غزل البنات أو شعر البنات أو حلوى القطن (Cotton Candy) اختراع حقيقي، ومَن صنع غزل البنات أصبح حاملاً للقب المخترِع. لحظة، لست أنا من يقول ذلك -رغم أنني سأفعل إن كنت أملك صلاحية لذلك- لكن من سمَّى جهاز غزل البنات بالاختراع هو معرض سانت لويس (Louisiana Purchase Exposition) الذي كان يبيع ويعرض الإنجازات العلمية والفنية والهندسية والتاريخية من 60 دولة حول العالم في مدينة سانت لويس بولاية ميسوري الأمريكية عام 1904.
اختراع جهاز غزل البنات
للوهلة الأولى، قد تتخيل أي شخص صنع هذا الجهاز؛ شاب مدمن للحلوى، أو سيدة مُحبة للطهي، أو حتى مهندس مهووس بصنع الأجهزة، لكن آخر من يخطر ببالك هو طبيب الأسنان! من صنع جهاز غزل البنات طبيب الأسنان الأمريكي ويليام موريسون (1860-1926) بمساعدة الحلواني جون سي وارتون.
الطبيب موريسون كان شغوفاً بصنع الابتكارات الجديدة مثل شغفه بطب الأسنان والسياسة. وفي أحد أيام عام 1897، استطاع مع الحلواني وارتون تحويل حبوب السكر إلى قطع قطنية عبر وضعها في وعاء معدني يحتوي على رأس في مركزه ومثقوب بفتحات صغيرة.
هذا الجهاز يشبه إلى حد كبير، الأجهزة التي تستخدم هذه الأيام لصنع غزل البنات. ففي الجزء العلوي من الرأس يسخن السكر ويتحول إلى سائل، في الوقت نفسه تدفع قوة الطرد المركزي المتولدة من رأس الجهاز الذي يدور بسرعة مذهلة تبلغ 3400 دورة في الدقيقة، السكر السائل عبر الثقوب الصغيرة، يخرج السكر ويتجمد فوراً في شكل خطوط رقيقة طويلة.
أطلق موريسون وصديقه صانع الحلوى على جهاز غزل البنات هذا، اسم آلة صنع الحلوى الكهربائية (Electric Candy Machine)، وبعد 7 سنوات من ابتكاره قدماه في معرض سانت لويس العالمي، حيث نال ثناءً كبيراً، كما حصل على شهادة براءة اختراع، أما المخترعان فأصبحا من رواد الأعمال، وفق شبكة National Geographic الأمريكية.
ثم عرف العالم “خيط الجنية”، وبيعت بنصف مليون دولار
هذا العام كان عام حظ موريسون وصديقه جون، فقد عرف العالم غزل البنات أو “خيط/نسيج الجنية” (Fairy Floss) كما كان يطلق عليه وقتها، بفضل الأعداد الكبيرة التي زارت المعرض، والتي وصلت إلى 20 مليون شخص من حول العالم، خلال فترة إقامته التي امتدت من شهر أبريل/نيسان وحتى ديسمبر/كانون الأول 1904.
كما كسبا الكثير من الأموال في هذا المعرض، حيث باعا أكثر من 68 ألف صندوق حلوى مقابل 17 ألف دولار، وهذا بأرقام اليوم يصل إلى نحو نصف مليون دولار، وفق موقع Spun Paradise. تخيل أن تكسب نصف مليون دولار في 8 أشهر من بيع الحلوى!
بدأت الصحف تكتب عن هذه الحلوى القطنية، وأشخاص أكثر صاروا يعرفونها. استغل موريسون وجون الفرصة وأنشآ شركة Electric Candy Company لصنع هذه الحلوى وبيعها للجماهير المتلهفة، ووصل سعر صندوق الحلوى من 5 إلى 10 سنتات.
نقطة التحول إلى الـCotton Candy
هناك سر ما، يربط أطباء الأسنان بغزل البنات! فمن أطلق مصطلح حلوى القطن أو Cotton Candy على غزل البنات هو طبيب أسنان أمريكي آخر يدعى جوزيف لاسكو، وصارت تُعرف بهذا الاسم منذ عشرينيات القرن العشرين (1920) وحتى الآن (باستثناء أستراليا التي تحافظ على الاسم القديم خيط الجنية).
هذا الطبيب كان يحاول بيع حلوى قطنية لمرضاه، وقلد جهاز مورسين وجون، لكنه أطلق على الحلوى اسماً مختلفاً، بسبب أن الجهاز والحلوى مسجلان ببراءة اختراع ولا يحق لأحدٍ آخر تقليدهما، اختار اسم حلوى القطن، لأنه رأى أنها تشبه القطن الذي كان يُزرع في الولاية التي نشأ فيها (لويزيانا جنوب أمريكا)، لذلك ابتكر الاسم الجديد، وهو الشيء الوحيد الذي استمر، لأن محاولته تقليد الجهاز فشلت، بسبب أن الجهاز كان يميل إلى الاهتزاز بقوة وصوت صاخب.
وعموماً، بعيداً عن محاولات لاسكو، حُلت مشكلة الجهاز في عام 1949، بإضافة شركة تسمى “منتجات الميدالية الذهبية-Gold Medal Products” قاعدة محملة بنابض أو زنبرك، وأصبح الزنبرك جزءاً أساسياً من الجهاز حتى الآن، فيجعله ثابتاً وأكثر استقراراً، كما ساهم في جعل نسيج الحلوى أرق.
ثم بحلول السبعينيات انتشرت أجهزة صناعة حلوى غزل البنات، وتطورت فقط أشكال الحلوى وطعمها، إذ أصبحت تقدَّم بنكهات وألوان أكثر مما كانت تُصنع عليه في الماضي، حيث كان الأبيض هو اللون الوحيد الذي عرفه مخترعوها.
روايات أخرى عن غزل البنات: غزل للحكام
هناك رواية تاريخية أخرى استعرضها كتاب Sweets: A History of Candy عن نشأة هذه الحلوى، تعود إلى تاريخ أقدم، وتحديداً القرن الخامس عشر. عندما صهر طهاة إيطاليون السكر وقاموا بلف خيوطه الرفيعة على مقبض مكنسة خشبية باستخدام شوكة. حتى إنه يقال إن هذه الحلوى قُدمت لملك فرنسا هنري الثالث، أثناء زيارته لمدينة البندقية الإيطالية في القرن السادس عشر، حيث حضر مأدبة كاملة من السكر المغزول.
رواية ثانية تعود للقرن التاسع عشر، تتحدث عن استخدام الطاهية الفرنسية الشهيرة ماري أنطوان كريم حلوى السكر المغزولة في تزيين كعكة زفاف نابليون. لكنّ غزل السكر وقتها كان يحتاج عملاً كثيراً ووقتاً وجهداً وفَّرته آلات غزل البنات على الجميع، وأصبحت أساليب تزيين حلوى الأغنياء متوافرة كوجبة حلوة خفيفة للجميع.