أتاحت جائحة فيروس كورونا لدونالد ترامب فرصة لمهاجمة الشفافية وحقوق التصويت والمساءلة.
بينما أصبحت الولايات المتحدة الآن أكبر بؤرة لتفشي فيروس كورونا المستجد في العالم، بـ 587.337 حالة مؤكدة، و23.649 حالة وفاة، حتى لحظة كتابة هذه السطور، يحذر ستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية في مركز روبرت ورينيه بيلفر في جامعة هارفارد، من أن الولايات المتحدة الأمريكية تصاب الآن في عهد الرئيس دونالد ترامب بنوعٍ مختلف -وربما أخطر- من الأوبئة هو: الديكتاتورية.
يستهل ستيفن والت مقاله المنشور على صفحات مجلة «فورين بوليسي» بالحديث عن مسلسل «مؤامرة ضد أمريكا»، الذي يستند إلى رواية ألفها فيليب روث، وتعرضه شبكة «إتش بي أو» الأمريكية لخدمات التلفزيون المدفوعة، وهو المسلسل الذي يقدم تاريخًا بديلًا لحقبة الأربعينيات، ويحكي قصة انتخاب تشارلز ليندبرج رئيسًا للولايات المتحدة، لتبدأ بذلك أمريكا مسيرةً بطيئة ومقلقةٍ نحو الفاشية. ويقول الكاتب: إذا كنتَ قرأتَ آخر مقالٍ سطره بول كروجمان، كاتب العمود في صحيفة نيويورك تايمز، لربما تتساءل عما إذا كان شيء مماثل لما يتخيله المسلسل يمكن أن يحدث في الحياة الواقعية.
يضيف الكاتب: سبق وأن رصدتُ عدة اتجاهات مثيرة للقلق في عدة مناسبات منذ انتخاب الرئيس دونالد ترامب في عام 2016 (انظر هنا وهنا وهنا)، وتجاهُل هذه العلامات التحذيرية سيكون أشبه باستجابة ترامب لـ جائحة فيروس كورونا. هل تذكر عندما قال الرئيس: إن الفيروس «سيختفي» ذات يوم، وتفاخر بأن «الفيروس تحت سيطرتنا الكاملة. إنه شخص واحد قادم من الصين… ستكون الأمور على ما يُرام»؟ نصيحتي: لا تكن مثل هذا الرجل.
بعض الاتجاهات المثيرة للتفاؤل
يستدرك المقال: لكن أولًا، هاكَ بعض الأخبار الجيدة. فعلى الرغم من أن الأمريكيين ليسوا راضين عن العديد من المؤسسات الحكومية، إلا أن التزامهم لا يزال قويًا تجاه المُثُل العليا الجوهرية للمجتمع الليبرالي. إذ يؤمن 93% بأهمية أن يكون لدينا قضاء عادل، ويقول 84% إن إجراء الانتخابات بانتظام مهم، ويدعم 80% الإعلام الحر، و يُعلي 77% من قيمة حرية التعبير، وفقا لمسح أجراه مركز بيو للأبحاث عام 2019. وعلى الرغم من الاستقطاب السياسي واسع الانتشار، يعتقد 67% أن وجود أحزاب معارضة مهم أيضًا. وهي المواقف التي تبث الطمأنينة في القلوب؛ لأن الدعم الشعبي للديمقراطية تبين أنه مهم للحفاظ على النظام الديمقراطي.
كما أن استجابة الجمهور لفيروس كورونا تقدم بصيصًا من الأمل كذلك؛ بدءًا من التصرفات العديدة التي تظهر في جميع أنحاء البلاد، وتتسم بالكرم والإيثار. وعلى الرغم من أن معدل تأييد ترامب شهد بعض الارتفاع في الأسابيع الأخيرة، فإن هذه الزيادة لا تزال أقل بكثير مما حصل عليه الرؤساء الآخرون خلال فترات الطوارئ، التي يكون فيها الميل إلى الالتفاف حول العلم (وشاغل منصب الرئاسة) قويًا جدًا في العادة.
ترامب مستعد لتخريب العملية الديمقراطية
يعترف الكاتب بأن ترامب كان مبدعًا في توجيه الغضب الشعبي بعيدًا عن ساحته وتجنب اللوم في الماضي، ولكن «حتى الأكاذيب التي تنشرها شبكة فوكس نيوز ليس بمقدورها إخفاء ارتفاع عدد الوفيات، والاقتصاد المتدهور، ومواصلة ترامب الاستغراق في التمحور حول ذاته حتى خلال فترة الطوارئ الوطنية».
حتى هيئة تحرير صحيفة وول ستريت جورنال الموالية لترامب بطبيعتها يبدو أن سيلها قد بلغ الزُبى. وهل هناك دليل أقوى من الاستجابة الفوضوية التي تعاملت بها الإدارة الأمريكية مع تفشي الفيروس على حاملة الطائرات يو إس إس تيودور روزفلت- وهي الكارثة التي أدت في نهاية المطاف إلى استقالة وزير البحرية بالوكالة توماس مودلي- ليؤكد أن ترامب ليس لديه فكرة عن كيفية اختيار القادة الأكفاء على أي مستوى.
يضيف المقال: الخبر السار- نوعًا- هو أن الشعب الأمريكي رأى أخيرًا الأكذوبة التي لطالما كانت موجودة. والخبر السيء هو أن هذا قد لا يغير من الواقع شيئًا؛ لأن ترامب سيبذل كل ما في وسعه ليبقى في منصبه بعد نوفمبر (تشرين الثاني)، حتى لو تطلب ذلك تخريب العملية الديمقراطية مع سبق الإصرار والترصد.
يضيف المقال: بادئ ذي بدء، نحن نعلم أن التزام ترامب بالمبادئ الجوهرية الديمقراطية وفكرة الضوابط والتوازنات بأكملها إما هش أو معدوم. ومسيرته المهنية المزدحمة بالدعاوى القضائية تظهر أنه ينظر إلى القانون ليس باعتباره أداة لكبح جماح السلطة التعسفية أو مكونًا أساسيًا لمجتمع ليبرالي بل سلاحًا يشهره المرء ضد أعدائه. ولطالما أعرب ترامب مرارًا وتكرارًا عن إعجابه بالقادة المستبدين، الذين يحسدهم بوضوح على ما يتمتعون به من سلطةٍ مطلقة بلا رادع.
وتقدّم محاموه أنفسهم -بمن فيهم المدعي العام وليام بار- بحجج قانونية غير مدروسة تنطوي على قناعةٍ بأن الرئيس فوق القانون. فهل يعتقد أي شخص بجدية أن ترامب سيحجم عن ارتكاب سلوك سيء وخطير إذا اعتقد أن بمقدوره الإفلات من العقاب؟ تذكّر: هذا هو الرئيس الذي حاول استغلال المساعدة لأوكرانيا باعتبارها أداةً لتلويث سمعة نجل جو بايدن، نائب الرئيس السابق، في محاولةٍ شديدة السفور لإمالة كفة انتخابات 2020 لصالحه.
هذا ما ينتظر ترامب بعد خروجه من البيت الأبيض
يتابع الكاتب: علاوة على ذلك، يحتاج ترامب إلى التمسك بالسلطة بقدرٍ يفوق كل أسلافه. ذلك أن قلوب ملايين الأمريكيين ستكون مُترَعة بالغضب بحلول نهاية هذا العام، وهم يرْثون أحباءهم الذين لقوا حتفهم في موجة الوفيات التي كان يمكن تجنبها نتيجة الإصابة بـ كوفيد-19، ويشاهدون ثرواتهم الاقتصادية تنهار أمام أعينهم. وإذا خسر ترامب درع الحماية الذي يوفره له منصب الرئاسة؛ سيكون عليه أن يقلق من أن ضحايا عدم أهليته وفساده سيرغبون في تطبيق نوعٍ من القصاص.
ولأن ترامب وعائلته كانوا يتربحون من الرئاسة بكل أنواع الطرق المشبوهة؛ فإن لديهم كل الأسباب للخوف من التحقيقات الجنائية التي تُعَرِّض مكاسبهم غير المشروعة (وربما حريتهم الشخصية) للخطر. ولا شك أن ترامب يتذكر مدى شعبية هتاف «احبسوها»، الذي استهدف منافسته على مقعد الرئاسة، هيلاري كلينتون، في عام 2016. وبينما تتبدى إخفاقات ترامب أكثر وضوحًا، يرجح الكاتب أن الكثير من الناس يحملون مشاعر مماثلة (كتلك التي أظهرها مؤيدو ترامب تجاه هيلاري) تجاه الرئيس، ويشدد على أنه لا يقول إن هؤلاء على حق، ولكنه يرجح أن ترامب لن يكاد يهنأ بحياةٍ خالية من المشاكل بعد انتهاء فترة رئاسته.
يكمل المقال: الآن تأمَّل فيما يفعله ترامب بالفعل. لقد قام بطرد المفتشين العامين المستقلين، واستبدل بهم آخرين موالين له. ومثلما يكره اللصوص أجهزة الإنذار المنزلية، ويكره المهاجرون الشرطة، ويكره المتداولون من الداخل (الأشخاص الذين يستطيعون الوصول إلى معلومات داخلية) هيئة الأوراق المالية والبورصات؛ يكره الأشخاص الذين يريدون ارتداء ثوب الاستبداد والفساد السياسي أي نوع من الرقابة التي يمكن أن تفضح مخالفاتهم.
وكما قالت جولييت كايم لإذاعة WGBH، فإن إقالة ترامب للمفتشين العامين «هو استعدادٌ للخسارة. … هو يريد زرع رجال حاشيته في قلب هيئة التحقيق؛ لأنه يعرف أن أول شيء سيحدث هو إدراك الجميع مدى الفساد الذي تورطت فيه عائلة ترامب خلال (رئاسته)».
لماذا يخشى الجمهوريون من التصويت البريدي؟
بعد ذلك، انظر إلى ما حدث للتو في ولاية ويسكونسن. بدلًا من تأخير الانتخابات التمهيدية على مستوى الولاية لفترة قصيرة، واتخاذ خطوات مسؤولة للسماح لجميع المواطنين المؤهلين بالتصويت بأمان عن طريق البريد- وبالتالي تقليل المخاطر الصحية للتصويت، والتأكد من تسجيل التفضيلات الحقيقية للمواطنين بدقة- أصر الجمهوريون في ولاية ويسكونسن على إجراء الانتخابات الأسبوع الماضي، على الرغم من الإغلاق المفروض على مستوى الولاية
وألغت المحكمة العليا- التي تخضع لتأثير ترامب وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل- قرار محكمة أدنى كان سيؤخر إجراء الانتخابات لبضعة أسابيع، للسماح بإجراء أكثر دقة وشرعية. والنتيجة: حرمان الآلاف من الناخبين في ولاية ويسكونسن من حقهم في التصويت.
لا يستغرب الكاتب أن ترامب يشن حملة عنيفة ضد فكرة التصويت البريدي برمتها، على الرغم من أنه شخصيًا يصوت عن طريق البريد. ويوضح المقال أن ترامب يعارض التصويت البريدي لسبب واحد بسيط: أنه يؤدي إلى إقبال أكبر، فيما يميل المزيد من الناس إلى تفضيل الحزب الديمقراطي. ومن اللافت للنظر أن ترامب اعترف بهذا على الملأ، مشيرًا إلى أننا إذا طبقنا مقترحات التصويت المبكر، والتصويت عن طريق البريد الإلكتروني؛ «لن يكون لدينا جمهوريًا منتخبًا في هذا البلد مرة أخرى».
وكما يمكن للمرء أن يتوقع، أصبحت جهود قمع الناخبين-والتي هي تقريبًا الشيء الأكثر تجردًا من الديمقراطية الذي يمكن للمرء أن يتخيله- عاملا محوريًا في مجمل استراتيجية الحزب الجمهوري الانتخابية. ورؤية الحزب إلى الديمقراطية بسيطة: ينبغي أن يتولى السياسيون اختيار الناخبين، وليس العكس.
أي نهاية ستكتب لهذا الكابوس الأمريكي؟
أخيرًا، يحدث كل هذا في خضم ما يرقى ربما إلى أن يكون أكبر حالة طوارئ وطنية في التاريخ الأمريكي؛ إذ يتجاوز عدد الخسائر البشرية في الولايات المتحدة نظيرتها في الحرب الكورية أو الفيتنامية، وقد يتجاوز الضرر الاقتصادي خسائر الكساد الكبير.
يكمل الكاتب: دائمًا ما تمارس الحكومات سيطرة أكبر في مثل هذه الظروف. والسلطة الحكومية المتزايدة ستمنح لترامب والجمهوريين فرصًا كبيرة لإمالة كفة النتائج الانتخابية لصالحهم. وإذا رجحت استطلاعات الرأي في خريف هذا العام خسارة ترامب، فهل يمكن لأي شخص أن يستبعد محاولة إلغاء أو تأجيل انتخابات نوفمبر، بذريعة الحفاظ على السلامة العامة؟
بطبيعة الحال، سيكون هناك سيناريوهان ختاميان لهذا الكابوس هما: إما فوز بهامش ضئيل للمرشح الديمقراطي المفترض جو بايدن -الذي يرفض ترامب الاعتراف به منافسًا- أو نتيجة متنازع عليها في ولاية أو ولايتين رئيسيتين، ما يترك غيوم الشك تخيم على النتيجة النهائية، ويثير نزاعًا يتعين حله في ساحة المحكمة العليا.
وكما أشارت المدعية العامة الأمريكية السابقة، باربرا ماكوايد؛ سبق وأن تحدث ترامب وبعض مؤيديه الأكثر تطرفًا عن تمديد فترة ولايته في الماضي، وهناك حالات معروفة في تاريخ الولايات المتحدة لمسؤولين منتخبين آخرين رفضوا التنحي.
وأشارت باربرا (مشجعة) إلى أن دعائم السلطة الحالية تصب في اتجاه تنحيته من منصبه؛ لأن ترامب لن يكون لديه السلطة القانونية لإصدار أوامر إلى السلطة التنفيذية بمجرد انتهاء ولايته. لكن السؤال الحقيقي في هذا السيناريو ليس ما إذا كانت أوامره ستكون قانونية، ولكن ما إذا كانت ستُتَّبَع، خاصة إذا ظل الحزب الجمهوري يسير خلفه داعمًا له، وكان الملايين من مؤيديه مقتنعين بأنه فاز. في تلك اللحظة، يحذر الكاتب في ختام مقاله، أن الولايات المتحدة سيكون عليها أن تمخر عُباب مستقبلٍ مجهولٍ وعاصِف.