يواجه الحاصلون على الجنسية النمساوية الجدد في حالات معينة فجأة متاعب قانونية في وطنهم الأصلي، لأنهم في نظر قوانين دولتهم الأولى ما زالوا مواطنين يخضعون لها. فقوانين إصدار جوازات السفر متنوعة بتنوع الدول التي تصدرها.
قانون الجنسية في جمهورية النمسا الاتحادية يضع المواطن أمام خيار وحيد: إما الجنسية النمساوية وإما جنسية بلد آخر. ما يعني أن من يحمل الجنسية النمساوية لا يجوز له الاحتفاظ بجنسية بلد آخر. بعبارة أوضح: الأجنبي الذي يتقدم بطلب للتجنس بالجنسية النمساوية، عليه التخلي عن جنسية بلده الأصلي، وفق المادة العاشرة من قانون التجنسية النمساوي.
هذا ما يتعلق بالمبدأ الأساسي للتجنس، لكن القانون يسمح باستثناءات أيضا ويخفف قيوده في بعض الحالات: مثلا هناك بعض البلدان التي لا تسقط الجنسية عن مواطنيها أبدا، هنا ينظر قانون الجنسية النمساوي بعين العطف إلى المتجنس الجديد ويسمح له بالاحتفاظ بجنسيته الأصلية.
إيران، مثلا، واحدة من تلك البلدان التي ينص قانون الأحوال المدنية فيها على عدم إسقاط جنسيتها إطلاق عن مواطنيها. في نفس الوقت لا يستطيع أحد تجنب اكتساب الجنسية الإيرانية، فالقانون ينص على أن كل من يكون والده إيراني الجنسية هو أيضا إيراني الجنسية، وذلك بغض النظر عن مكان ولادته والبلد الذي يعيش فيه.
وهناك فقرة في قانون الأحوال المدنية الإيراني يعقد الأمور بشكل خاص بالنسبة للنساء الإيرانيات اللواتي يرغبن في الحصول على جنسية بلد آخر. فالنساء عليهن حمل الجنسية التي يحملها الزوج. وعلى هذا الأساس يتم قبول مبدأ ازدواجية الجنسية بشكل مستمر، عندما يتقدم الإيرانيون المقيمون في النمسا بطلب الحصول على الجنسية. وحسب بيانات المكتب الاتحادي للإحصاء، فإن عدداّ من الإيرانين قدموا العام الماضي طلبا لنيل الجنسية النمساوية، حيث حصلوا عليها جميعا دون أن يسقط أي منهم جنسيته الإيرانية.
وللعلم، فإن إيران ليست البلد الوحيد الذي يرفض إسقاط الجنسية عن مواطنيه. فهذه الحالة نجدها في 40 بلدا آخر، بينها الأرجنتين. وقدم العام الماضي عدداّ من الأرجنتينين يعيشون في النمسا طلبا لنيل الجنسية النمساوية، حيث احتفظوا جميعا دون استثناء بجوازات سفر بلدانهم الأصلية. ولكن هناك دول لديها قوانين جنسية صارمة مثل أفغانستان وإريتريا ونيجيريا وسوريا. حق الدم مقابل حق الإقليم
هناك مبدآن يتحدد بموجبهما قرار منح الجنسية لشخص ما: الولايات المتحدة على سبيل المثال، تمنح الجنسية وفق مبدأ الإقليم، ويسمى في الولايات المتحدة “Jus Soli”. ما يعني أن كل الأطفال الذين يلدون فوق أراضي الولايات المتحدة الأمريكية يحصلون تلقائيا على جنسيتها. كما يحصل أطفال المواطنين الأمريكيين الذين يلدون خارج الولايات المتحدة على جنسية الوالدين الأمريكية.
من جانب آخر، تنتهج النمسا والصين مبدأ آخر في سياسة التجنس. فالدولتان تعتمدان مبدأ “Jus Sanguinis” أي مبدأ “حق الدم”. والمقصود بذلك هو الأصل، أي أن النمسا لا تمنح جنسيتها على الولادة على أراضيها، كما هو الحال في الولايات المتحدة، وإنما تمنح جنسيتها على أساس حمل أحد الوالدين بالجنسية النمساوية. لكن حق الدم ليس هو الطريق الوحيد للحصول على الجنسية النمساوية، إذ يسمح قانون الجنسية النمساوية بالتجنس للمقيميين على أراضيها لفترة زمنية محددة وتوفر الشروط الأخرى اللازمة. كما يسمح القانون النمساوي في حالات استثنائية بازدواجية الجنسية. أما الصين فتصعب إلى حد كبير تجنس مقيميين فيها من إثنيات أجنبية. أما ازدواجية الجنسية، فيمنعها القانون الصيني جملة وتفصيلا.
الأوروبيون ونعمة تعدد الجوازات
أما بالنسبة إلى وضع الأوروبيين في دول الاتحاد الأوروبي، فإنه مختلف تماما. فالنمسا سمحت في عام 2007 لكل مواطني دول الاتحاد الأوروبي وسويسرا بالتجنس لديها، رغم أن الحكومة النمساوية لا تفضل مبدأ ازدواجية الجنسية، حيث يحتفظ كل المجنسين الجدد في النمسا من مواطني دول الاتحاد الأوروبي بجوازات سفر بلدانهم الأصلية. كما تسمج بقية دول الاتحاد الأوروبي بازدواجية الجنسية إما بشكل كامل أو فقط في حالات استثنائية.
وأظهرت إحصائية للسكان أن الكثير ممن يعيشون في النمسا يحملون إلى جانب الجنسية النمساوية المكتسبة جنسيات دول أخرى. فحوالي 690 ألف مواطن يحملون إلى جانب جنسيته النمساوية الجنسية البولندية ايضا. وهناك أيضا الألألف ممن يحملون الجنسية الروسية وقرابة 20 ألف يحملون الجنسية التركية إلى جانب النمساوية، وفق الأرقام التي نشرها المكتب الاتحادي للإحصاء. لكن هذه الأرقام تبقى نسبية وغير مؤكدة تماما، لأن الكثيرين من المواطنين ينسون أن لهم حق الاحتفاظ بجنسية بلدهم الأصلي أو ينسون ذكر تخليهم عن الجنسية الأصلية لدى الدوائر الرسمية.
حق الاختيار بين جنسيتين
تجدر الإشارة إلى أنه وحتى نهاية عام 2014 كانت النمسا تتميز بأمر نادر: وهو أنه كان يفرض على الشباب ما بين سن 18 و23 عاما ممن ولدوا في النمسا من أبوين أجنبيين وترعرعوا فيها أن يختاروا بين جنسيتين، جنسية الوالدين الأصلية أو الجنسية النمساوية. وكان ذلك يتعلق بالشباب من أصول تركية بالدرجة الأولى.
لكن ومنذ نهاية 2014 لم يعد يجب على هؤلاء الذين أنهوا عامهم الحادي والعشرين في النمسا، وقضوا منها ثمانية أعوام في النمسا أو دخلوا المدرسة لمدة ست سنوات، الاختيار بين إحدى الجنسيتين. فقد سقط مبدأ الاختبار بين الجنسيتين لكل من أنهى التعليم المدرسي أو تأهيلا مهنيا في النمسا. وبات منذ ذلك الحين من حق هذه الشريحة من المواطنين، وجلهم من أصول تركية، حمل الجنسيتين التركية والنمساوية معا.
خصوصية العلاقة الإسرائيلية ـ الفلسطينية
في الشرق الأوسط، وخصوصا في حالة إسرائيل والمناطق الفلسطينية، هناك خصوصيات متعددة فيما يخص قانون الجنسية. واحدة من هذه الخصوصيات تشمل العلاقة بالنمسا: فهناك مواطنون نمساويين يحملون جواز سفر النمساوي ومسجلين في نفس الوقت لدى السلطات الفلسطينية كمواطنين لهم وثائق رسمية ولكن لا يجوز لهم دخول الأراضي الإسرائيلية، رغم حملهم لجواز سفر نمساوي. ولا يسمح لهؤلاء بالسفر إلى مناطق الضفة الغربية إلا عبر الأردن. وفي حال عدم امتلاكهم لجواز سفر فلسطيني، يتم تسجيل رقم وثيقتهم الفلسطينية في جواز السفر النمساوي ويطالبون باستصدار جواز سفر فلسطيني.
وفي إسرائيل هناك قانون لا يزال ساريا حتى اليوم منذ عام 1950 وبعد عامين من تأسيس الدولة الإسرائيلية، وحيث كانت ذاكرة المحرقة مازالت طرية في أذهان الناس، أصدرت إسرائيل قانونا يسمح لكل يهود العالم بالهجرة إلى إسرائيل واكتساب الجنسية الإسرائيلية فورا. وحسب القانون، فإن اليهودي هو من تكون أمه يهودية أو من اعتنق الديانة اليهودية بشكل موثوق. وفي الآونة الأخيرة استفاد الكثير من يهود فرنسا من القانون وهاجروا إلى إسرائيل بعد أن تفاقمت ظاهرة معاداة السامية والاعتداء على اليهود بشكل متكرر.