من الأمور التي يثار الجدل والتساؤلات بشأنها طبيعة العلاقة بين الزوجين بعد عقد الزواج، وقبل زفافهما، بمعنى ما هو حدود المسموح به، وما هو المحظور إتيانه خلال تلك الفترة.
وكان ذلك محل تساؤلات توجه بها بعض الأشخاص إلى دار الإفتاء المصرية لإبداء الرأي حولها، ومعرفة حدود العلاقة بين الزوجين بعد العقد وقبل الدخول، وبيان حكم من يطلب معاشرة زوجته، أو يفعلان ذلك سِرًّا بعد أن تم عقد النكاح أمام الأهل والأصدقاء رسميًّا، لكن من دون إتمام الزفاف.
وأفتى الدكتور شوقي علام، مفتي الديار المصرية بأنه “ليس للزوج شرعًا المطالبة بالمعاشرة الزوجية كحقٍّ من حقوقه بمجرَّدِ عقد الزواج؛ وذلك حتى يتمَّ الزِّفَافُ وتقيم الزوجة بمسكن الزوجية، أما الدخول بها سرًّا دون استئذان وليّها ودون احترامٍ للأعراف الاجتماعية والتقاليد المتبعة في ذلك فلا يجوز شرعًا؛ حفاظًا على حقوق كُلًّا الزوجين في تقدير حصول الطلاق أو الوفاة مع إنكار الدخول”.
وقال إن “مِنْ أبرز آثار عقد الزَّواج: إباحةُ الدخول إذا اتَّفق العاقدان على أن يتم الدخولُ مباشرةً بعد العقد، ومن ثَمَّ يَحِلُّ الزوجان لبعضهما، أمَّا في حالة عدم الاتفاق بينهما على موعدٍ مُحدَّدٍ للدخول بعد العقد فينبغي ألَّا يتمَّ إلا بإذن الولي أو إعلامِه، أو الإشهادِ على ذلك؛ لأن الدخول يترتب عليه أحكامٌ أخرى قد يُنكِرُها أحدُ المتعاقدَين، ومنها النَّسب الذي يثبت بالفِراش؛ فالفراشُ لا يتمُّ إلا بالدخول، وكذلك استحقاقُ الزَّوجَةِ كاملَ المهر؛ فإنها لا تستحقُّ كاملَه إلا بالدخول، وكذلك أحكام الثيوبة والبِكارة، وغير ذلك مما يفرَّق فيه بين ما قبل الدخول وبعده.
وأضاف: “والعرفُ جارٍ على أن المعاشرةَ الزَّوجيَّة لا تكون إلا بعد الزِّفاف؛ فوجب احترامُه ومراعاتُه؛ لقول الله تعالى في كتابه الكريم: ?خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ? [الأعراف: 199]”.
وتابع: “فإذا حَدَث الدُّخول سِرًّا بين العاقد والمعقود عليها، ثم انكشف ذلك للنَّاس قبل الزِّفَاف؛ فالعرفُ يَعْتَبِرُ ذلك أمرًا مُشِينًا للزَّوجين معًا، وقلةَ احترامٍ للأهل تقتضي الاعتذارَ والأسفَ”.
واستدل بما أوصى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعدم ارتكاب ما يُعتذر منه، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، حَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ وَاجْعَلْهُ مُوجَزًا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «صَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّعٍ، فَإِنَّكَ إِنْ كُنْتَ لَا تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، وَأْيَسْ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ تَكُنْ غَنِيًّا، وَإِيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ» أخرجه الطبراني في “المعجم الأوسط”.
وقال المفتي: “وما دام العرف لا يخالف الشَّرع الشَّريفَ وارتضاه النَّاس واطمأنت إليه نفوسهم؛ فيجب مراعاته، ويصير هذا المعروف بينهم كالمشروط المنصوص عليه؛ فالقاعدة الفقهية تَنُصُّ على أنَّ الثابت بالعرفِ كالثابتِ بالنَّصِّ”.
وعلى ذلك، مضى إلى القول: “فاعتبار الشَّيْنِ في دخول العاقد والمعقود عليها سِرًّا شرطٌ يقتضيه العقد وإن لم يُنصَّ عليه أثناء العقد أو فيه، ومن الـمُقرَّر شرعًا أَنَّ أَوْلَى الشروط بالوفاء ما استُحِلَّت به الفروج؛ لحديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أَحَقُّ مَا أَوْفَيْتُمْ مِنَ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ» أخرجه البخاري”.
وحذر علام من أن “الزَّوج إذا دخل بزوجته سِرًّا قبل الزفاف فلربما حَدَثَت مفاسد كثيرة تَترتَّب على هذا الدخول في حالة موت الزوج، أو وقوع الطلاق، لا سيما إذا حَدَث حَمْلٌ مِن هذا الدخول، فإذا حدث أمرٌ من هذه الأمور وتَمَّ إنكار الدخول من قِبَل الزوج أو ورثته؛ فلسوف يَنْتُج عن ذلك وقوع العديد من الأضرار والآثار السيئة على الزوجة وأهلها؛ كإنكار النَّسَب، وعدم استحقاق الولد الميراث، ولسَدِّ الذريعة للتسبب في تلك الأضرار -والتي تقع غالبًا بالفعل في هذا العصر-؛ يتَرجَّح الإفتاء بتحريم الدخول سِرًّا بالمعقود عليها”.
وانتهى في فتواه إلى أنه “فليس للزوج المطالبة بالمعاشرة الزوجية كحقٍّ من حقوقه بمجرَّدِ عقد الزواج؛ وذلك حتى يتمَّ الزِّفَافُ وتقيم الزوجة بمسكن الزوجية، أما الدخول بها سرًّا دون استئذان وليّها ودون احترامٍ للأعراف الاجتماعية والتقاليد المتبعة في ذلك فلا يجوز شرعًا؛ حفاظًا على حقوق كُلًّا الزوجين في تقدير حصول الطلاق أو الوفاة مع إنكار الدخول”.
أما عن حدود العلاقة بين الزوجين الذين تم عقد قرانهما فقط، فقد قالت أمانة الفتوى بدار الإفتاء، إن “من أبرز آثار عقد الزواج إباحة الدخول إذا اتفق العاقدان لعقد النكاح (ولي المرأة والزوج) عليه، ومن ثم يحلُّ الزوجان لبعضهما؛ إلا أن الدخول ينبغي أن لا يتم إلا بإذن الولي أو إعلامه، والإشهاد على ذلك”.
واستندت في فتواها إلى أن “الدخول يترتب عليه أحكام أخرى قد ينكرها أحد المتعاقدين خاصة مع فساد الذمم، ومن ذلك النسب الذي لا يثبت إلا بالفراش، والفراش لا يتم إلا بالدخول، وكذلك كمال المهر لا يثبت إلا بالدخول، وكذلك أحكام الثيوبة والبكارة وغيرها”.
واعتبرت أنه “وما ذكر من آثار العقد قبل الدخول (حل كل شيء دون الدخول) لا يسمى حقوقًا، بمعنى أنه ليس من حق الزوج أن يطالب زوجته بأن تسلم نفسها له بمجرد العقد؛ فهذا ليس حقًّا له ما دام أن زوجته في بيت وليها، فيجوز للزوجة أو وليها منع العاقد مما أحلَّه له العقد وفقًا لنظام بيتهم وأعراف قومهم، وليس له أن يطالب بالخلوة وما يترتب عليها من أشياء أباحها العقد”.