رغم تمحور الفيزياء بأكملها على أربع قوى تتحكم في العالم المرئي المعروف، بدءاً من إنتاج الحرارة في الشمس، إلى الطريقة التي يعمل بها الكمبيوتر المحمول؛ وهم الجاذبية، والكهرومغناطيسية، والقوة النووية الضعيفة، والقوة القوية.
باحثون يتوصلون إلى قوة خامسة للطبيعة
لكن وفق تقرير نشرته شبكة CNN الأمريكية، فإن هناك دراسة قام بها باحثون في معهد البحوث النووية في أكاديمية العلوم المجرية، تتحدث عن احتمالية وجود قوة خامسة للطبيعة.
الباحثون في معهد البحوث النووية في أكاديمية العلوم المجرية (Atomki) نشروا نتائج دراسة تستعرض ما يُحتَمل أن يكون مثالاً لتلك القوة الخامسة الفاعلة.
كان الباحثون يراقبون عن كثب كيف تبعث ذرة الهيليوم أثناء الاضمحلال الإشعاعي، إذ تنقسم الجزيئات بزاوية غير عادية تبلغ 115 درجة، وهو ما لم يتسنّى تفسيره باستخدام الفيزياء المعروفة.
وقال أتيلا كراسزنهوركي، كبير الباحثين في الدراسة، لشبكة CNN الأمريكية، إن هذه هي المرة الثانية التي يعثر فيها فريقه على جسيم جديد أطلقوا عليه اسم X17، وترجع تسميته إلى احتساب كتلته عند 17 ميغا إلكترون فولت.
وفي بريد إلكتروني، قال كراسزنهوركي: «ربما يكون X17 هو الجسيم الذي يربط عالمنا المرئي بالمادة المظلمة».
ومن المتوقع أن تنال دراسة الباحثين إذا تم الانتهاء منها جائزة نوبل
وقد قال جوناثان فينغ، أستاذ الفيزياء وعلم الفلك بجامعة كاليفورنيا بمدينة إيرفاين، في حديثه مع شبكة CNN، إنه ظلَّ يتابع عمل الفريق المجري لسنوات، ويعتقد أن أبحاثهم تتبلور لتحدث طفرة في قواعد اللعبة المتعارف عليها.
وقال إنه إذا تسنَّى تكرار هذه النتائج «ستنال هذه الدراسة بلا شك جائزة نوبل».
ويبني العلماء المَجريون عمَلهم على نتائج إحدى الدراسات التي أجريت عام 2016.
فقبل ثلاث سنوات، نشر الباحثون المجريون ورقةً بحثيةً مماثلةً في دورية Physical Review Letters، التي تعدّ إحدى أكثر المجلات سموّاً في علوم الفيزياء.
وكان فريق التجارب الفيزيائية النووية يدرس آنذاك نظيراً آخر، وهو البريليوم-8، عندما يؤول إلى الحالة القاعية -وهي أقل حالة للطاقة في نظام كمومي- وتبيّن لهم أن الإلكترونات والبوزيترونات تنفصل عن الذرة بزاوية غير عادية.
وكانت هذه النتائج، التي أظهرت جسيمات تنطلق من البريليوم-8 بزاوية 140 درجة، غريبة وجديدة.
وسوف تحقق هذه الدراسة الجديدة ثورةً علمية
أتيلا كراسزنهوركي قال في رسالته التي تلقّتها CNN بالبريد الإلكتروني: «لقد طرحنا وجود مثل هذه الجسيمات الجديدة التي لم يرها أحد من قبل، ولم يُفهَم وجودها من خلال نظرية النموذج العياري التي تُوصِّف القوى الأساسية في الكون، وتحظى بقبول واسع في علم فيزياء الجسيمات، لذا كان الأمر في حاجة إلى تدقيق».
ولم تحظ النتائج التي توصل إليها فريق كراسزنهوركي بالكثير من الاهتمام في البداية، لكنها أثارت دهشة فينغ. وقال إنه «لا يريد ترك النتائج التي قد تحدث ثورة علمية مركونة على الرَّفّ».
وطرح أحد علماء الفيزياء في كاليفورنيا نظرية لشرح النتائج غير العادية.
وباختصار، ربما ينتهي ذلك إلى تغيُّر الفيزياء التي نعرفها، كما يُحتمل ألا يتجاوز الأمر كونه مجرّد خطأ مخبري بسيط.
وقال فينغ إن «بعض الناس اعتقدوا أنهم أخطأوا».
وقد أطلق العلماء على القوة الخامسة، قوة رهاب الضوء
رغم ذلك، فإنه اعتقد أن الباحثين المجريين كانوا على حق، ونشرت مجموعته البحثية دراسة في أعقاب الجهد البحثي الذي قام به الفريق المجري خلال عام 2016، إذ طرحوا نظرية من شأنها مراقبة ما شاهده فريق كراسزنهوركي.
وأشار هؤلاء إلى تلك القوة الفاعلة الخامسة غير المرئية بوصف «photophobic force – أو قوة رهاب الضوء»، بمعنى أنها مثل جسيمات «خائفة من الضوء».
وفي الوقت نفسه، بدأ علماء الفيزياء النووية في جميع أنحاء العالم العمل بحثاً عن أخطاء في عمل فريق الباحثين المجريين، ولكنّ الأمر انتهى بهم خاويي الوفاض على مدار الأعوام القليلة الماضية.
وقال فينغ: «بعض المشاهير من علماء الفيزياء النووية قاموا بهذا العمل».
وبدا أن أعدادهم في تزايُد، دون أن يتمكن أي شخص من إثبات خطأ ما أتت به أجهزة الباحثين من نتائج.
وقال فينغ إن فريقه يعكف على مقارنة التجارب التي قام بها الباحثون المجريون بـ «كل تجربة أخرى أُجريت في تاريخ الفيزياء».
ولم تكن هناك طريقة لشرح جسيم X17، سوى وجود «قوّة خامسة» لم تُكتَشف بعد.
وتصوّب تلك النتائج أسهمها في اتجاه ما يُعدّ بمثابة الكأس المقدّسة لعلم الفيزياء.
ويجب على العلماء تكرار تجاربهم للتأكد من النتائج النهائية للدراسة
ومن أجل المضي قدماً بالنتائج المبهرة التي كشفوا عنها الستار في عام 2016، يتعيّن على الباحثين المجريين تكرار نتائج تجربتهم العلمية مرة أخرى، وهو بالضبط ما تفعله نتائج عام 2019.
ويقول فينغ إنه لا توجد سوى فرصة واحدة من بين كل تريليون فرصة لأن تكون نتائجهم ناجمة عن شيء آخر بخلاف جسيم X17 ، وتلك القوة الخامسة الجديدة.
وأضاف أنه إذا استطاعت ثمّة مجموعة بحثية أخرى تكرار هذه النتائج بذرّة ثالثة بخلاف البريليوم والهيليوم «ستنكشف حقيقة الأمر».
وتتواصل العديد من المجموعات البحثية مع فوغ، وتبيّن حماسهم الشديد لإتمام التجربة الحاسمة.
وربما يؤدّي المزيد من جهد اكتشاف القوة الخامسة إلى استقرار العلماء على اسم محدد لها، وفهم طبيعه فاعليتها في الكون فهماً أعمق، فضلاً عن ابتكار تطبيقات عملية تُعنى بكيفية تسخير قوتها.
وقالت الشبكة الأمريكية «: إنهم يقودوننا إلى ما هو أقرب إلى ما يُعرف بالكأس المقدسة في الفيزياء، والتي كان يهدف إليها ألبرت أينشتاين، لكنه لم يدركها».
ويأمل الفيزيائيون في تدشين ما يعرف باسم «نظرية الحقل الموحد«، التي من شأنها تفسير جميع القوى الكونية تفسيراً متماسكاً، بدءاً من تكوين المجرات وصولاً إلى الطبيعة الغريبة للكواركات.
ولكن الكون لا يكشف عن أسراره بسهولة.
ويقول فينغ: «لا يوجد سبب للتوقف عند القوة الخامسة، فربما تكون هناك قوة سادسة وسابعة وثامنة».