كم من المال ستدفع إيران تعويضات لضحايا الطائرة الأوكرانية؟ الإجابة ربما تعني «الإفلاس»

بينما تحاول إيران احتواء تداعيات إسقاط الطائرة الأوكرانية بصواريخ الحرس الثوري، تتردد كلمة التعويضات في كل تصريح مرتبط بالكارثة، فكم ستدفع إيران لأسر الضحايا البالغ عددهم 176 شخصاً؟ الإجابة عن هذا السؤال ربما لا تكون بالبساطة التي يتصورها البعض.

من يحدد قيمة التعويض في حوادث الطيران؟

هناك اتفاقيات دولية بشأن الحد الأدنى من التعويض تكون شركات الطيران ملزمة بدفعه لأسر الضحايا في حوادث سقوط الطائرات، وبالتحديد توجد اتفاقيتان في هذا الشأن: الأولى هي اتفاقية وارسو الموقعة في 12 أكتوبر/تشرين الأول عام 1929، وهي خاصة بتوحيد قواعد دفع التعويضات لضحايا حوادث سقوط أو تحطم الطائرات المدنية بهدف ضمان قيام شركات الطيران بدفع تلك التعويضات بسرعة لأهالي الضحايا دون اللجوء لإجراءات قانونية طويلة ومعقدة.

خلاصة بنود تلك الاتفاقية تقول إن شركة الطيران ملزمة بدفع 8300 دولار لأسرة كل ضحية في حوادث تحطم الطائرات سواء تم التوصل لاتفاق بشأن التعويض مع أهالي الضحايا أو لم يتم، ولا يوجد حد أقصى لمبلغ التعويض، حيث إن ذلك يتوقف على مدى مسؤولية شركة الطيران عن التحطم (الصيانة وسلامة الطائرة وحالة وخبرة الطاقم وأمور أخرى كثيرة).

أما الاتفاقية الثانية فهي اتفاقية مونتريال وتم إقرارها عام 2003 وتعتبر تحديثاً لاتفاقية وارسو، لكن لم توقع عليها جميع الدول، حيث إن الموقعين عليها حتى الآن هم 112 دولة فقط، وقد رفعت الحد الأدنى للتعويض إلى 170.000 دولار لكل ضحية كحد أدنى.

هل تختلف قيمة التعويض باختلاف جنسية الضحية؟

الإجابة نعم والتفاوت ضخم للغاية، فعلى سبيل المثال تلزم الحكومة الأمريكية شركات الطيران بدفع مبلغ 4.5 مليون دولار كتعويض لكل ضحية من مواطنيها في حوادث تحطم الطائرات، بينما في الصين يبلغ الرقم نصف مليون دولار فقط، وفي أوروبا لا يوجد رقم محدد كحد أدنى للتعويض، ولكن المتوسط أقل عدة مرات من نظيره في الولايات المتحدة.

قيمة التعويض أيضاً تحددها شركات التأمين ضد حوادث الطيران بناءً على عمر ووظيفة الضحية، إضافة لعوامل أخرى منها الحالة الاجتماعية والصحية وغيرها، هذا بالطبع بخلاف جنسية الضحية.

أي اتفاقية تطبقها إيران؟

إيران ليست من الموقعين على اتفاقية مونتريال وبالتالي ربما تلجأ للمناورة في تحديد قيمة التعويضات لضحايا الطائرة الأوكرانية بالمبالغ التي حددتها اتفاقية وارسو، لكن وجود ضحايا من كندا وأوكرانيا وجنسيات أخرى سيمثل عائقاً كبيراً في مسألة حساب قيمة التعويضات.

هل تؤثر طريقة إسقاط الطائرة في حساب قيمة التعويض؟

الإجابة نعم بالطبع، واعتراف إيران بإسقاط الطائرة عن طريق الخطأ ربما يكون نقطة هامة في صالحها فيما يخص حساب قيمة التعويض، وإن كان الأمر متوقفاً على إذا ما كانت المسألة سيتم حسمها بالطرق الودية أم سيكون هناك من يلجأ للقضاء.

وحتى يمكن تصور حجم المبلغ الذي قد تضطر إيران لدفعه كتعويض لأهالي الضحايا، وأيضاً لشركة الطيران الأوكرانية، نستدعي هنا حادثاً مشابهاً وكانت إيران أيضاً طرفاً فيه، لكنها كانت الضحية بينما كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي الجاني، واللافت أن الطريقة كانت واحدة تقريباً.

كم دفعت واشنطن تعويضات إسقاط الطائرة الإيرانية؟

في الثالث من يوليو/تموز 1988، تحطمت طائرة مدنية إيرانية كانت في طريقها من طهران إلى دبي عبر بندر عباس بصاروخ أرض-جو أمريكي وقتل جميع ركابها والطاقم وكان عددهم 290. الصاروخ أطلقته البارجة الحربية الأمريكية يو إس إس فينسيس، وكان ذلك في نهايات الحرب بين العراق وإيران.

إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان بررت الكارثة تقريباً بنفس الطريقة التي تبرر بها إيران كارثة الطائرة الأوكرانية حالياً: الصاروخ أطلق بطريق الخطأ فقد ظن الطاقم أن الطائرة عسكرية كانت تستهدف البارجة، وفشلت محاولات التواصل مع الطائرة.

بعد سنوات من تبادل الاتهامات ووصول القضية إلى محكمة العدل الدولية، دفعت الحكومة الأمريكية تعويضات لأهالي ضحايا الطائرة من الإيرانيين بلغت قيمتها 61.8 مليون دولار، على الرغم من أن الولايات المتحدة لم تقدم اعتذاراً رسمياً ولم تتحمل المسؤولية القانونية أو الجنائية عن إسقاط الطائرة، وقدمت من جانبها ما رأت فيها أدلة على رفض طاقم الطائرة الرد على اتصالات البارجة العسكرية لتحديد هوية الطائرة.

ماذا يعني ذلك بالنسبة لإيران وقيمة التعويضات المتوقعة؟

الظروف الحالية والتوترات المتصاعدة والموقف الذي يواجهه النظام الإيراني على مستوى المنطقة والعالم كلها أمور على الأرجح سيكون لها دور كبير في تحديد مبلغ التعويضات التي ستكون طهران مطالبة بدفعها ليس فقط لأهالي الضحايا البالغ عددهم 176، لكن أيضاً لشركة الطيران الأوكرانية وشركات التأمين.

طريقة إسقاط الطائرة وملابساتها سيكون لها أيضاً انعكاسات على قيمة مبلغ التعويض الذي ستطالب به حكومات أوكرانيا وكندا، وربما تستغرق التحقيقات وقتاً طويلاً، وكل هذا متوقف على مدى تعاون الجانب الإيراني مع الأطراف التي ستشارك في هذا التحقيق.

الموقف السياسي المتشابك سيلقي كذلك بظلاله على قضية التعويضات، فمن غير المتوقع أن تفوّت الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب فرصة استغلال الحادث كورقة ضغط إضافية على النظام الإيراني، وبالطبع سيكون ذلك من خلال شركة بوينغ الأمريكية المصنعة للطائرة التي تحطمت وهي من طراز بوينغ 737-800.

شاهد أيضاً

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …