في ذكرى رحيله بعد 13 سنة من وفاته.. ماذا وجدوا في قبر الشيخ «كشك»؟

أحبه الكثيرون، واختلف حوله آرائه الكثيرون، لكن يبقى في النهاية الشيخ الراحل عبدالحميد كشك، واحدًا من أبرز الدعاة المعاصرين، لا يمكن بأي حال تجاهله عند الحديث عن أشهر الخطباء خلال القرن العشرين، وهو الذي يلقبه محبوه بـ “فارس المنابر”، لما عرف عنه من جرأته الشديدة في خطبه التي اختلطت بالسياسة في غالبها.

والراحل هو رائد ما عرفت بظاهرة “دعاة الكاسيت”، التي أسهمت في تحقيق انتشار شعبي واسع لكثير من الدعاة، في الوقت الذي لم تكن فيه مصر عرفت بعد عصر الفضائيات، التي فتحت الباب على مصراعيه لدخولهم كل البيوت، بعد أن كانوا حصرًا على المساجد.

وحتى بعد منعه من الخطابة لفترة استمرت 16 عامًا، لم يتوقف محبو الشيخ عن سماع خطب الرجل الذي ظل حاضرًا طوال الوقت بينهم بشرائطه التي كانت تنسخ وتوزع في إطار من “السرية”، وقد ترك أكثر من 2000 خطبة مسجلة.

والشيخ كشك من مواليد شبراخيت بالبحيرة في 10 مارس 1933، فقد بصره في سن مبكرة، وأتم حفظ القرآن قبل أن يبلغ سن العاشرة، والتحق بالمعهد الأزهري بالإسكندرية، وكان ترتيبه الأول على الجمهورية في الشهادة الثانوية الأزهرية، وحافظ على تفوقه بعد أن التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، إذ كان ترتيبه الأول خلال سنوات الدراسة بالكلية.

وعين معيدًا بكلية أصول الدين بعد تخرجه في عام 1957، لكنه لم يلق سوى محاضرة واحدة، لأنه كان متعلقًا بالمنابر أكثر من تعلقه بمدرجات الجامعة، بعد أن اعتاد على صعود المنبر منذ كان في سن الثانية عشر من عمره.

وعمل بعد تخرجه خطيبًا بمسجد الطحان بمنطقة الشرابية بالقاهرة، وفي عام 1962 تولي الإمامة والخطاب بمسجد “عين الحياة” بمنطقة حدائق القبة، وظل يخطب فيه قرابة العشرين عامًا.

وقد تعرض للاعتقال أكثر من بسبب جرأته الشديدة، كانت البداية في عام 1965، وأمضى عامين ونصف متنقلاً بين معتقلات طره وأبي زعبل والسجن الحربي، وبعد خروجه من السجن عاد للخطابة مجددًا، قبل أن يعتقل في عام 1981 ضمن موجة الاعتقالات التي طالت العديد من السياسيين من تيارات وأطياف مختلفة، بسبب موقفهم المعارض لاتفاقية السلام مع إسرائيل الموقعة في عام 1979.

وبعد أن أفرج عنه عام 1982 لم يعد إلى مسجده الذي منع منه، كما منع من الخطابة والدروس حتى توفي في 6 ديسمبر 1996، وهو ساجد بين يدي ربه بعد أن تهيأ لصلاة الجمعة.

وقد حكي كثير ممن تعاملوا معه عن حياته البسيطة التي كان يعيشها، رافضًا المتاجرة بدينه، حتى إنه وكما يحكي أحد الصحفيين الذين أجرى معه مقابلة صحفية، كان يسكن في شقة متواضعة للغاية بمنطقة حدائق القبة، حتى إن “الكنبة” التي كان يجلس عليها تهتز بسبب ضعف الحال.

وهو الذي لو أراد أن يعيش حياة الملوك، لكان له ذلك، وكما يحكي بدعابته المعهودة، فإن أشخاصًا قدموا من الخليج إلى بيته بسيارة “الواحد كان يتمنى أنه يموت تحتها مش يركبها”، وفق تعبيره، وعرضوا عليه السفر معهم وقتها، على أن يحدد هو بنفسه الرقم المادي الذي يريد كتابته في العقد، لكنه رفض، لأنه كان مرتبطًا كثيرًا بأرض مصر وشعبها.

وفي مقطع فيديو متداول على موقع “يوتيوب” يتحدث الشيخ نشأت أحمد، الداعية الإسلامي، وتلميذ الشيخ الراحل عن وفاته، قائلاً: “سمعته بأذني وهو يخطب على المنبر: اللهم اقبضني إليك وأنا ساجد، قبل وفاته بشهرين”.

وحتى قبل أسابيع من وفاته، كان الشيخ يتأهب للموت، وكأنه كان يشعر بدنو أجله، موصيًا أولاده بما سيفعلونه بعد وفاته.

يضيف “نشأت”: “كان معه ابنه الثاني عبدالمنعم، وجلس معه الشيخ، وأملاه وصيته بالكامل، وكان مما وصاه وصاه بي، ثم قبل وفاته بأسبوع نادى أكبر أبنائه “عبدالسلام” وأوصاه وصيته بالكامل، وسلمه كل الأمانات التي كانت لديه”.

وتابع: “بل كما يحكي أبناؤه، كان يتحرك بين الحين والحين ليقف عند عمود في بيته، وهو يتألم لمستقبل الأمة، وهو في ساعات احتضاره على وشك الموت: “ويل للأمة من هذا الشر القادم”، كلمات كان يرددها الشيخ، ليست مرة، بل مرات”.

وقبل ساعات من وفاته، يروي “تلميذ كشك”، أنه في “ليلة وفاته، جلس مع ابنه وأوصاه الوصية الأخيرة، وسأله: عن عمر كم مات رسول صلى الله عليه وسلم؟ فأجاب: 63 عامًا.. قال أنا الليلة أتممتها. بل أن آخر حديث قرأ عليه طالب علم قبل وفاته بيوم: “إن الله ليقبض العلم انتزاعًا من صدور العلماء، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء”.

واستطرد الشيخ “نشأت”: “بل الشيخ لكثرة ما تكلم الناس عنه في مسألة تحديثه ببعض الأحاديث الضعيفة، عمد لما منع من الخطابة، أن يكتب كتابًا كاملاً، بل ألف 55 كتابًا، خلال الفترة المنع ما بين عامي 1981 و1996، من بينها تفسير كامل للقرآن، اسمه في “رحاب القرآن”، جمع فيه جمعًا جيدًا، بل صال فيه وجال. كما قام بتأليف كتاب آخر اسمه: “في رحاب السنة”، على غرار “شرح السنة” للبغوي، جمع فيه الأحاديث الصحاح وبوبه على تبويب الفقه، كالبخاري والترمذي وغيرهما”.

وأردف: “وكان آخر باب كتبه ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته، ثم ذكر حديث السيدة عائشة “كانت آخر ما تكلم به النبي قبل موته: اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى.. اللهم الرفيق الأعلى”، كان هذا آخر ما كتبه الشيخ قبل وفاته”.

وعرج تلميذ كشك إلى آخر ساعات في حياة الشيخ، قائلاً: “ثم لم بات ليلته الأخيرة، أصبح في الصباح على عادته، صلى الفجر، وجلس يردد أذكاره، ولما حان وقت الضحى، صلى الضحى، وعندما أحضرت له زوجته الطعام، قال لها اجلسي أحكي لك رؤيا: “رأيت الليلة النبي صلى الله عليه وسلم ومعه عمر بن الخطاب، وأمرني أن أصافحه، وسقطت بينهما ميتًا، فغسل النبي يديه، وما هي إلا لحظات حتى قامت زوجته لتجهز أبناءها للجمعة، وقام الرجل لذكر الله عز وجل، ثم دخل الحمام فاغتسل غسلاً شديدًا، وخرج مسرعًا على غير العادة، صلى لله ركعتين، وسجد وطال سجوده، وكان السجود الأخير، والنفس الأخير، لقي الله ساجدًا”.

يحكي الشيخ “نشأت”: “بعد وفاة الشيخ بـ 13 عامًا، قدر لي أن أحضر دفن أخي عبدالسلام، وكانت المرة الأولى التي يفتح عليه القبر، نزلت بنفسي، فرأيت هذا بعين رأسي، جسد الشيخ وكفنه، كأنه وضع الآن، لم يطرأ عليه تغيير، كلما اعترى الكفن، بعض التراب، في الجزء الذي بين قدمي، أما سائر الكفن فعلى حاله، بل يعلم الله أني نزلت القبر ما شممت منه رائحة إلا ريحًا طيبًا، ما رأيت فيه حشرة، بل نظافة عجيبة، فزاد كل ذلك حبي للرجل”.

شاهد أيضاً

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …