بعد أن هزت أعمال الشغب العرقية الدموية أقصى غرب الصين قبل عقد من الزمن، لجأ الحزب الشيوعي الحاكم إلى شخصية نادرة في صفوفه لاستعادة النظام في هذه المنطقة: مسؤول صيني من الهان يجيد لغة الإيغور، وهي لغة الأقلية المسلمة التركية في البلاد.
والآن، كشفت وثائق سرية جديدة، أن هذا المسؤول، تشو هايلون، أدى دوراً رئيسياً في تخطيط وتنفيذ حملة أدت إلى إلقاء مليون أو أكثر من الإيغور في معسكرات الاعتقال، بحسب تقرير لوكالة Associated Press الأمريكية.
كانت الوثائق، التي نُشرت عام 2017، تحمل توقيع تشو، بصفته رئيساً آنذاك للجنة الشؤون السياسية والقانونية القوية في الحزب الشيوعي في منطقة شينجيانغ. وتعرَّف عالم لغوي من الإيغور على توقيع تشو الذي كان مكتوباً أعلى بعض الوثائق لأنه كان يعمل مترجماً في كاشغر، في الفترة التي كان تشو خلالها أرفع مسؤولي المدينة.
يقول العالم اللغوي، عبدويلي أيوب، الذي يعيش الآن في المنفى: «عندما رأيتها، أدركت أنها مهمة. فهو رجل يريد أن يمسك بزمام السلطة. وبكل شيء».
ولم يردّ تشو (61 عاماً) على الطلبات المتكررة للتعقيب.
قبل فترة طويلة من هذه الحملة القمعية، ورغم قربه من الثقافة المحلية، كان تشو مكروهاً بين الإيغور الذين حكمهم أكثر مما كان محبوباً.
من هو تشو؟
ولد تشو عام 1958، في ريف جيانغسو على ساحل الصين. وفي فترة شبابه، خلال الثورة الثقافية المليئة بالاضطرابات في الصين، أُرسل تشو إلى مقاطعة كارغيليك، في قلب أرض الإيغور في شينجيانغ. ولم يغادرها أبداً.
انضم تشو للحزب عام 1980، وتسلق الهرم الوظيفي في شينجيانغ ليتولى إدارة الأماكن الحساسة. وبحلول التسعينيات، كان يجيد لغة الإيغور بطلاقة لدرجة أنه كان يصحح لمترجميه أثناء الاجتماعات.
وقال رجل أعمال من الإيغور يعيش في المنفى، ورفض ذكر اسمه خوفاً على سلامته: «إذا لم تره، فلن تتخيل أبداً أنه صيني من قومية الهان. فحين كان يتحدث لغة الإيغور، كان يتحدث مثلهم تماماً، لأنه نشأ معهم»
سمع رجل الأعمال لأول مرة عن تشو من صديق له من الإيغور تعامل مع هذا المسؤول في بعض أعماله التجارية. وكان صديقه معجباً به، ووصف تشو بأنه «شديد البراعة»، وموظف من الهان يمكن للإيغور أن يعملوا معه. ولكن بعد سنوات من رصد تشو وهو يشرف على عمليات القمع والاعتقالات، سرعان ما توصل رجل الأعمال إلى نتيجة مختلفة.
وقال: «إنه ثعلب ماكر. هذا المكر الذي يتلاعب بعقلك. لقد كان شخصية رئيسية في سياسات الحزب الشيوعي فيما يخص السيطرة على جنوب شينجيانغ».
أما أيوب، العالم اللغوي، فقد التقى بتشو عام 1998، حين جاء لتفقد بلدته. واشتهر بأنه يأمر بشن مداهمات على منازل الإيغور في الثالثة صباحاً، واعتاد المزارعون غناء أغنية شعبية شهيرة تسمى «تشو هايلون قادم» من باب التهكم على طبيعته القاسية الجافة.
وقال أيوب: «كان يعطي الأوامر كما لو أن المزارعين جنود. كلنا كنا جنوده. كان الهان الصينيون يسيطرون على أرضنا. وأدركنا أنه يتعين علينا البقاء في مكاننا».
المبعوث الخاص لبكين
وبعد شهور من اندلاع أعمال شغب في الخامس من يوليو/تموز عام 2009، التي خلفت المئات من القتلى في أورومتشي عاصمة الإقليم، لجأوا إلى تشو ليحل محل رئيس المدينة. كانت بكين ترسل بصفة شبه دائمة مسؤولين من مقاطعات أخرى لتولي هذه الوظيفة، والسبب في ذلك، جزئياً، أنها تعتبره تدريباً على المناصب الأعلى. لكن المسؤولين المركزيين الذين تولوا مهمة تقصي الحقائق في أورومتشي خلصوا إلى أن تشو، الذي يعتبر أكثر صرامة من سلفه، هو الأجدر بهذا المنصب.
وقال موظف سابق من الإيغور رفض الكشف عن اسمه خوفاً على سلامته: «كانوا غاية في التعاسة. لم يحدث ذلك من قبل، ولكن لأن السكان المحليين قالوا إنه كان رائعاً في الحفاظ على الاستقرار، فقد كُلف بتولي المنصب وأصبح سكرتير الحزب في أورومتشي».
وبعد تعيينه، قضى تشو ثلاثة أيام متحصناً في مركز شرطة المدينة، وتوعد بتشديد قبضة الحكومة على المنطقة. فاجتاح أفراد الشرطة أحياء الإيغور، وأشهروا أسلحتهم وأُلقي القبض على المئات لمحاكمتهم. ورُكّبت عشرات الآلاف من كاميرات المراقبة.
لكن بدلاً من معالجة الانقسامات العرقية، زادتها هذه الإجراءات القمعية سوءاً. وبلغت الأمور ذروتها في أبريل/نيسان عام 2014، حين جاء الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى شينجيانغ في زيارة رسمية. وبعد ساعات قليلة من مغادرته، وقع انفجار في محطة قطار أورومتشي، ما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وجرح 79 آخرين.
وتوعد شي بزيادة التصعيد.
في عام 2016، عينت بكين قائداً جديداً لشينجيانغ هو تشن كوانغو. وكان تشن، الذي يعني اسمه الأول «البلد بأكمله»، يُعرف بأنه موظف صارم يبرع في تكتيكات المراقبة الرقمية في التبت.
وكان تشو ذراعه اليمنى. ووضع تشو، الذي عُين رئيساً لجهاز الأمن والقانون في المنطقة، الأساس لنظام مراقبة حكومي شامل يمكنه تحديد أهداف الاعتقال تلقائياً. وكان يتردد على المنطقة باستمرار لتفقد مراكز الاعتقال ومراكز الشرطة ونقاط التفتيش والمكونات الأخرى لجهاز مراقبة واحتجاز ناشئ.
تعامل تشو مع المسلمين
بعد وصول تشن، بدأ الآلاف من الإيغور يختفون. وتُبين الوثائق المسربة أن تشو أشرف على عمليات اعتقال جماعية، وكان يُصدِّق على تصاريح تسمح للشرطة باستخدام المراقبة الرقمية للتحقيق مع الأشخاص الذين زاروا دولاً أجنبية، أو استخدموا تطبيقات جوال بعينها، أو تربطهم علاقة «بأشخاص مشبوهين». ويبين التلفزيون الحكومي أن تشو واصل تفقده المستمر للمعسكرات ونقاط التفتيش ومراكز الشرطة في شينجيانغ، وهو يشرف بنفسه على حملة الاعتقال الجماعي.
استقال تشو العام الماضي بعد بلوغه الستين من عمره، وذلك تمشياً مع القواعد التقليدية لكوادر الحزب الشيوعي الذين يعملون في منصب تشو. ولا يزال تشن في منصبه.
يقول رجل الأعمال الإيغوري: «جاء تشن كوانغو باسم الحزب. وهو يعرف ما يفعله وكيف ينفذه، ومن ينبغي أن يأسرهم».