أنا باللبس الجوانتي والمريلة وببدأ التغسيل بعد ما بسمي الله”.
حنان هي أم لـ 5 أطفال، اخبرتنا أن زوجها لم يمانع عملها التطوعي في ظل هذه الظروف، مثلما حدث مع زميلات لها أصبحن يرفضن تغسيل ضحايا كورونا بناء على رغبة من شريك حياتهن، – حسبما روت لنا – .
“متعديش كتير جدًا”؛ بتلك الكلمات بادلتنا “حنان” الرد على سؤالنا حول أعداد ضحايا كورونا ممن توجهت لتغسيلهم، حيث تابعت قائلة: “العدد كبير جدًا وصعب افتكر، أنا كل اللي بغسلهم من ساعة ما ظهر الفيروس تقريبًا حالات كورونا”.
رغم تعامل “حنان” مع كل هذه الحالات، لم تجر خلال تلك الفترة مسحات pcr، للتأكد من عدم اصابتها، حيث قالت: “أنا الحمد لله بسم الله وربنا بيقف معايا”.
وفي مكان آخر؛ قرر “إسماعيل جاويش” صاحب إحدى مصانع الملابس أن يحلق بعيدًا خارج السرب، حيث أقدم على خطوة تصنيع مجموعة من ملابس العزل الواقية، كي يمنحها لمن يريدها من المغسلين والفرق الطبية بالمجان.
حرص “جاويش” على الاستعانة بأقمشة ملائمة ، قابلة للتعقيم، قابلة للغسل والاستخدام لنحو 10 مرات، حسبما روى مؤكدًا أنه قام بهذا الأمر لوجه الله.