يحاول الباحثون معرفة الأسباب التي دفعت إلى تحول الصحراء الكبرى من كونها بحيرات كبيرة لتصبح بعد آلاف السنوات مساحات صحراوية شاسعة، وذلك من خلال فحص بقايا الأسماك المأكولة منذ آلاف السنين.
الباحثون قاموا بتحليل المواد الموجودة في كهف صخري بجبال أكاكوس في جنوب غرب ليبيا، وقالوا إنهم عثروا على أكثر من 17,500 من بقايا حيوانات يرجع تاريخها إلى بين 10,200 إلى 4650 عاماً مضت، وإن 80% منها بقايا أسماك. وثلثا تلك الأسماك تقريباً كانت أسماك السلوريات (القراميط) والبقية هي سمك البلطي. وقال فريق البحث إن العلامات على عظام الأسماك تشير إلى أكلها بواسطة البشر، الذين كانوا يعيشون في الكهوف الصخرية، وفق تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
سياق الخبر: محاولات العلماء البحث عن الأسباب التي قلبت تكوين الصحاري من بحيرات لمساحات من الرمال ليست الأولى هذه المرة، بل إن هناك محاولات أخرى تمت، عثر العلماء ساعتها على بقايا أسماك فيما يُعتبر الآن مناطق جافة صحراوية، ولكن الفريق قال إنها المرة الأولى التي يُتتبع فيها المناخ القديم للمنطقة عن طريق بقايا الحيوانات.
أهمية الخبر: تأتي الأهمية كون هذا الاكتشاف هو الأحدث في سلسلة اكتشافات كهوف تاكاركوري الصخرية الكبيرة، وهو موقع يبلغ طوله 50-60 متراً، وارتفاعه 30 متراً، ويُعتقد أنه كان يستخدم لجمع الصيد منذ أكثر من 10 آلاف عام.
قال البروفيسور سافينو دي ليرنيا، المشارك في الدراسة من جامعة سابينزا في روما، إن الاكتشافات السابقة في الكهوف تتضمن أدلّة على رسوم على الصخور، تشير إلى زراعة الحبوب البرية وتخزين ثمارها، وبقايا مواد فخارية تستخدم لتحضير منتجات الألبان يرجع تاريخها إلى حوالي 7 آلاف عام.
من جانبه قال دكتور ويم فان نير، من المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية، والمشارك في الدراسة: “كل النتائج الأخرى سطحية، ترجع إلى طبقة واحدة، وفترة واحدة، وحدث واحد. بينما ما اكتشفناه هنا يمثّل تسلسل 5 آلاف عام من العظام، وهو ما يجعل هذا الاكتشاف مميزاً”.
تفاصيل الاكتشاف الجديد: العلماء عثروا في الكهوف على بقايا بشرية محنطة بطريقة طبيعية، ترجع إلى رعاة من العصر الحجري الحديث، بينما الطبقات العليا من الموقع تألفت من روث حيوانات الرعي، التي تمركزت في الموقع في الفترة منذ 5900 إلى 4650 عاماً.
ذكر فان نير وزملاؤه في دورية Plos One أن الأسماك تمثّل حوالي 80% من بقايا الحيوانات المكتشفة في الموقع، وتنتمي إلى الفترة منذ 5 آلاف عام، بينما تمثّل الثدييات ما يزيد عن 19% بقليل. والبقية من الطيور والرخويات والحيوانات الأخرى مثل السلاحف.
اكتشف الفريق أن نسبة الأسماك لم تكن ثابتة، ولكنها انخفضت من 90% في الطبقات الأولى إلى حوالي 48% في الطبقات التي تعود إلى الفترات الأحدث.
معدو الدراسة كتبوا: “تتناقص كمية الأسماك بمرور الوقت ويزداد عدد الثدييات، وهو ما يشير إلى الزيادة التدريجية في تركيز الأشخاص في تاكاركوري على الصيد ورعاية الماشية”. وأضافوا: “لا يتضح ما إن كان ذلك عملية متعمّدة أم أن ذلك التحول يرتفع بزيادة معدلات الجفاف، وهو ما جعل البيئة أقل ملاءمة للأسماك”.
العودة إلى الوراء: تتوافق النتائج مع الاكتشافات السابقة في الصحراء الكبرى وتحليل السمات الرسوبية والجيولوجية، التي سلّطت الضوء على التحول المناخي من بيئة رطبة غنية بالزراعة والبحيرات منذ أكثر من 10 آلاف عام، إلى فترة متقلبة بين الجفاف والرطوبة، حتى 5500 عام تقريباً، عندما أصبحت المنطقة أكثر جفافاً، وهو ما أسفر عن المشهد الذي نراه حالياً.
قال فان نير: “عندما يصبح المناخ أكثر جفافاً من الممكن أن يكونوا ابتعدوا للغاية عن المناطق الغنية بالأسماك، ولذلك السبب انخفضت بقايا الأسماك التي اكتشفناها. البشر انتهازيون، يحصلون على ما هو سهل أمامهم”.
الدكتور كلايتون ماغيل، من جامعة هيريوت وات، الذي لم يشارك في البحث، ولكنه اكتشف سابقاً التغيرات المناخية في غابات سافانا الإفريقية، قال إن التحول المناخي في منطقة الصحراء الكبرى واحد من أبرز التحولات البيئية في الماضي القريب لكوكب الأرض.
أشار إلى أن الدراسة الجديدة أظهرت أن التغيرات المناخية واسعة النطاق قد تؤثر على الفصائل المختلفة بطرق مختلفة، وتزيد من فهمنا لأسلافنا البشر وعلاقتهم بالمناخ والبيئة. مضيفاً: “الدراسة تربط التغيرات المناخية بالتغيرات الثقافية، سواء كانت مرتبطة باستراتيجيات البقاء أو السلوكيات الاجتماعية، وتبرز علاقة التأثير المتبادل بين البشر والبيئة”.