بعد أجتماع مجلس الأمن بشأن سد النهضة.. هل هدأت طبول حرب المياة أم ازدادت صخباً؟

انتهت جلسة مجلس الأمن التي انعقدت بناء على رغبة مصر لمناقشة ملف سد النهضة بالدعوة إلى مواصلة الحوار والابتعاد عن “الإجراءات الأحادية”، فهل يعني ذلك تقوية لموقف القاهرة والخرطوم في مواجهة الإصرار الإثيوبي على ملكية المياه؟ وهل ابتعد سيناريو الخيار العسكري أم أصبح أكثر قرباً من أي وقت مضى؟

ماذا تعني مناقشة القضية في مجلس الأمن؟

بداية تعتبر مناقشة القضية في مجلس الأمن الدولي في حد ذاتها انتصاراً دبلوماسياً لمصر، وهذا واضح من كلمة الممثل الإثيوبي نفسه الذي قال نصاً: “لا نعتقد أن قضية سد النهضة لها مكان شرعي في مجلس الأمن اليوم. رفع قضية سد النهضة إلى مجلس الأمن تم على نحو غير منصف“.

وكانت مصر قد قدمت شكوى لمجلس الأمن الدولي انطلاقاً من كون أزمة النهضة تمثل تهديداً مباشراً للاستقرار والسلم في المنطقة وهو ما يقع في قلب اختصاص المجلس، فيما دفعت إثيوبيا بأن السد قضية تنمية ولا تقع ضمن اختصاصات مجلس الأمن الدولي.

وفد مصر في أحد اجتماعات سد النهضة السابقة

النقطة الثانية التي تكشف عنها القراءة المتأنية للبيانات التي أدلى بها ممثلو الدول الثلاث المعنية بالقضية وهي مصر والسودان وإثيوبيا تتعلق بمدى قدرة الأطراف على شرح موقفها بصورة كاملة على أمل الحصول على تأييد دولي لما قد تقدم عليه “بشكل أحادي”، إذا تعثر التوصل لتوافق.

ماذا تنتظر مصر من مجلس الأمن؟

من المستبعد أن يصدر مجلس الأمن قرارات ملزمة تتعلق بالملف، والجلسة التي أجريت أمس تسمى “جلسة تشاورية”، وهذا الأمر ليس خافياً على أي من الأطراف الثلاثة، وبالتالي لا تنتظر مصر قراراً أممياً يلزم إثيوبيا باحترام حقوق القاهرة والخرطوم في المياه، لكن مجرد إدراج القضية على جدول أعمال المجلس يعني أن القضية أخذت بعداً دولياً بالفعل.

وفي هذا السياق هناك أيضاً ما يمكن وصفه بخطوة إيجابية أخرى حققتها مصر من الوصول بالأزمة لأروقة مجلس الأمن الدولي وهي إجبار أديس أبابا على القبول بوسيط في المفاوضات، وهو ما كانت ترفضه على مدار السنوات الماضية وخاصة بعد توقيع إعلان المبادئ عام 2015، تحت ذريعة أن الإعلان نص على إمكانية لجوء الأطراف الثلاثة لوساطة خارجية شريطة موافقتهم مجتمعين، لكن أديس أبابا أعلنت في جلسة الأمن ترحيبها هذه المرة بمبادرة الاتحاد الإفريقي، مؤكدة أن “القضايا الإفريقية يجب أن تجد حلولاً إفريقية“.

ماذا جاء في البيان المصري؟

تحدثت مصر أولاً من خلال وزير الخارجية سامح شكري، الذي بدأ بيانه بالحديث عن وباء كورونا الذي يجتاح العالم وضرورة التعاون بين الدول وإعلاء القيم الإنسانية، ومن ثم انتقل لقضية السد وموقف مصر غير الرافض لتشييده والداعم للتنمية في دول حوض النيل ومنها إثيوبيا، مقدماً أدلة على ذلك الموقف منذ عام 2011 وحتى الآن.

وتوقف شكري عند إعلان المبادئ الذي تم توقيعه عام 2015 بين الدول الثلاث، وصولاً إلى جولات التفاوض التي استضافتها ورعتها الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي، وانتهت بالتوصل لاتفاق وقعت عليه مصر بالأحرف الأولى بينما رفضته أديس أبابا وانسحبت من المفاوضات بشكل مفاجئ.

وزير الخارجية المصري سامح شكري

وبالتالي جاء لجوء مصر إلى مجلس الأمن كنتيجة لما وصفه شكري “بالتعنت الإثيوبي” في المفاوضات، ومضيفاً أن مصر تواجه “خطراً وجودياً” يتهدد المصدر الوحيد للمياه ولحياة أكثر من 100 مليون مصري بسبب السد، الذي شيدته إثيوبيا على النيل الأزرق.

وهذا التسلسل للأحداث وصولاً إلى استخدام مصطلح “خطر وجودي”، تبعه ما يمكن وصفه بالخط الأحمر المصري في الملف بقول وزير الخارجية أن “ملء السد وتشغيله بشكل أحادي، ودون التوصل لاتفاق يتضمن الإجراءات الضرورية لحماية حقوق دولتي المصب، مصر والسودان، من شأنه أن يزيد من التوتر في المنطقة، وقد ينجم عنه أزمات وصراعات تهدد استقرارها“.

وختم الوزير المصري بقوله: “ومع تقديرنا لأهمية هذا المشروع في تحقيق الأهداف التنموية للشعب الإثيوبي، وهو الهدف الذي نسانده وندعمه، فإنه من الضروري إدراك أن مشروعاً بهذا الحجم، والذي يعد أضخم مشروع لتوليد الطاقة الكهرومائية في إفريقيا، يهدد مقدرات ووجود ملايين المصريين والسودانيين“.

البيان السوداني، الذي ألقاه ممثل الخرطوم لدى الأمم المتحدة، جاء في مجمله مطابقاً للموقف المصري وإن كانت لغته أقل حده، لكنه أكد على مبدأ ضرورة عدم اتخاذ أديس أبابا “إجراءات أحادية” تتعلق بملء وتشغيل السد.

ماذا عن بيان إثيوبيا؟

البيان الإثيوبي، على الجانب الآخر، ركز على رفض أديس أبابا تداول القضية في مجلس الأمن على أساس أنها قضية تنمية، زاعماً أن بلاده “لن تتسبب بإلحاق الضرر بمصر أو السودان، ومضيفاً “لدينا واجب وطني بحماية شعبنا وتحقيق الرفاهية له“.

وأسهب البيان الإثيوبي في الحديث عن الفقر الذي يعاني منه الشعب الإثيوبي وكيف أن كثيراً منه يستخدم “الحطب” للتدفئة، مستدعياً ما أسماها تداعيات “الحقبة الاستعمارية” وكيف أن ذلك لابد أن ينتهي، ومطالباً أن يترك مجلس الأمن القضية للاتحاد الإفريقي، مشدداً على أن أي نزاع في المستقبل بشأن الحقوق المائية بين الدول الثلاث يجب أن يحال إلى رؤساء مصر والسودان وإثيوبيا.

ترامب مع وفد وزاري من مصر وإثيوبيا والسودان في البيت الأبيض

البيان الإثيوبي زعم أن القاهرة قد اتخذت خطوات أحادية الجانب، مضيفاً أن بلاده ترى أنها “تقسم مياه النيل بشكل عادل” خاصة بعدما عانى الشعب الإثيوبي من الفقر، فهو حق إثيوبي لتنمية البلاد، وقال مندوب إثيوبيا: “نهر النيل هو مصدر حياة هام لإثيوبيا ومصر والسودان، كما أنه مصدر للنمو الاقتصادي لدول حوض النيل كافة”، وأضاف أن هناك اتفاقاً عام 1995 بشأن سلامة مرور المياه، لافتاً إلى أن مصر اتخذت قراراً فردياً بتنفيذ مشروع توشكى، الذي يستهلك كثيراً من المياه. “تقدمنا بشكوى عام 1995 اعتراضاً على هذا المشروع وبالتالي كانت هناك خطوات أحادية سابقة من جانب مصر”، مؤكداً أن إفريقيا تعاني من ندرة المياه ولكن هذا لا ينفي حق إثيوبيا في الاستفادة من المياه“.

وأشار إلى سعي بلاده بناء سد النهضة للتنمية، مضيفاً “كانت هناك فرص كثيرة من أجل التحدث عن كيفية الاستفادة والمشاركة من مياه نهر النيل، ويجب أن تكون هناك مباحثات عادلة بين الأطراف الثلاثة“.

هل اقتربت الحرب إذن؟

الخطوة التالية التي قد يشهدها الملف بعد جلسة مجلس الأمن التي جرت مساء أمس الإثنين وامتدت لصباح اليوم الثلاثاء 30 يونيو/حزيران عبر الفيديو كونفرانس بسبب كورونا ليست واضحة ولا يمكن لأحد أن يتكهن بها، لكن غالبية الدول التي شاركت في جلسة الاستماع ومنها فرنسا والولايات المتحدة وجنوب إفريقيا وإندونيسيا دعت إلى مواصلة الحوار بين أطراف الأزمة، بحسب تقرير لموقع المونيتور الأمريكي.

سد النهضة

لكن كثيراً من المراقبين للأزمة يرون الآن أن الموقف المصري بعد جلسة مجلس الأمن أصبح أقوى من موقف إثيوبيا، وفي حالة إقدام أديس أبابا على المضي قدماً والبدء في ملء وتشغيل السد بشكل أحادي كما تردد وتكرر، فعلى الأرجح أن ذلك سيسبقه فشل وساطة الاتحاد الإفريقي، ومن ثم عودة الكرة لملعب مجلس الأمن، الذي يرى بعض المراقبين أنه قد يتخذ توصية ملزمة لإثيوبيا بالتوقف عن الإجراء الأحادي، حال عدم استخدام أي من الأعضاء الدائمين لحق الفيتو (أمريكا وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا).

أما على الجانب المصري، وبعد تأكيد وزير الخارجية على أن تشغيل السد دون اتفاق قانوني ملزم يمثل “خطراً وجودياً” على مصر، فالأمر ربما لا يحتاج للكثير من التفسيرات في حالة استمرار “التعنت الإثيوبي” على حاله طوال السنوات الخمس الماضية؛ الحرب ستكون الملاذ الأخير بغض النظر عن التداعيات، وهذا ما لا يتمناه أحد.

شاهد أيضاً

النمسا – حلول رقمية مبتكرة لتقليل انبعاثات قطاع التنقل

دشنت النمسا برنامجا جديدا للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة في مجال التنقل، يركز على تحقيق …