في ظل انتشار وباء كورونا وتأثيره على حياة ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم، قد يكون شهر رمضان المبارك، الذي من المقرر أن يحلّ في يوم الجمعة 24 أبريل/نيسان أو نحو ذلك، مختلفاً بشدة هذا العام، فما زالت كثير من الدول العربية والإسلامية في حالة طوارئ وإغلاق تام، كما أعلنت حتى اللحظة دول إسلامية كبيرة مثل تركيا ومصر عن إلغائها لصلاة التراويح، فيما لمّحت السعودية إلى إلغائها أيضاً.
ما الاختلافات التي قد تشهدها الاستعدادات الرمضانية هذا العام؟
جرت العادة أن يقضي المسلمون الأسابيع الأخيرة قبيل حلول شهر رمضان في الاستعداد لاستقباله أحسن استقبال، والسعي جيئةً وذهاباً للتحضير والتأكد من أن مطابخهم تختزن الأطعمة ومكونات الوجبات التقليدية.
وتعد تلك الفترة في منطقة الشرق الأوسط وغيره من الأماكن موسمَ ذروةٍ للتسوق وكل ما يتعلق به، كما يقول موقع Middle East Eye البريطاني، فالمتاجر تبيع الهدايا التقليدية والزينة ذات الطابع الخاص، وتمتلئ الشوارع بالفوانيس والأضواء الملونة، ويزين السكان منازلهم بالرسوم والزينات التي تحمل شكل الأهلّة والنجوم، كل ذلك احتفالاً بحلول هذا الشهر الكريم.
ورغم ذلك، فإن الأوضاع الطارئة هذا العام، وما تنطوي عليه من حظر تجول وحالة إغلاق مفروضة في بعض البلدان، علاوة على تقليص ساعات العمل، تستدعي معاناة عدد كبير من المسلمين للاستعداد بالكاد للشهر القادم.
وهكذا شهدت كثير من المحلات نقصاً في المواد الغذائية، بعد أن اندفع الناس إلى شراء ضرورياتهم لتخلو الأرفف منها بعد ذلك. حتى إن بعض أصحاب المحلات عمدوا إلى تقليص كميات المنتجات التي يمكن لكل عميل شراؤها، وهو ما جعل التسوق للعائلات الكبيرة أمراً صعباً.
ومن الطبيعي أن تتأثر المتاجر أيضاً بهذا التغيير، فقد انخفضت أرباح عددٍ كبير منها نتيجةً لتعليمات العزل الذاتي في المنازل، واضطرار البعض إلى إغلاق أبوابه إلى أجل غير مسمى. كما شملت الإجراءات الجديدة لمواجهة الوباء تخفيضَ أعداد الموظفين وتقليص الكميات المخزنة من البضائع، حيث تعاني المتاجر للحصول على الكميات المعتادة من البضائع من تجار الجملة.
والأرجح أن تكون المشروعات التجارية المستقلة وبائعو الأسواق هم الأكثر تضرراً من الوباء، لأن شهر رمضان هو عادةً موسمٌ أساسي للمخابز والمطاعم ومحلات الحرف اليدوية. وخلال الشهر الكريم، تتضمن القوائم أطعمة ووجبات موسمية، وتبيع الأسواق منتجات غالباً ما تشهد إقبالاً خاصاً في هذا الشهر، مثل المكسرات والتمر.
كيف سيتأثر الصيام بانتشار فيروس كورونا؟
صوم رمضان واجبٌ على المسلمين. ويعفى منه الأطفال والنساء الحوامل وخلال فترة الحيض والنفاس، والمرضى، ومن على سفر. ولا يجب على أولئك الذين يعانون من أعراض الإصابة بفيروس “كوفيد 19” الصيام خلال شهر رمضان، إذا لم يكونوا قادرين جسدياً.
عادة ما يبدأ اليوم الرمضاني في عديد من المجتمعات قبل الفجر. وفي الأزقة والشوارع الضيقة في جميع أنحاء الشرق الأوسط خلال شهر رمضان، يمكنك في أحيان كثيرة سماع المسحراتي وهو ينقر على طبلته خلال الساعات الأولى، ليوقظ السكان للسحور في وقت مناسب قبل الفجر، وينثر الدعوات بشهر مبارك على الجميع. وفي بعض الأحياء الأكثر ترابطاً، يدعو المسحراتي الأطفال بأسمائهم فرداً فرداً. لكن هذا العام قد يشهد غياب المسحراتي التزاماً بحظر التجول وحالة الإغلاق.
وخلال النهار، يرتقب المسلمون وقت الإفطار وهم في أعمالهم والأطفال في مدارسهم، وكل قادر ممتنع عن تناول الطعام.
لكن جائحة كورونا أجبرت آلاف المدارس بالفعل على الإغلاق، وملايين الناس على العمل من منازلهم. وقد يكون ذلك مصدر راحة لكثير من الصائمين، إذ عادةً ما كانوا يقضون تلك الساعات في السفر والعمل وما إلى ذلك، في حين يمكنهم الآن قضاء بعضها في النوم تعويضاً عن ساعات النوم المفقودة خلال الليل.
كيف ستختلف أوقات تناول الطعام في رمضان؟
غالباً ما يكون رمضان مهرجاناً جماعياً ممتداً طوال الشهر، لكن ذلك قد يتأثر أيضاً بانتشار وباء كورونا. إذ من المرجح أن يحول انتشار الفيروس دون تجمع العائلات ومجموعات الأصدقاء المعتادة على وجبة الإفطار، خاصةً في ظل دعوات الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى التباعد جسدياً بين الأفراد. وقد تحجز التدابير المتخذة أيضاً أولئك الذين يعيشون في أسر أصغر عن الانضمام إلى التجمعات الأكبر التي غالباً ما يشهد الشهر الكريم دعوات على غرارها.
والمعتاد أن تقيم المنظمات الخيرية والأفراد خياماً كبيرة يمكن لأعداد كبيرة من المسلمين التجمع والإفطار فيها، فهي تكون مفتوحة للجميع. لكن من غير المعروف أيضاً ما الذي سيحدث فيما يتعلق بهذا الأمر، إذ ستضطر هذه الجمعيات لإيصال وجبات الطعام بشكل فردي للمحتاجين.
والأغلب أن تتأثر أيضاً اجتماعات السحور التي تقام قبل الفجر، والتي تستخدمها بعض المنظمات في الشرق الأوسط بديلاً عن اجتماعات المكاتب والفعاليات الصحفية التي كانت ستقام خلال النهار.
وللتغلب على القيود التي تفرضها إجراءات التباعد الجسدي، أقامت بعض الجمعيات والمساجد ندواتها عبر الإنترنت ومؤتمرات الفيديو. وأحد الأمثلة على ذلك مشروع “الخيمة الرمضانية” الذي يقام في المملكة المتحدة، وعادةً ما يستضيف إفطاراً مفتوحاً في الهواء الطلق كل شهر رمضان، لكنه قرر هذا العام أن يقيم ندواته عبر الإنترنت للإفتاء والإجابة عن الأسئلة الدينية وتقديم النصائح حول كيفية الاستفادة من الشهر الكريم.
كيف تأثرت رحلات العمرة بالقيود المفروضة للحد من انتشار فيروس كورونا؟
تشهد الأشهر التي تسبق شهر رمضان وخلاله أكثر الرحلات ازدحاماً للسفر إلى مكة المكرمة، مسقط رأس النبي محمد، في السعودية حالياً. وتجذب تلك الرحلات ملايين المسلمين من جميع أنحاء العالم، حتى إن كثيراً منهم يدخر لسنوات ليتمكن من الخروج في تلك الرحلة الاختيارية، تقرباً لربه وطلباً للمغفرة وقضاء الحاجات.
عادةً ما يحتاج الحجاج إلى تقديم شهادة تشير إلى تلقيهم تطعيماً ضد الالتهاب السحائي قبل دخولهم المملكة، لكن انتشار فيروس كورونا ضاعف من الإجراءات والاشتراطات الصحية.
في 27 فبراير/شباط، أوقفت السعودية مؤقتاً رحلات السفر إلى الأماكن المقدسة في البلاد وسط مخاوف من أن تسهم في انتشار الفيروس، دافعة وكلاء السفر إلى المسارعة بتأجيل الحجوزات والبحث عن سبل لإعادة ترتيبها. وكثير من الحجاج قرروا ببساطة إلغاء سفره المقرر. وقررت السعودية في وقت لاحق إخلاء المسجد الحرام وتعقيمه للوقاية من انتشار الفيروس
ما العبادات الأخرى التي قد تتأثر بالأوضاع الحالية؟
يجتمع كثير من المسلمين بانتظام للتعلم وتحصيل مزيد من المعرفة حول دينهم فيما يعرف بحلقات العلم. وتعود هذه الممارسة إلى زمن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، عندما تشارك المسلمون تقاليد الاجتماع لتلقي العلم والسؤال عما يطرأ لهم في أمور دينهم ودنياهم.
تزداد وتيرة إقامة تلك الحلقات خلال شهر رمضان. وتختلف هيئتها لاختلاف التركيبة السكانية للحاضرين. وعادةً ما تقام الصلوات والأذكار جماعياً خلال تلك الاجتماعات.
والمفترض الآن أن عديداً من المساجد ستقدم بديلاً عن تلك الحلقات على الإنترنت، بوسائل مثل المؤتمرات عبر الفيديو أو البث المباشر، في سعي للحفاظ على التقاليد التي لطالما حرص عليها المسلمون طيلة قرون.
ماذا عن الأنشطة الخيرية خلال انتشار الوباء؟
من الأمور المركزية في شهر رمضان الأعمال الخيرية ومساعدة الفقراء والمحتاجين. ويؤمن المسلمون بأن هذا ركن أساسي في دينهم، وأن تلك الأعمال تستجلب الثواب العظيم والبركات خلال ذلك الشهر. وتُنظّم عادةً فعاليات لجمع التبرعات خلال كل اجتماع للناس، سواء خلال وجبات الإفطار أو بعد صلوات الجماعة.
والمعتاد أن يجمع متطوعون التبرعات لإعداد حزم الطعام الرمضانية للمحتاجين. ومع ذلك، فإن الأوضاع السيئة ذلك العام، وما تتضمنه من نقص عام في المواد الغذائية الأساسية مثل الأرز والمعكرونة والعدس وغيرها، بالإضافة إلى القيود المفروضة على الحركة، كل ذلك يعني أن الأسر ذات الدخل القليل أو المعدوم يرجح أن تعاني معاناة كبيرة لتوفير احتياجاتها الأساسية. والأدهى من ذلك، أنه في بعض البلدان التي تعاني أزمات اقتصادية، مثل مصر، غالباً ما يكون شهر رمضان هو الوقت الوحيد في السنة الذي تأكل فيه اللحم، أو قطع الدجاج مع الأرز على سبيل المثال.
وتشير بيانات “منتدى الجمعيات الخيرية الإسلامية” (MCF) إلى أن المسلمين يتبرعون بما لايقل عن 130 مليون جنيه إسترليني [160 مليون دولار] للأعمال الخيرية خلال الشهر الكريم. لكن المتوقع هذا العام أن يجري جمع التبرعات من خلال مواقع مخصصة للتبرعات عبر الإنترنت.
ما هي تقاليد رمضان الأخرى التي قد تتأثر؟
على الرغم من أن كثيراً من المسلمين يركزون خلال الشهر الفضيل على العبادات والتقرب من ربهم، فإن رمضان يعد أيضاً موسماً يشهد متابعة الجماهير بأعداد كبيرة للمسلسلات التلفزيونية في وقت الذروة.
وترتفع أعداد المشاهدين للقنوات التلفزيونية ارتفاعاً هائلاً، في ظل اتجاه المتابعين إليها بحثاً عن التسلية والإلهاء خلال انتظارهم لموعد الإفطار. ويُنتج عدد كبير من المسلسلات اليومية، التي تستعين بكبار النجوم خصيصاً للبث خلال شهر رمضان، توقعاً لجمهور كبير من المتابعين في جميع أنحاء المنطقة.
لكن البرامج التلفزيونية الرمضانية هذا العام لديها فترة زمنية قصيرة للاستعداد، إذ لم تستكمل 70% من المسلسلات التلفزيونية تصوير حلقاتها بعد، وفقاً لما ذكره أحد المطلعين على الصناعة، الذي قال أيضاً إن عدداً كبيراً من المسلسلات يستمر تصويرها حتى نهاية الشهر ذاته.
وفيما يتعلق بقطاع ترفيهي آخر، تقدم الفنادق في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا طيلة الشهر وجبات إفطار ضخمة، تليها عروض ترفيهية، إذ تعد الحفلات والمهرجانات كذلك ملمحاً أساسياً لهذا الشهر. ومن المتوقع أن تتعرض تلك الأنشطة لضربة كبيرة أيضاً.
ما التأثير الذي قد يحمله وباء كورونا فيما يتعلق بعيد الفطر بعد رمضان؟
ينتهي رمضان برؤية بدر الشهر التالي، مؤذناً بحلول عيد الفطر، الذي يستمر الاحتفال به لمدة ثلاثة أيام. وتقام صلاة العيد في وقت مبكر من اليوم الأول، حيث يجتمع الناس للصلاة وتناول الطعام خلال النهار لأول مرة منذ شهر.
والعيد في معظم أنحاء الشرق الأوسط عطلةٌ رسمية، تنتشر فيه الاحتفالات وتناول الطعام في الخارج، ويرتدي الأطفال ملابس جديدة، ويتلقون الأموال أو الهدايا ويأكلون الحلوى. وعادةً ما تقضي الأسر أيام العيد خارج المنازل احتفالاً به، ويقضي الأطفال أيامه في اللعب والكبار في تبادل الزيارات الاجتماعية.
وتزين البيوت خلال العيد بالأضواء والرسوم ولافتات التهنئة “بالعيد المبارك” تملأ الأرجاء. لكن وبسبب انتشار وباء كورونا فمن المرجح أن يتأثر العيد، حتى أكثر من رمضان هذا العام. إذ في حين أن تقاليد رمضان الأساسية يمكن الالتزام بها في المنزل، فإن العيد لا يكون عيداً إلا بخروج المسلمين للاحتفال وتبادل الزيارات ورؤية الاصدقاء، استعداداً للعودة إلى الحياة اليومية العادية بعده.
كما أنه مع الإغلاق العام لدور السينما والحدائق الترفيهية هذا العام، سيضطر الأطفال وذووهم إلى الاقتصار في احتفالهم بالعيد على المنزل.
ولمّا كان من المرجح أن تحظر الحكومات أي تجمعات كبيرة، تماشياً مع إجراءات الإغلاق العام، فإن المتوقع أن يكون العيد أكثر صمتاً وأقل ظهوراً وشهوداً للاحتفالات هذا العام.