حمد، شاب يمني خرج من صنعاء اليمنية عام 2015 آملاً بالوصول إلى بريطانيا، وصل إلى عدة مدن عربية وأوروبية وطلب فيها اللجوء لكنه لم يصل بعد إلى وجهته، أحمد روى لمهاجر نيوز حكايته منذ أن خرج من اليمن.
خمس سنوات قضيتها في طريق الهجرة آملاً بالوصول إلى بريطانيا، عبرت دولا إفريقية وأوروبية عدة وفي كل مرة كنت أصل فيها إلى إحدى المدن، أحنّ إلى اليمن وإلى صنعاء والعمل المجتمعي الذي كنت قد بدأته هناك، قبل أن يقتحم الحوثيون المدينة عام 2014 ويخربوا كل شيء فيها وأوله مستقبل الشباب.
اسمي أحمد (36 عاماً)، تركت اليمن عام 2015 عندما تفاقمت سيطرة الحوثيين على المدينة. لم أشأ الخروج ولكن كان لا بد من ذلك، فأنا ضد الحوثيين وكنت قبلاً ضد علي عبدالله صالح، ولا يمكنني الخضوع لهم ولهمجيتهم. ذهبت وأختي إلى الحدود السعودية فلدي أخاً وأختا هناك ولكن كنت قد نسيت جواز سفري بعد أن تركنا المنزل بكل ما فيه. دخلت أختي إلى السعودية وبعد أن عدت وأحضرت جوازي بمشقة، كانت الحدود قد أغلقت ولم يرضى السعوديون أن يدخلوا إلا العائلات.
حينها فقط استيقظ حلم قديم بالسفر، كانت الوجهة بريطانيا وبنفس الوقت لأي بلد آخر يستقبلني وأستطيع فيه متابعة العمل المنظماتي. اتجهت في قارب خشبي تجاري من جنوب اليمن إلى الصومال. في المركب شاهدت صوماليين وأفارقة وهاربين من الحرب القائمة هناك. من الصومال، اتجهت نحو كينيا ومن ثم أثيوبيا فالسودان. من هناك بدأ الجزء الآخر من الرحلة غير الشرعية وكنا في نهاية عام 2015.
الغاية الأولى ”وثيقة من مفوضية اللاجئين في مصر“
مصر منعت دخول اليمنيين إليها من دون تأشيرة، دخلت إليها بطريقة غير شرعية وتوجهت فورا إلى مفوضية اللاجئين هناك، لسبب رئيسي هو أنني من مصر سأستقل سفينة وأذهب إلى أوروبا، وإن تم القاء القبض علي لسبب ما فسأتعرض للتعذيب وللترحيل، ولكن وثيقة مفوضية اللاجئين تخفف من وطأة مشكلة كهذه.
بقيت في مصر قرابة ستة أشهر، لم تكن مريحة البتة، فالأوضاع هناك غير مستقرة وشؤون اللاجئين أيضاً، ولم يكن لدي أي سبب للبقاء. فبعد مرور الأشهر في مصر، بقيت فيها عند أصدقاء وكنت قد تدبرت أموري المالية منذ أن خرجت، تواصل معي المهرب وأخبرني بموعد انطلاق الرحلة القادمة.
”خاف المهرب أن يتم رصدنا، فغلّفوا السفينة بالنايلون“
كان من المفترض للسفينة التي انطلقت بنا من ميناء الاسكندرية ألا تحمل أكثر من 250 شخصا، لكن كنا على متنها أكثر من 400 بيننا 50 طفلا ونساء حوامل وعائلات، بقينا ندور في مكاننا وسط البحر لمدة أسبوع، بين المياه المصرية والليبية ولكن لم نقترب من المياه الدولية فلم يكن عددنا قد اكتمل بعد. كانت الأعباء النفسية تزيدني سوءاً، وأحوال الطقس المتغيرة أيضاً.
رأيت بأم عيني طائرات استطلاع تابعة لليبيين والمصريين وجهة ثالثة تطير فوق رؤوسنا، خاف المهرب من أن يتم رصدنا فغلفوا السفينة بالنايلون وبعد عناء عبرنا المياه الدولية وتعطلت السفينة وطلبنا النجدة من خفر السواحل الإيطالي.
من إيطاليا إلى سويسرا
في الشهر السادس عام 2016 وصلنا إلى الشواطئ الإيطالية، سيسيليا أعتقد، أنزلونا من السفينة وبدأوا بالإجراءات الروتينية الصحية والإدارية، أذكر أننا وضعنا بصماتنا، وكان معي في رحلتي صديق من اليمن تعاهدنا على البقاء سوياً لنؤنس بعضنا البعض لكن قرر الإيطاليون تفريقنا وتوزيعنا على عدة مدن إيطالية. لم يعجبني الأمر، لم أحمل في جيبي سوى 40 يورو جلبت فيهم صديقي من مدينته الإيطالية إلى كالابريا حيث كنت، وطلبت من المسؤولة عن مدينتي وضعنا سوياً ولم ترض، أخبرناها أننا نريد إتمام طريق اللجوء وأننا لا نريد البقاء في إيطاليا ولا غاية لنا بتقديم طلب اللجوء، لم تكترث وقلت في نفسي إيطاليا مع السلامة. ذهبنا إلى قرية ثانية ومنها إلى ميلانو وبعدها إلى الحدود الإيطالية السويسرية.
”سويسرا مع السلامة“
رحّبت بنا السلطات السويسرية بالكلبشات، ألقوا القبض علينا، لم نكن نحمل أي أوراق ثبوتية فقد هربنا من إيطاليا من دون حتى أن نقطع تذاكر سفر. في سويسرا سجلنا بصماتنا للمرة الثانية وقررنا طلب اللجوء، نقلونا إلى مخيم في زيورخ. وحصل بعد فترة صديقي على رفض طلب لجوءه لأنه بصم في إيطاليا وصدر قرار ترحيله إليها وفقا لاتفاقية دبلن. أخبرت المحامي الموكل بقضيتي عن وضعي فقال وضعكما واحد، وقبل أن يصلني الرد الحتمي، قلت: سويسرا مع السلامة.
ترانزيت لمدة سنة في ألمانيا
وصلنا إلى ألمانيا وهناك طال انتظاري سنة كاملة، طلبنا فيا اللجوء للمرة الثالثة وبدأ التعب النفسي يظهر علي بشكل واضح. أنا شخص اجتماعي ولا يهمني ما مررت به لأن لي هدف ولكن ألمانيا التي قنعني صديقي بها وقال إن فيها عمل وناس من اليمن لم تسعفني، كانوا منغلقين وعنصريين ولم أحب البقاء في ألمانيا وبما أنني بصمت في بلدين أوروبيين كان ملفي مربكاً. استفسرت عن الموضوع أكثر فقالوا إنهم ينتظرون رداً من سويسرا كوني بصمت هناك، ولكن مضى على وجودي في ألمانيا أكثر من 6 أشهر وأعرف أن مدة كهذه “تكسر” البصمة، لكنهم رفضوا صديقي مرة أخرى بعد أن استأنف القرار، وقلت له أنا ذاهب إلى بريطانيا. قال لي سنمر عبر فرنسا، نجرب هناك للمرة الرابعة وإن لم ننجح نتجه إلى بريطانيا.
ألمانيا مع السلامة
قلت في نفسي من جديد ”ألمانيا مع السلامة“ عبرنا الحدود الألمانية الفرنسية ومن ثم وصلنا إلى باريس في القطار وهذا كان عام 2017، بورت دو لا شابيل كانت الوجهة، أخبرنا الكثيرون عن سوء الأوضاع في فرنسا لا سيما باريس وأننا سننام في الشارع ولا مساعدات وما إلى ذلك وبالفعل هذا ما حصل. في بورت دو لا شابيل مركز استقبال أعتقد أنه هدم عام 2018، لا أذكر تفاصيل كثيرة سوى أننا عبر هذا المركز وبعدها نجحنا في الوصول عبر المركز إلى محافظة الشرطة بعد.
أخذوا بصماتنا للمرة الرابعة في أوروبا واستلمنا “الريسيبيسيه” وبعد فترة تم نقلنا إلى جنوب فرنسا، فرقوني عن صديقي الذي وضعوه في قرية صغيرة وأنا في قرية أخرى اسمها مونتمارسون. في فرنسا لم تتعقد الأمور الإدارية ولكن حالتي النفسية كانت في أوجها. أعطوني سنة حماية استأنفت القرار فأعطوني عشر سنوات. وغدوت لاجئ سياسي عام 2019، حاولت الذهاب إلى باريس للبحث عن عمل أو عن منظمات، لم ينفع الأمر. لذلك فكرت ملياً بالذهاب إلى مدينة غرونوبل فهناك سمعت عن وجود منظمات. ولكن لم أكن أشعر بالاستقرار.
” je suis perdu .. أنا ضائع“
اللغة عائق واستغلال اللاجئين في مهن محدودة عائق وعدم توافر منظمات أستطيع العمل بها عائق أيضا. وأخضع بسبب هذه الرحلة الطويلة لعلاج نفسي مكثف، أفكر في نفسي أن الرحلة لم تنته فأنا لا زلت آمل بالوصول إلى بريطانيا في يوم من الأيام، الطرق غير الشرعية ليست مضمونة وأحاول البحث حالياً عن سبيل لتأمين تأشيرة أدخل فيها بطريقة شرعية، وبعدها أبحث في خيارات تمكنني من الاستقرار هناك، فلي أقارب وحلم قديم، وأتقن اللغة الإنكليزية أكثر من الفرنسية بالطبع.