«التايم شير» أشهر طرق النصب والاستيلاء على أموال المواطنين
قروض بالمليارات والضمان شيكات الحاجزين
مسوق عقارى يقدم «خريطة طريق» لتفادى التعرض للنصب
رئيس البرلمان: 97% من العقارات فى مصر ليست مسجلة
العقاد: قانون جديد لـ «مهنة المطورين» لحماية المالك والمشترى
“حقق حلمك واشترى شقة العمر كاملة الخدمات بمقدم 50 ألف جنيه وبالتقسيط على 20 سنة”، إعلانات تداعب أحلام البسطاء الباحثين عن وحدة سكنية بسعر معقول، لكنهم سرعان ما يتبدد حلمهم إلى سراب، بعد أن يقع في فخ الإعلانات التي باتت تغزو وسائل التواصل الاجتماعي في غياب أية رقابة قانونية.
ليس هذا وحده أسلوب النصب الذي يتم من خلاله سلب الأموال من جيوب المصريين، حيث تتعدد طرق الاحتيال والنصب، بداية من البيع لأكثر من شخص، مرورًا ببيع وحدات لا وجود لها في الأساس، واختلاق أفكار تسويقية للاستيلاء على أموال المواطنين، من خلال البيع الجزئي أو ما يمسى “التايم شير”، الذي انتشر بشكل كبير مؤخرًا ووقع فيه الكثير من المواطنين، نهاية بالنصب عبر الادعاء بتوظيف الأموال في العقارات.
المصيبة الأكبر التي يشكو منها الضحايا هي عدم قدرتهم على استرداد حقوقهم المسلوبة وعدم فاعلية القانون في استعادة حقوقهم ليستسلم البعض منهم إلى المقولة الشهيرة: “القانون لا يحمى المغفلين”، بينما هناك من اتجه إلى تحذير غيره من خلال إنشاء صفحات ومجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي أعدت خصيصًا للتشهير بتلك الشركات الوهمية.
خدعة المفلسين لسرقة الملايين
ويحكى أحمد مصطفى، مدرس، عن تجربته مع ما يعرف بـ”التايم شير”، قائلاً: “كنت نازل أشترى لبس لولادى استوقفنى شاب بعد ما سأل عن اسم ابنى الصغير قال لي: مبروك يا فندم أنتم كسبتم معانا هدية فورية، بشرط أنكم تحضروا بكرة بس فى مقر الشركة وعشان نضمن الجدية هتسيب لنا 100 جنيه، فطبعًا أنا ناصح شوية قلت له أنتوا بتفرقوا هدايا ليه؟، كان الرد إنهم بدل ما يعملوا إعلانات فى التلفزيون ويصرفوا عليها فبيعملوا دعاية مباشرة وكمان لما أكسب معاهم ضرايبهم هتقل”.
وتابع قائلاً: “روحت تانى يوم الشركة أنا والمدام والأولاد ولازم المدام (عشان عارفين أن الست ممكن تأثر علي) قعدت مع واحد أقنعنى بصراحة أنه استثمار وولادى كمان هيستفيدوا، وعمل البحر طحينة وأنا كنت قاعد زى المتخدر، وفى نهاية الحوار سألت عن السعر هنا دخلى واحد تانى مبتسم، وقام مزود الطحينة وقال إن سعر الأسبوع بره العرض 70 ألف بس أنت تم اختيارك النهارده وكسبت معانا خصم 50% يعنى 35 ألف، وكمان هتدفع النص والباقى على 4 سنين وبالطريقة اللى تريحنى هسدد، وهنا جه دور المدام طبعا ده عرض مايتفوتش هيبقى بتاعنا مدى الحياة وبس بـ35 وبعدين ممكن نستبدل فى 6 مناطق سياحية تانية ولازم نحجز العرض ده”.
واستطرد قائلاً: “أنا سرحت مع كلام المدام وقلت وماله أهى حاجة للعيال المهم طلعت ألف جنيه اللى فى جيبى وحجزت العرض وأخدت هدية، وأنا ماشى بعد ما روحت البيت وفكرت بعقل شوية والتسهيلات اللى هم قالوا عليها خلانى شكيت، المهم بعمل بحث باسم الشركة، لقيت كلام منتشر كتير على مواقع التواصل بأن المعاملات دى بتكون نصب، وإن ناس اتنصب عليهم فى مبالغ كبيرة، وهنا تأكدت أنى اتنصب عليا فقرأت حول الموضوع لحد ما فهمت شوية نقط أقدر اتسند عليها وأنا بكلمهم عشان أفسخ العقد، خصوصا أن فيه شرط جزائى 45% لو رجعت فى كلامى وقعدت أجمع المعلومات عشان أعرف هتكلم فى ايه”.
وأوضح أنه ذهب إلى مقر الشركة للتوقيع على العقد، متابعًا: “هنا اكتشفت أن الناس اللى كانت قابلتنى بابتسامة أول مرة كلهم قالبين وشهم المرة دى، فأنا طلبت أقابل الراجل اللى عملت معاه العقد قالوا إنه مش فاضى وعندنا خدمة العملاء من الساعة 3 يعنى تيجى بكرة، طبعًا اتعصبت وطلبت منهم أقابل أى مسئول (عشان معملكوش شوشرة) وفجأة الراجل اللى كان مشغول فضى وجه قابلنى، طبعًا أنا كنت محضر كل الكلام اللى فهمته من قرار 150 بتاع وزارة السياحة والراجل مبقاش عارف يرد، وبعد ما خلصت طلبت أنى أفسخ العقد، وأسترد فلوسى بكل هدوء قالى هعملك اللى أنت عاوزة بس هعرض عليك عرض إيه رأيك هديلك 500 جنيه وكمان أسبوع مجانًا فى شرم قلت له لا والله أنا مش عاوز أروح شرم أصلا، قال أنا بالشكل ده بأكد لك مدى مصداقيتنا”.
وأوضح أن الموظف رد عليه قائلًا: “طيب يا فندم أنا هرجعلك فلوسك بس فيه شرط جزئي”، هنا رد عليه مصطفى قائلًا: “عقدكم باطل وكل اللى فيه باطل.. قالى خلاص يا فندم هنخصم 200 مصاريف إدارية قلتله خد 100 اعتبرهم تمن الهدية ومجهود الراجل اللى قعد يرغى معايا وفعلا إدانى 900 وأخدت كل أوراقى ونفدت بجلدي”.
قروض بالمليارات بضمان الحاجزين
لا تتوقف حيل النصب على المواطنين عند الحصول على أموالهم بل تتخطى ذلك، لتقوم الشركات العقارية باقتراض مبالغ ضخمة من البنوك الكبرى، بضمان شيكات حاجزى وحدات مشروعاتها العقارية بهدف شراء أراضٍ فى مناطق أخرى.
وهو ما حدث بالفعل مع إحدى الشركات العقارية الشهيرة التى تمتلك مشروعًا عقاريًا ضخمًا بمدينة 6 أكتوبر، حيث اقترضت مبالغ مالية ضخمة، تجاوزت أكثر من 1.6 مليار جنيه، بضمان شيكات حاجزى وحدات أحد مشروعاتها لشراء أراضٍ جديدة لتتوسع فى مشاريعها.
لكن خلافًا مع جهاز المدينة أدى إلى وقف مشروعها بسبب المخالفات القانونية، ليكون الخاسر الأكبر هم المواطنون الذين يعانون منذ ثلاث سنوات بسبب هذا النزاع، وعدم حصولهم على وحداتهم أو مبالغهم المالية، حيث لم يتم حل النزاع بين الشركة والجهاز من قبل لجان فض المنازعات للعام الثالث على التوالي، على الرغم من أن بنود تلك اللجان تنص على فض المنازعات خلال 60 يومًا كحد أقصى.
كيف تحمي نفسك من النصابين؟
ويرى أحمد صبري، مندوب تسويق لدى شركة “ع.م” للتسويق العقاري، أن “العملاء يجرون وراء الإعلانات والإغراءات دون التأكد من اسم الشركة ومصداقيتها والمشروعات التى نفذتها فى السابق ومدى تناسب أسعارها مع السوق قبل اتخاذ قرار الشراء”.
وأضاف لـ”المصريون”، أن “قيام الشركات العقارية بالإعلان والترويج عن مشروعاتها العقارية قبل حصولها على التراخيص اللازمة والقرار الوزارى الخاص بالمشروع يعد أمرًا غير قانونى، ويعد السبب الرئيسى فى حالات النصب التى يتعرض لها العملاء”.
وتابع: “يجب على كل من يرغب فى شراء وحدة مراجعة الحى أو الوحدة المحلية، أو جهاز المدينة الجديدة الواقع فى دائرتها العقار أو الشقة، للتأكد من أن العقار ليس متعديًا على أملاك الدولة والتأكد من أنه أنشئ بناء على رخصة بناء، وأن الوحدة المشتراة أو المؤجرة تقع فى الأدوار التى شملت الأعمال المرخص بها”.
وأشار مندوب التسويق إلى أن “أفضل طريقة للتصدى لعمليات النصب والاحتيال أن يتوجه الراغبون فى شراء وحدة سكنية إلى مصلحة الشهر العقارى للحصول على شهادة سلبية بالتصرفات على العقار، للتأكد من عدم وجود تصرفات سابقة عليه من جانب البائع للغير تم إخفاؤها عليه فى الشراء والامتناع عن الشراء فى حالة وجود أى تصرف على العقار قد يؤثر على الملكية أو الحيازة”.
وتابع: “كما يجب على المشترى التقدم بطلب الإشهار للعقد فور تحريره، على أن يتضمن التعاقد جميع حقوق والتزامات كل طرف بصورة واضحة لا تحتمل اختلاف التأويل أو التفسير، بما فيها حصة الشقة من الأرض والمرافق والسطح والبدروم والأجزاء المشتركة والاستخدامات المحيطة أو غيرها.
وشدد على أنه “من الأهمية الحصول على نسخة من بيانات العقار وعقد ملكية الأرض وصورة الرخصة والمخطط العام للمجمع السكنى، وإرفاقها مع عقد ملكيتك للوحدة وإيداعها بالحى أو الوحدة المحلية أو جهاز المدينة الجديدة، تجنبًا للوقوع تحت طائلة عمليات النصب والاحتيال”.
تنظيم مهنة “المطورين”
ويقول النائب محمد العقاد، عضو لجنة الإسكان بمجلس النواب، إن سوق العقارات فى مصر بحاجة إلى تشريعات جديدة لحماية المواطنين، خاصة مع تطور طرق النصب.
وذكر أن “مجلس النواب وافق الأسبوع الماضى على قانون تنظيم مزاولة مهنة المطورين العقاريين بهدف حماية البائع والمالك، من خلال وضع شروط موضوعية بها فى كل العقود، لحماية المواطنين تنص على جميع تفاصيل الوحدات السكنية بداية من المواصفات ومواعيد التسليم انتهاء بالتعويضات””.
وأضاف العقاد لـ”المصريون”، أن “مشروع القانون ينص على إنشاء صندوق الضمان العقارى لاسترداد التعويضات اللازمة فى حالة الإخلال بأى بنود التعاقد، بالإضافة لتغطية المخاطر واسترداد المبالغ التى دفعت من حاجز الوحدة فى حال حدوث ضرر”.
وأكد أن “مشروع القانون يسهم بشكل كبير فى تلاشى المنازعات التى تحدث بين الشركات العقارية والمواطنين من خلال إلزام المطور العقارى بالتعويض عن أى إخلال أو تقصير ووصف جميع الخدمات العامة وتوقيت تسليمها للمواطنين، وفقا لاتفاق الطرفين”.
وأشار النائب إلى “وجود أزمة فى التسجيل العقاري، على مستوى الجمهورية، نتج عنها ضياع ملايين الجنيهات على الدولة ما يمثل صعوبة على المواطنين ويتركهم ضحية لعمليات النصب وبيع الشقق لأكثر من مواطن”.
وقال إن “إجراءات التسجيل صعبة وروتينية، ما يتسبب فى عزوف المواطنين راغبى التسجيل، بالإضافة للمبالغة فى رسوم التسجيل، وطول الفترة اللازمة لذلك، فى الوقت الذى يجب أن تكون هناك تيسيرات لضمان تشجيع المواطنين للإقبال على هذه الخطوة المهمة التى تحفظ حقوق المواطنين والدولة فى الوقت نفسه”.
97 % من العقارات ليست مسجلة
وكان الدكتور علي عبدالعال رئيس مجلس النواب أثار ضرورة تقديم تشريع جديدة بخصوص التسجيل في الشهر العقاري أكثر من مرة، وتحديدًا منذ بداية عام 2018، حين قال رئيس مجلس النواب وقتها، إن القضاء على المشاكل الموجودة فى الشهر العقارى يتطلب إسناد مهمة التسجيل للشركات الخاصة كما هو معمول به فى الكثير من الدول.
وأضاف أن 97% من العقارات فى مصر ليست مسجلة فى الشهر العقاري، وهناك من يريدها فوضى لتظل بدون تسجيل، وهذا لا يحدث فى أى دولة فى العالم.
وتعهد وقتها المستشار عمر مروان، وزير شئون مجلس النواب، بتقديم الحكومة مشروع قانون بشأن تنظيم بعض أحكام الشهر العقارى فى باقى أنحاء الجمهورية خلال شهر على الأكثر، وهو ما لم يحدث حتى الآن، ما دفع رئيس مجلس النواب للإعراب عن غضبه مؤخرًا ، فى ظل تردى أوضاع الشهر العقارى بمختلف أنحاء الجمهورية، بسبب “انتشار الابتزاز والتفسيرات غير المنطقية للوائح التى أدت إلى عدم تقييد 95% من عقارات مصر”.
وأضاف: “كل من يذهب للشهر العقارى يتعرض لأسوأ معاملة حتى لا يعود مرة أخرى”، واستطرد: “على الحكومة أن تأخذ الموضوع مأخذ الجد، وإلا سأضطر إلى تفعيل استجواب لوزير العدل”.