قبل نحو 17 عامًا من الآن، حصل مارك شوتلورث، على لقب أول «رائد فضاء أفريقي»، بعدما شارك المليونير الجنوب أفريقي حينها في رحلة انطلقت إلى «محطة الفضاء الدولية» على نفقته الخاصة. وكان ذلك في إطار برنامج للسياحة الفضائية، وجاء الوصول الأفريقي للفضاء بعد نحو أكثر من أربعة عقود على تمكن أول إنسان من الطيران إلى الفضاء الخارجي والدوارن حول الأرض.
وكان، يوري ألكسيافيتش جاجارين، رائد الفضاء السوفيتي، هو أول إنسان يتمكن من الطيران إلى الفضاء الخارجي والدوارن حول الأرض، وذلك في 1961 على متن مركبة الفضاء السوفيتية «فوستوك1»، وذلك بعد نحو أربع سنوات على بداية عصر الفضاء في 1957، عندما أطلق الاتحاد السوفييتي «سبوتنك-1»، الذي كان أول قمر صناعي في العالم، دار حول الأرض.
منذ ذلك الحين بلغت عدد عمليات إطلاق الصواريخ حوالي 5450، باستثناء العمليات الفاشلة، وما يزال 5 آلاف قمر صناعي بالفضاء حتى الآن، بحسب إحصائيات وكالة الفضاء الأوروبية. فيما ظل نصيب قارة أفريقيا من هذه الأقمار لا يكاد يذكر. فحتى قبل عامين من الآن أطلقت بالفعل دول القارة نحو 20 قمرًا اصطناعيًّا إلى المدار الخارجي لكوكب الأرض، وهذا الرقم تضاعف مؤخرًا ليصل إلى 40 قمرًا خلال 2019، فهل بدأت أفريقيا في دخول السباق فعليًّا؟
إلى أين وصلت صناعة الفضاء في العالم؟
قبل الحديث عن أفريقيا يجب أن نتحدث سريعًا عما وصلت إليه صناعة الفضاء في العالم، إذ دخل العالم مرحلة «السياحة الفضائية» وسط تنافس كبير بين شركات التكنولوجيا، وبحسب تقديرات منشورة بمجلة «هارفارد بزنس ريفيو»، فإن التوقعات تشير إلى أن عوائد اقتصاد الفضاء قد تصل إلى عدة تريليونات دولار بحلول منتصف القرن، في حين تبلغ حاليًا نحو 325 مليار دولار.
والآن بات كثير من الشركات في العالم تعمل حاليًا على استكشاف الفضاء ذاته، والبحث عن الفرص الاستثمارية المتاحة فيه، في حين لم يكن هذا الأمر منطقيًّا قبل 15 عامًا من الآن، خاصة مع دخول القطاع الخاص بقوة للتنافس في هذا القطاع، بعد احتكار الحكومات لهذا المجال لسنوات طويلة.
ويقول تقرير صدر في 2017، عن بنك «مورجان ستانلي» إن هناك مبررات قوية حاليًا تدعم استثمار شركات القطاع الخاص في عالم الفضاء، إذ خلص التقرير إلى أنه بحلول عام 2040 سيكون اقتصاد الفضاء أحد أهم الصناعات على الأرض.
وبنهاية العام الماضي، وتحديدًا في 8 ديسمبر (كانون الأول) 2018، كانت صناعة الفضاء على موعد مع نقلة تاريخية في هذا المجال، وذلك بعد أن أطلقت شركة «سبيس إكس» الأمريكية أول كبسولة من طراز «دراجون» على متن الصاروخ فالكون 9، لتصبح بذلك أول كيان غير حكومي يطلق كبسولة تدور حول الأرض باستخدام مركبة فضائية.
على الجانب الآخر وصل عدد الشركات الخاصة العاملة في صناعة الفضاء، إلى نحو 435 شركة، وفق تقديرات شركة «سبيس إنجلز» المتخصصة في مجال اقتصاد الفضاء. بينما تشير التوقعات إلى أنه خلال الأعوام القليلة المقبلة سيشهد العالم زيادة في عدد شركات الفضاء الخاصة لتصل إلى 1500 شركة.
هل بدأت أفريقيا في دخول سباق المليارات؟
بعيدًا عن سرد ما وصل إليه اقتصاد الفضاء عالميًّا، لنعد بالحديث إلى أفريقيا، وبالرغم من أنه حتى الآن ما يزال مارك شوتلورث، هو الأفريقي الوحيد الذي ذهب في رحلة إلى الفضاء، من بين قائمة البشر الذين سافروا إلى الفضاء، والتي تصل إلى نحو 573 شخصًا، حسب إحصاء خبير الفضاء جوناثان ماكدويل؛ فإن الصناعة بدأت تزدهر بقوة في القارة بالآونة الأخيرة.
يشار كذلك إلى أن، ماندلا ماسيكو، كان سيكون ثاني رائد فضاء من أفريقيا، لكنه توفي في حادث دراجة نارية في جنوب أفريقيا، خلال يوليو (تموز) الماضي، إذ اختير ماسيكو من بين مليون شخص ليصبح واحدًا من بين 23 شخصًا فازوا برحلة مدارية لمدة ساعة في 2014، برعاية أكاديمية «إكس أبولو» للفضاء.
يقول تقرير صادر عن وكالة الأنباء الألمانية «د ب أ»، إن نحو 20 دولة أفريقية لديها برامج فضاء خاصة بها، لكن من بين هذه الدول هناك ثماني دول أطلقت بالفعل قرابة 40 قمرًا اصطناعيًًا إلى المدار الخارجي لكوكب الأرض، وبدأ نصف عدد هذه الأقمار الاصطناعية رحلات إلى الفضاء خلال العامين الماضيين فقط.
وتقترب إثيوبيا من إطلاق أول قمر صناعي في تاريخها، فبحسب «أسوشيتد برس»، فقد صُنع القمر الإثيوبي في الصين، وسيطلق من موقع هناك، بينما يقول وزير الابتكار والتكنولوجيا في إثيوبيا، جيتاهون ميكوريا، إن القمر سيستخدم لأغراض الزراعة والتعدين، وحماية البيئة، ومراقبة الأرض.
هذا النموذج يكشف عن الطفرة التي تحدث على الأرض فيما يخص صناعة الفضاء في أفريقيا، لاسيما أن إثيوبيا تسعى لتعزيز مكانتها كأحد أهم المراكز الاقتصادية والتكنولوجية في القارة، فقبل سنوات قليلة، قد أنشأت مرصد «إنتوتو» الفضائي على أطراف أديس أبابا، بهدف وضع البلاد على خريطة الفضاء الدولية.
وتختلف نظرة إثيوبيا إلى صناعة الفضاء عن غيرها من دول القارة، فبحسب ما قال، سليما بيلاي، مدير مرصد «إنتوتو»، قبل نحو خمس سنوات لوكالة «إنتر بريس سيرفس» إن «تكنولوجيا الفضاء تعد ترفًا مخصصًا للدول المتقدمة، لكنها تمثل في الواقع حاجة أساسية وحيوية للتنمية بالنسبة لنا».
المغرب والجزائر ومصر يطرقن الفضاء.. إلى أين وصلت المنافسة في أفريقيا؟
خلال آخر ثلاث سنوات تسارعت وتيرة نمو القطاع في أفريقيا، إذ يمكن القول إن نمو الصناعة قد تضاعف خلال الفترة الماضية، إذ خلصت دراسة حديثة أجراها الباحثون بمركز «ماركت فوركاست» إلى إن «صناعة الفضاء تبرز كواحدة من أكثر الصناعات جذبًا وربحية على مستوى العالم»، كما أكدت الدراسة أن هذه الصناعة أصبحت ذات قدرة تنافسية عالية، وتركز تركيزًا رئيسيًّا على تطوير حلول مرنة، وبأسعار معقولة.
بعيدًا عن إثيوبيا التي تستعد لدخول مضمار الصراع خلال الفترة القادمة، نجد أن هناك سبع دول أفريقية تملك آلة ذات مدار ثابت فوق الأرض، فقبل 2017 كانت أربع دول فقط تمتلك أقمارها الصناعية الخاصة، وهي الجزائر، ومصر، ونيجيريا، وجنوب أفريقيا، وفي 2017 انضمت المغرب، وغانا، وأنغولا للقائمة.
وتعد نيجيريا وجنوب أفريقيا هما الأهم في هذا القطاع، إذ إن نيجيريا أنشأت وكالة فضاء عام 1999، وهي «الوكالة الوطنية للبحوث والتنمية الفضائية»، وبدأت العمل رسميًّا أغسطس (آب) 2001، ثم أطلقت أول قمر صناعي بعد سنتين، بينما جنوب أفريقيا فلم تنشئ وكالة فضاء «Sansa» سوى في 2010، إلا أنها أطلقت أول قمر صناعي جنوب أفريقي، في 1999 بمساعدة وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا».
وبحسب ما يقول رئيس شركة «نيو سبيس سيستمز» في كيب تاون، جيمس بارينجتون براون، التي تصدر مكونات الأقمار الاصطناعية إلى الخارج، ويعمل بها 22 موظفًا، فإن «صناعة الفضاء في أفريقيا ما زالت غضة، غير أنها تتمتع بإمكانات هائلة»، إذ يرى بارينجتون براون أن جنوب أفريقيا والمغرب دولتان رائداتان في هذا المجال.
وتعد جنوب أفريقيا واحدة من الدول الأفريقية القليلة التي يمكنها أن تصنع أقمارها الاصطناعية، وعند الحديث عن صناعة الأقمار محليًّا، فإن غانا لها تجربة مهمة في يوليو (تموز) 2017، إذ أطلقت قمرًا صناعيًّا قد صُنع بالكامل في غانا، وبحسب ما يقول رئيس المنظمة الأفريقية لصناعات الطيران والفضاء وصاحب كتاب «الوكالة الفضائية الأفريقية، عامل تنمية» (2015)، سيكو ويدراوغو، لـ«فرانس24» فإن هذه التجربة تظهر طموح غانا وكفاءتها وإمكانياتها.
على الجانب الآخر، رغم أن معظم الدول الأفريقية تستخدم أقمارًا تُستخدم في أغراض الاتصالات ورصد المتغيرات البيئية على كوكب الأرض؛ فإن الحالة المغربية تختلف عن الآخرين، ففي نوفمبر (تشرين الثاني)، أطلق القمر الصناعي المغربي المجهز بأحدث وسائل مراقبة الأرض من مركز «كورو» الفضائي، في إقليم غويانا الفرنسي. وعلى عكس العادة فإن المملكة المغربية تكتمت على الأمر، إلى أن أعلنت شركة «أريانسبايس» في غوايانا الفرنسية أن صاروخًا من نوع «فيغا» وضع قمر «محمد السادس- أ» في المدار لمراقبة الأرض.
القمر المغربي قادر على التقاط صور ذات جودة تصل إلى 70 سم من أي مكان على سطح الكرة الأرضية، وإرسالها إلى محطة التحكم في أقل من 24 ساعة، وبذلك أصبح المغرب أول بلد أفريقي يمتلك قمرًا صناعيًّا قادرًا على الرصد والاستطلاع بدقة وجودة عاليتين، لكن هذا القمر كلف المملكة 500 مليون دولار.
وفي حين أن التصريحات الرسمية تشير إلى أن القمر يهدف إلى مراقبة ما يقع على التراب المغربي، ودراسة ملائمة المشروعات الاقتصادية، والمحافظة على البيئة، وتدبير الأراضي الزراعية، فإن مراقبين يرون أن القمر له علاقة بالتوتر الإقليمي بين المغرب والجزائر من ناحية، والمغرب وإسبانيا من ناحية أخرى.
الجزائر من جانبها ردت على جارتها في ديسمبر (كانون الأول) 2017، إذ أطلقت الجزائر بالتعاون مع الصين القمر الصناعي السادس في تاريخها، وقالت إنه مخصص للاتصالات، إضافة إلى أن هذا القمر قد صمم وصنع بالكامل في الجزائر، وهو يعد قفزة كبيرة في هذا المجال بالنسبة للبلاد، إذ كان القمر هو باكورة أعمال المشروع الذي أعلنت عنه الجزائر في 2016، وقد بنيت محطتان أرضيتان لرقابة القمر الاصطناعي، الأولى في المدية والثانية في ورقلة، ويشغلهما مهندسون جزائريون تدربوا في الصين.
وفيما يخص مصر التي اختيرت لبناء المقر الدائم لوكالة فضاء تؤسسها القارة السمراء، فقد كانت على موعد مؤخرًا، مع إطلاق أول قمر اصطناعي للاتصالات «طيبة1» إلى مداره حول الأرض، في خطوة قالت القاهرة إنها ستحسن من البنية التحتية للاتصالات وخدمات الإنترنت، وتجتذب الاستثمارات.
وجاء الإطلاق من مركز «جويانا» للفضاء، الواقع في جويانا الفرنسية على ساحل المحيط الأطلسي بأمريكا الجنوبية، وبحسب الرئيس التنفيذي لوكالة الفضاء المصرية، محمد القوصي، فإن «القمر سيوفر شبكة اتصالات موازية للشبكة الأرضية الحالية».
وتشير مصادر إعلامية محلية إلى أن في يوليو الماضي، كانت مصر على موعد مع إطلاق قمرها الأول المصنوع محليًّا بنسبة 100%، وهو قمر من نوع «كيوب سات»، وصل وزنه إلى كيلو جرام، وبعمر زمني مدته عام في الفضاء، ويهدف لخدمة البحث العلمي واختبار الأنظمة الفضائية الموجودة بمحطة الفضاء المصرية، إلا أن مصر ما زالت في بداية الطريق، خاصة أن بعض الدول الأفريقية تسبقها في هذا المجال.
هل تعزز طفرة صناعة الفضاء بأفريقيا الاقتصاد الرقمي؟
يعد الوصول إلى البيانات بمساعدة الأقمار الاصطناعية، وتبادل هذه البيانات هو أساس الاقتصاد الرقمي، وبالتالي فإن الافتقار إلى البيانات يجعل التقنيات المستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي، والبيانات الكبرى عاجزة عن العمل، وهذا الجانب جانب جوهري فيما يخص مستقبل صناعة الفضاء في أفريقيا.
خاصة أن القطاع الرقمي في أفريقيا آخذ في الازدهار، ويتطلب قنوات اتصالات موازية؛ إذ تعد أفريقيا أسرع سوق نموًّا لتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في العالم، ولا شك أن استخدام الأقمار الاصطناعية لبناء بنية تحتية رقمية هو مسألة أساسية، لذلك يرى المحللون أن أفريقيا يجب أن تكون لاعبًا مهمًّا في هذا المجال.
وفي أبريل (نيسان) 2018، أطلقت مجموعة البنك الدولي مبادرة الاقتصاد الرقمي لأفريقيا، بمشاركة وزراء المالية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في أفريقيا، ومحافظي البنوك المركزية، وشركات التكنولوجيا والاتصالات العالمية العملاقة، إذ أكد الملتقى دور الاقتصاد الرقمي بوصفه محركًا جديدًا للنمو في القارة، وناقش كيفية بناء أسسه، وتناول مخاطر التخلف عن ركبه.
وتهدف مبادرة الاقتصاد الرقمي لأفريقيا إلى زيادة الربط بين جميع أنحاء المنطقة، وربط فقراء الريف والحضر بالخدمات المالية والحكومية الرقمية، والأسواق والمعلومات، فما زالت أفريقيا تضم 21 بلدًا من بين البلدان الخمسة والعشرين الأقل ربطًا بالاقتصاد الرقمي في العالم، بينما لا يتجاوز عدد الذين يتوفر لديهم الإنترنت 22% من إجمالي السكان، وبالرغم من أن هذه الأرقام سيئة، فإنها تمثل فرصة كبيرة لنمو صناعة الفضاء في القارة وتطورها.
ختامًا يجب الإشارة إلى أنه رغم هذه الطفرة ما زالت المعلومات حول الحجم الحقيقي لصناعة الفضاء الأفريقية غائبة؛ وذلك لأن الحكومات ما تزال تسيطر على القطاع، وتظل مساهمة القطاع الخاص متواضعة، إلا أن بعض التقديرات تشير إلى أن ما لا يقل عن 10 آلاف شخص يعملون في هذه الصناعة.